﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُمْ بِهِ ﴾ قرىء: آمنتم على الخبر، وأآمنتم على الاستفهام، والضمير في به عائد على رب العالمين. و ﴿ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ ﴾ فيه وهن على أمره لأنه إنما جعل ذنبهم بمفارقة الاذن ولم يجعله نفس الإِيمان.﴿ إِنَّ هَـٰذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ ﴾ أي إنّ صنعكم هذا لحيلة احتلتموها أنتم وموسى في مصر قبل أن تخرجوا منها إلى هذه الصحراء وتواطأتم على ذلك لغرض لكم وهو أن تخرجوا منها القبط وتسكنوا بني إسرائيل. قال: هذا تمويهاً على الناس لئلا يتبعوا السحرة في الإِيمان. روي عن ابن مسعود وابن عباس أن موسى عليه السلام اجتمع مع رئيس السحرة شمعون فقال له موسى: أرأيت أن غلبتكم أتؤمنون بي؟ فقال له: نعم، فعلم بذلك فرعون فقال ما قال. " انتهى ". ولما خاف فرعون أن يكون إيمان السحرة حجة قومه ألقى في الحال نوعين من الشبهة أحدهما أن هذا تواطؤ منهم لا ان ما جاء به حق، والثاني أن ذلك طلب منهم للملك.﴿ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ تهديد ووعيد ومفعول تعلمون محذوف أي ما يحل بكم أيهم في متعلق تعلمون، ثم عيّن ما يفعله بهم فقال مقسماً.﴿ لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ ﴾ لما ظهرت الحجة عاد إلى عادة ملوك السوء إذا غلبوا من تعذيب من ناوأهم وإن كان محقاً ومعنى من خلاف أي يد يمنى ورجل يسرى وهذا التوعد الذي توعده فرعون السحرة ليس في القرآن نص أنه أنفذه وأوقعه.﴿ قَالُوۤاْ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ ﴾ هذا تسليم واتكال على الله تعالى وثقة بما عنده والمعنى إنا نرجع إلى ثواب ربنا يوم الجزاء على ما نلقاه من الشدائد.﴿ وَمَا تَنقِمُ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا ﴾ الآية، والذي يظهر من تعديته بمن أن المعنى وما تنقم منا أي ما تنال منا كقوله:﴿ فَيَنْتَقِمُ ٱللَّهُ مِنْهُ ﴾[المائدة: ٩٥]، أي يناله بمكروه ويكون فعل وافتعل فيه بمعنى واحد كقدر. واقتدر وعلى هذا يكون قوله: إلا أن آمنا، مفعولاً من أجله استثناء مفرغاً أي ما تنال منا وتعذبنا بشىء من الأشياء إلا لأن آمنا بآيات ربنا، وعلى هذا المعنى يدل على تفسير عطاء أي ما لنا عندك ذنب تعذبنا عليه إلا أن آمنا.﴿ رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً ﴾ تقدم الكلام عليه في البقرة.﴿ وَقَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ ﴾ تضمن قول الملأ إغراء فرعون بموسى وقومه وتحريضه على قتلهم أو تعذيبهم حتى لا يكون لهم خروج عن دين فرعون.﴿ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ﴾ عطفاً على ليفسدوا أي للإِفساد ولتركك وترك آلهتك وكان الترك هو لذلك، وبدأوا أولاً بالعلة العامة وهي الإِفساد، ثم أتبعوه بالخاصة ليدلوا على أن ذلك الترك من فرعون لموسى وقومه هو أيضاً يؤول إلى شىء يختص بفرعون قدحوا بذلك زَنْدَ تغيظه على موسى وقومه ليكون ذلك أبقى عليهم إذ هم الاشراف، وبترك موسى وقومه بمصر يذهب ملكهم وشرفهم. ويجوز أن يكون النصب على جواب الاستفهام، والمعنى أنى يكون الجمع بين تركك موسى وقومه للإِفساد وبين تركهم إياك وعبادة آلهتك أي أن هذا مما لا يمكن وقوعه.﴿ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَآءَهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَآءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ ﴾ وإنما لم يعاجل موسى وقومه بالقتال لأنه كان قد ملىء من موسى عليه السلام رعباً، والمعنى أنه قال: سنعيد عليهم ما كنا فعلنا بهم قبل من قتل أبنائهم ليقل رهْطه الذين يقع الإِفساد بواسطتهم والفوقية هنا بالمنزلة والتمكن في الدنيا وقاهرون يقتضي تحقيرهم أي قاهرون لهم فهم أقل من أن نهتم بهم فنحن على ما كنا عليه من الغلبة أو أن غلبة موسى عليه السلام لا أثر لها في ملكنا واستيلائنا ولئلا نتوهم العامة أنه المولود الذي تحدّث المنجمون والكهنة بذهاب ملكنا على يده فيثبطهم ذلك عن طاعتنا ويدعوهم إلى اتّباعه وأنه منتظر بعد.﴿ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ٱسْتَعِينُوا بِٱللَّهِ وَٱصْبِرُوۤاْ ﴾ لما توعدهم فرعون جزعوا وتضجروا فسكنّهم موسى عليه السلام وأمرهم بالاستعانة بالله تعالى وبالصبر وسلاهم ووعدهم بالنصر وذكرهم ما وعد الله به بني إسرائيل من إهلاك القبط وتوريثهم أرضهم وديارهم.﴿ إِنَّ ٱلأَرْضَ للَّهِ ﴾ أي أرض مصر. والْ فيه للعهد وهي الأرض التي كانوا فيها.﴿ قَالُوۤاْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا ﴾ أي بابتلائنا بذبح أبنائنا مخافة ما كان يتوقع فرعون من هلاك ملكه على يد المولود الذي يولد وأنْ مصدرية فخلّصة الفعل للاستقبال وكانت إذايتهم الأولى قبل مجيء موسى عليه السلام وإذايتهم الثانية بعد مجيئه فلذلك جاءت ما مصدرية وجاء بعدها الفعل الماضي.﴿ قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ ﴾ الآية هذا رجاء من نبي الله موسى ومثله من الأنبياء يقوي قلوب اتباعهم فيصبرون إلى وقوعه متعلق الرجاء. ومعنى: ﴿ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ﴾ أي في استخلافكم من الإِصلاح والإِفساد. وهي جملة تجري مجرى البعث والتحريض على طاعة الله تعالى. وفي الحديث" أن الدنيا حلوة خضرة وان الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون ".﴿ وَلَقَدْ أَخَذْنَآ آلَ فِرْعَونَ بِٱلسِّنِينَ ﴾ الأخذ التناول باليد ومعناه هنا الابتلاء في المدة التي أقام بينهم موسى عليه السلام يدعوهم فيها إلى الله تعالى ومعنى بالسنين بالقحوط والجدوب. والسنة تطلق على الحول، وتطلق على الجدب ضد الخصب، وقد اشتقوا منها بهذا المعنى فقالوا: أَسْنَتَ القوم إذا أجربوا. ومنه قول الشاعر: عمرو الذي هشم الثريد لقومه   ورجال مكة مسنتون عجافقال ابن عباس: أما السنون فكانت لباديتهم ومواشيهم، وأما نقص الثمرات فكان في أمصارهم، وهذه سيرة الله في الأمم يبتليها بالنقم ليزدجروا ويتذكروا بذلك ما كانوا فيه من النعم.﴿ فَإِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـٰذِهِ ﴾ أتى بالشرط بإِذا في مجيء الحسنة وهي للمتحقق وجوده الآن إحسان الله تعالى هو المعهود الواسع العام لخلقه بحيث أن إحسانه لخلقه عام حتى في حال الابتلاء وأتى بالشرط بأْن في إصابة السيئة وهي للإِمكان إبرازاً أنّ إصابة السيئة مما قد يقع وقد لا يقع.﴿ يَطَّيَّرُواْ ﴾ يتشاءموا وأصله يتطيروا فأدغم التاء في الطاء.﴿ أَلاۤ إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ ٱللَّهِ ﴾ قال ابن عباس: طائرهم نصيبهم أي ما طار لهم في القدر مما هم لا قوة، وهو مأخوذ من زجر الطير سمي ما عند الله من القدر للإِنسان طائر لما كان يعتقده أنّ كل ما يصيبه إنما هو بحسب ما يراه في الطائر فهي لفظة مستعارة.


الصفحة التالية
Icon