﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ ﴾ الآية لما ذكر تعالى ما حل بالأمم السالفة من بأسه وسطوته عليهم آخر أمرهم حين لا تجدي فيهم موعظة ذكر تعالى أن تلك عادته في اتباع الأنبياء إذا أصروا على تكذيبهم. وجاء بعد إلاّ فعل ماضي وهو أخذنا، ولا يليها فعل ماض إلا أن تقدم فعل أو أُصحب بقد فمثال ما تقدمه فعل هذه الآية ومثال ما أصحب قد، قولك: ما نريد إلا قد قام. قال الشاعر: متى يأت هذا الموت لا يلف حاجة لنفسي إلا قد قضيت قضاءهاوالجملة من قوله: أخذنا، حالية أي الآخذين أهلها، وهو استثناء مفرّغ من الأحوال. وتقدم تفسير نظير قوله: إلا أخذنا إلى آخرها.﴿ ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ ٱلسَّيِّئَةِ ٱلْحَسَنَةَ ﴾ أي مكان الحالة السيئة من البأساء والضراء الحالة الحسنة من السراء والنعمة. ومكان هو محل الباء أي بمكان السيئة. وفي لفظ مكان اشعار يتمكن البأساء منهم كأنه صار عندهم للشدة مكان.﴿ حَتَّىٰ عَفَوْاْ ﴾ أي كثروا وتناسلوا.﴿ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا ٱلضَّرَّآءُ وَٱلسَّرَّآءُ ﴾ أبطرتهم النعمة وأسروا فقالوا هذه عادة الدهر ضراء وسراء. وقد أصاب آباءنا مثل ذلك وليس ذلك بابتلاء وقصد، بل ذلك بالاتفاق لا على ما تخبر الأنبياء جعلوا أسلافهم وما أصابهم مثلاً لهم ولما يصيبهم فلا ينبغي أن تنكر هذه العادة من أفعال الدهر.﴿ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً ﴾ تقدم الكلام على مثل هذا لما فسدوا على التقديرين أخذوا هذا الأخذ.﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَواْ ﴾ الآية، أي لو كانوا ممن سبق في علم الله تعالى أن يتلبسوا بالإِيمان بما جاءت به الأنبياء وبالطاعات التي هي ثمرة الإِيمان لتيسر لهم من بركات السماء ولكن كانوا ممن سبق في علمه أنهم يكذبون الأنبياء فيؤخذون باجترامهم وكل من الإِيمان والتكذيب والثواب والعقاب سيق به القدر. وأضيف الإِيمان والتكذيب إلى العبد كسباً، والموجد لهما هو الله تعالى، لا يسأل عما يفعل. والظاهر أن قوله: بركات من السماء والأرض، لا يراد بها معين، ولذلك جاءت نكرة. وقيل: بركات السماء: المطر، وبركات الأرض: الثمار.﴿ أَفَأَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ ﴾ الهمزة دخلت على أمِنَ للاستفهام على جهة التوقيف والتوبيخ والإِنكار والوعيد للكافرين المعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزل بهم مثل ما نزل بأولئك. والفاء لعطف هذه الجملة على ما قبلها. قال الزمخشري: فإِن قلت: ما المعطوف عليه ولم عطفت الأولى بالفاء والثانية بالواو؟ قلت: المعطوف عليه قوله: فأخذناهم بغتة. وقوله: ولو أن أهل القرى، إلى قوله: يكسبون. وقع اعتراضاً بين المعطوف والمعطوف عليه وإنما عطفت بالفاء لأن المعنى فعلوا وصنعوا فأخذناهم بغتة أبعد ذلك أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً وأمنوا أن يأتيهم بأسنا ضحى." انتهى ". وهذا الذي ذكره الزمخشري من أن حرف العطف الذي بعد همزة الاستفهام هو عاطف ما بعدها على ما قبل الهمزة من الجمل رجوع عن مذهبه إلى مذهب الجماعة في ذلك. وتخريج لهذه الآية على خلاف ما قرر هو من مذهبه في غير آية أنه يقدر محذوف بين الهمزة وحرف العطف يصح بتقديره عطف ما بعد الحرف عليه، وان الهمزة وحرف العطف واقعان في موضعهما من غير اعتبار تقديم حرف العطف على الهمزة في التقدير وأنه قدم الاستفهام اعتناء لأن له صدر الكلام.﴿ أَوَ أَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ ﴾ الآية أي في حال الغفلة والإِعراض والاشتغال بما لا يجدي كأنهم يلعبون وضحى منصوب على الظرف أي ضحوة ويقيد كل ظرف بما يناسبه من الحال فيقيد البيات بالنوم وتقيدت الضحى باللعب وجاء نائمون باسم الفاعل لأنها حالة ثبوت واستقرار للبائتين وجاء يلعبون بالمضارع لأنهم مشتغلون بأفعال متجددة شيئاً فشيئاً في ذلك الوقت.﴿ أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ ٱللَّهِ ﴾ جاء العطف بالفاء وإسناد الفعل إلى الضمير لأن الجملة المعطوفة تكرير لقوله: أفأمن أهل القرى، أو أمن تأكيد لمضمون ذلك فناسب إعادة الجملة مصحوبة بالفاء ومكر الله مصدر أضيف إلى الفاعل وهو استعارة لأخذه العبد من حيث لا يشعر وكرر المكر مضافاً إلى الله تعالى تحقيقاً لوقوع جزاء المكر بهم.