﴿ وَٱلْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ ﴾ مذهب الجمهور أن في القيامة موازين توزن بها أعمال العباد اتباعاً لظواهر النصوص في ذلك. وذهب مجاهد والضحاك والأعمش وجماعة وهو قول المعتزلة: إلى أن ما ورد من الوزن والموازين إنما هو كناية عن العدل ومحاسبة أهل الموقف بحساب أعمالهم والوزن مبتدأ ويومئذٍ ظرف منصوب بالوزن والتنوين في إذ تنوين العوض من جملة محذوفة تقديره يوم إذْ نسأل ونقص فحذف ذلك وعوّض منه التنوين ولذلك لا يجتمعان، وكذا كل موضع يلحق التنوين فيه لاذْ والحق خبر عن المبتدأ الذي هو الوزن.﴿ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ ﴾ من أثبت الميزان ذكر أنه ذو كفتين ولسان ولم يثبت مثل هذا نصاً لا في القرآن ولا في السنة والثقل والخفة إنما هما من صفات الأجسام والحسنات والسيئات من صفات الاعراض، فقال: هؤلاء ان الموزون إنما هو الصحف التي كتبت فيها الحسنات والسيئات. وقوله: موازينه أفرد الضمير مراعاة للفظ من ثم جمع في قوله: فأولئك، مراعاة لمعنى من. ويتعلق بآياتنا بقوله: ﴿ يِظْلِمُونَ ﴾ لتضمنه معنى يكذبون أو لأنها بمعنى يجحدون.﴿ وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي ٱلأَرْضِ ﴾ تقدم معنى مكناكم في قوله: أول الانعام مكناهم في الأرض. والخطاب راجع للذين خوطبوا اتبعوا ما أنزل إليكم وما بينهما أورد مورد الاعتبار والاتعاظ بذكر ما آل إليه أمرهم في الدنيا وما يؤول إليه في الآخرة.﴿ مَعَايِشَ ﴾ جمع معيشة. وقرأ خارجة عن نافع: معائش، بالهمز شبهها بصحائف من حيث عدد الحروف والحركات والكون. والمعيشة: ما يعاش به من المطاعم والمشارب وغيرهما مما يتوصل به إلى ذلك. وهي في الأصل مصدر ينزل منزلة الآلات. وإعراب: ﴿ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ ﴾ كإِعراب قليلاً ما تذكرون.﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ﴾ هو على حذف مضاف تقديره خلقنا أباكم ثم صورنا أباكم ويبقى ثم دالة على موضوعها من المهملة في الزمان. فبدأ بالخلق وهو إخراج من العدم الصرف إلى مادة وهي الترائب. ولقوله تعالى:﴿ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ﴾[آل عمران: ٥٩]، ثم ثنى بالتصوير وهو تشكيله بالصورة الآدمية. وتقدم تفسير: ﴿ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ ﴾ في البقرة فاغنى عن إعادته. وقوله: ﴿ لَمْ يَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ ﴾ جملة لا موضع لها من الإِعراب مؤكدة لمعنى ما أخرجه الاستثناء من نفي سجود إبليس كقوله:﴿ أَبَىٰ وَٱسْتَكْبَرَ ﴾[البقرة: ٣٤]، بعد قوله: إلا إبليس، في البقرة.﴿ قَالَ مَا مَنَعَكَ ﴾ انتقل من ضمير المتكلم المعظم إلى ضمير الغيبة في قال. وما: استفهامية مبتدأة. والجملة بعدها خبره ولا في أن لا تسجد زائدة للتوكيد يدل على زيادتها سقوطها في قوله: أن تسجدوا وإذ معمولة لقوله: منعك. والمعنى أنه وبّخه وقرّعه على امتناعه من السجود، وإن كان تعالى عالماً لما منعه من السجود. وما: استفهامية، تدل على التوبيخ كما قلنا قبل.﴿ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ ﴾ هذا ليس بجواب مطابق للسؤال، لكنه يتضمن الجواب إذ معناه منعني فضلي عليه لشرف عنصري على عنصره ولم ينظر المسكين لأمر من أمره بالسجود وهو الله تعالى فامتثال الأمر طاعة الله تعالى، وقد تكلم الناس في تفضيل النار على الطين وفي تفضيل الطين على النار، بما هو مذكور في البحر.﴿ قَالَ فَٱهْبِطْ مِنْهَا ﴾ لما كان امتناعه من السجود بسبب ظهور شرفه على آدم عند نفسه قابله الله بالهبوط المشعر بالنزول من علو إلى أسفل. والضمير في: منها عائد على الجنة وإن لم يجر لها ذكر. قال ابن عطية: أُهبط أولاً وأخرج من الجنة وصار في السماء، لأن الاخبار تظافرت أنه أغوى آدم وحواء من خارج الجنة ثم أمر آخراً بالهبوط من السماء مع آدم وحواء. ومعنى: ﴿ فَمَا يَكُونُ لَكَ ﴾ أي لا يصح لك، أوْ لا يتم، أو لا ينبغي. والضمير في ﴿ فِيهَا ﴾ يعود على ما عاد عليه منها ولا مفهوم لهذا الظرف بل التكبر منهي عنه في كل موضع. وكرر معنى الهبوط بقوله:﴿ فَٱخْرُجْ ﴾ لأن الهبوط منها خروج ولكنه أخبر بصغاره وذلته وهو أنه جزاء على تكبره قوبل بالضد مما اتصف به وهو الصغار الذي هو ضد التكبر، والتكبر تفعل منه لا أنه خلق كبيراً عظيماً ولكنه هو الذي تعاطى الكبر.﴿ قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ هذا يدل على إقراره بالبعث، وعلمه بأن آدم سيكون له ذرية ونسل يعمرون الأرض ثم يموتون. والضمير في يبعثون، عائد على ما دل عليه المعنى إذ ليس في اللفظ ما يدل عليه ومعنى أنظرني: أخرني.﴿ قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي ﴾ الظاهر أن الباء: للقسم. وما: مصدرية، ولذلك تلقت الحلف بقوله:﴿ لأَقْعُدَنَّ ﴾ وأغويتني بمعنى أضللتني، قاله ابن عباس. والإِغواء نسبه إبليس إلى الله تعالى وهو فعل من أفعال الله تعالى جار على الحكمة الإِلهية، فجاز أن يقسم به. قال الزمخشري: فإِن قلت: بم تعلقت الباء؟ فإِن تعليقها بلأقعدن يصد عنه لام القسم لا تقول: والله بزيد لأمرن. قلت: تعلقت بفعل القسم المحذوف تقديره فبما أغويتني أقسم بالله لأقعدن أي بسبب إغوائك أقسم. " انتهى ". ما ذكره من أن اللام تصد عن تعلق الباء بلأقعدن ليس مجمعاً عليه بل في ذلك خلاف. وعبر بالقعود عن الثبوت في المكان والتلبث فيه، قالوا: وانتصب صراطك على إسقاط على، قاله الزجاج. وشبهه بقول العرب: ضرب زيد الظهر والبطن، أي على الظهر والبطن وإسقاط حرف الجر لا ينقاس في مثل هذا، لا يقال: قعدت الخشبة، تريد قعدت على الخشبة، والأولى أن يضمن لأقعدن معنى ما يتعدى بنفسه فينتصب الصراط أنه مفعول به. والتقدير لألزمنّ بقعودي صراطك المستقيم وهذا الصراط هو دين الإِسلام وهو الموصل إلى الجنة.