﴿ وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ ﴾ الضمير في ابصارهم عائد على رجال الاعراف يسلمون على أهل الجنة وإذا نظروا إلى أهل النار دعوا الله تعالى في التخلص منها، قاله ابن عباس وجماعة. وفي قوله: صرفت أبصارهم، دليل على أن أكثر أحوالهم النظر إلى تلقاء أصحاب الجنة وأن نظرهم إلى أصحاب النار هو بكونهم صرفت أبصارهم تلقاءهم فليس الصرف من قبلهم بل هم محمولون عليه مفعول بهم ذلك لأن ذلك المطلع مخوف من سماعه فضلاً عن رؤيته فضلاً عن التلبس به، والمعنى أنهم إذا حملوا على صرف أبصارهم ورأوا ما هم عليه من العذاب استغاثوا بربهم من أن لا يجعلهم معهم. ولفظة ربنا مشعرة بوصفه تعالى بأنه مصلحهم وسيدهم وهم عبيده فبالدعاء به طلب رحمته واستعطاف كرمه وتلقاء تفعال من اللقاء استعمل ظرف مكان، تقول: زيد تلقاء عمرو أي مكان لقائه وجهته.﴿ وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلأَعْرَافِ رِجَالاً ﴾ الآية هذا النداء، وأولئك الرجال في النار، ومعرفتهم إياهم في الدنيا بعلامات.﴿ مَآ أَغْنَىٰ عَنكُمْ جَمْعُكُمْ ﴾ في الدنيا المال والولد والاجناد والحجاب والجيوش. وما أغنى استفهام توبيخ وتقريع، وما في ما أغنى يجوز أن تكون نافية، وما في وما كنتم مصدرية أي وكونكم تستكبرون. وقرأت فرقة تستكثرون بالثاء المثلثة من الكثرة.﴿ وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ ﴾ الآية هذا يقتضي سماع كل من الفريقين كلام الآخر وهذا جائز عقلاً على بعد المسافة بينهما من العلو والسفل وجائز أن يكون ذلك مع رؤية واطلاع من الله تعالى وذلك أخزى وأنكى للكفار. وجائز أن يكون ذلك وبينهم الحجاب والسور. وعن ابن عباس: أنه لما صار أصحاب الأعراف إلى الجنة طمع أهل النار في الفرج بعد اليأس فقالوا: يا رب لنا قرابات من أهل الجنة فأذن لنا حتى نراهم ونكلمهم فنظروا إليهم وإلى ما هم فيه من النعيم فعرفوهم، ونظر أهل الجنة إلى قراباتهم من أهل النار فلم يعرفوهم قد اسودت وجوههم وصاروا خلقاً آخر، فنادى أصحاب النار أصحاب الجنة بأسمائهم وأخبروهم بقراباتهم فينادي الرجل أخوه فيقول: يا أخي قد احترقت فأغثني، فيقول: الله حرمهما على الكافرين، ويحتمل انّ انْ تكون مصدرية ومفسرة. وكلام ابن عباس يدل على أن هذا النداء كان عن رجاء وطمع في حصول ذلك، وقيل: هو مع اليأس لأنهم قد علموا دوام عقابهم وأنهم لا يفتر عنهم ولكن اليائس من الشىء قد يطلبه كما يقال في المثل: الغريق يتعلق بالزبد وان علم أنه لا يغنيه. و ﴿ أَفِيضُواْ ﴾ أمكن من اسقونا لأنها تقتضي التوسعة كما يقال: أفاض الله عليه نعمة، أي وسعها. وسؤالهم الماء لشدة التهابهم واحتراقهم ولأن من عادته إطفاء النار.﴿ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ ﴾ لأن البنية البشرية لا تستغني عن الطعام إذ هو مقولها، أو لرجائهم الرحمة بأكل طعام أهل الجنة، وأو على بابها من كونهم سألوا أحد الشيئين. وأتى أو مما رزقكم الله عاماً والعطف بأو يدل على أن الأول لا يندرج في العموم. وقيل: أو بمعنى الواو لقولهم: إن الله حرمهما. وقيل: المعنى حرم كلاً منهما فأوْ على بابها وما رزقكم الله عام فيدخل فيه الطعام والفاكهة والأشربة غير الماء أو تضمن أفيضوا معنى ألقوا فيتعدى للماء ولغيره وما في مما موصولة والعائد عليها محذوف تقديره رزقكموه. ومعنى التحريم هنا المنع كما قال: حرام على عيني أن تطعم الكرى وإخبارهم بذلك هو عن أمر الله تعالى.﴿ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً ﴾ تقدم تفسيرها في الانعام فأغنى عن إعادته.﴿ فَٱلْيَوْمَ نَنسَـٰهُمْ ﴾ هذا إخبار من الله عما يفعل بهم. قال ابن عباس وجماعة: يتركهم في العذاب كما تركوا النظر للقاء هذا اليوم.﴿ وَمَا كَانُواْ ﴾ معطوف على ما نسوا وما فيها مصدرية والكاف في كما للتعليل أي لنسيانهم وكونهم جحدوا آيات الله تعالى.﴿ وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ ﴾ الضمير عائد على ما تقدم ذكره ويكون الكتاب على هذا جنساً أي بكتاب إلهي إذ الضمير عام في الكفار. و ﴿ فَصَّلْنَاهُ ﴾ صفة لكتاب. و ﴿ عَلَىٰ عِلْمٍ ﴾ الظاهر أنه حال من فاعل فصلناه. وانتصب: ﴿ هُدًى وَرَحْمَةً ﴾ على الحال. وقيل: مفعول من أجله أي لأجل الهدى. وقرىء بالرفع أي هو هدى ورحمة.﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ ﴾ أي مآل أمره وعاقبته. قال ابن عباس: مآله يوم القيامة.﴿ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ ﴾ أي يوم يظهر عاقبة ما أخبره به من الوعد والوعيد يسأل تاركوا اتباع الرسل: هل لنا من شفعاء؟ والناصب ليوم يقول والجملة بعد يوم في تقدير مصدر أي يوم إتيان تأويله.﴿ يَقُولُ ٱلَّذِينَ نَسُوهُ ﴾ أي تركوا العمل به واتباعه.﴿ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ ﴾ هو معمول القول. ومن زائدة، وشفعاء مبتدأ، ولنا في موضع الخبر.﴿ فَيَشْفَعُواْ ﴾ جواب الاستفهام منصوب بحذف النون.﴿ أَوْ نُرَدُّ ﴾ هو على إضمار هل أي هل نرد، وجوابه:﴿ فَنَعْمَلَ ﴾ عطف جملة استفهام فعلية على جملة استفهام إسمية.﴿ قَدْ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ ﴾ أي خسروا في تجارة أنفسهم حيث ابتاعوا الخسيس الفاني من الدنيا بالنفيس الباقي من الآخرة، وبطل عنهم افتراؤهم على الله تعالى ما لم يقله ولا أمر به وكذبهم في اتخاذهم الآلهة دون الله تعالى.


الصفحة التالية
Icon