﴿ وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ﴾ الآية، لما قال موسى عليه السلام:﴿ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ ﴾[الأعراف: ١٢٩] كان كما ترجى عليه السلام فأغرق أعداءهم في اليم واستخلف بني إسرائيل في الأرض. و ﴿ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ ﴾ هم بنو إسرائيل كان فرعون يستعبدهم ويستخدمهم وفي الكلام حذف مضاف تقديره وأورثنا ذرية القوم لأن القوم المستضعفين لم يعودوا إلى ديار مصر بأعيانهم إذ كانوا جاوزوا البحر وأقاموا بالأرض المقدسة وإنما ورث مصر ذريتهم ومنهم سليمان بن داود. و ﴿ مَشَارِقَ ﴾ منصوب على أنه مفعول ثان لأورثنا. وجعلت مشارق ومغارب مبالغة في كثرة بركتها.﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ ٱلْحُسْنَىٰ ﴾ أي مضت واستمرت من قولهم تم على الأمر إذا مضى عليه.﴿ بِمَا صَبَرُواْ ﴾ الباء سببية وما مصدرية أي بصبرهم.﴿ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ ﴾ أي خربنا قصورهم وأبنيتهم والتدمير الإِهلاك وإخراب الأبنية.﴿ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ ﴾ أي يرفعونه من الأبنية المشيدة كصرح هامان وغيره.﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ ٱلْبَحْرَ ﴾ لما بين أنواع نعمه على بني إسرائيل بإِهلاك عدوهم اتبع بالنعمة العظمى من إراءتهم هذه الآية العظيمة وقطعهم البحر مع السلامة والبحر بحر القلزم. ومعنى جاوزنا قطعنا بهم البحر. يقال: جاوز الوادي، إذا قطعه. والباء للتعدية، يقال: جاوز البحر إذا قطعه وجاوز بغيره البحر عبرية، وكأنه قال: وخبرنا ببني إسرائيل أي أجزناهم البحر وفاعل بمعنى فعل المجرد يقال جاوز وجاز بمعنى واحد.﴿ فَأَتَوْاْ ﴾ أي مروا.﴿ عَلَىٰ قَوْمٍ ﴾ هم من بني لحم وجذام.﴿ يَعْكُفُونَ ﴾ أي يقيمون.﴿ عَلَىٰ أَصْنَامٍ ﴾ أي على عبادة أصنام.﴿ لَّهُمْ ﴾ والأصنام قيل: هي البقر حقيقة، وقيل: تماثيل من حجر وعيدان على صور البقر.﴿ قَالُواْ يٰمُوسَىٰ ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً ﴾ الظاهر أن طلب مثل هذا كفر وارتداد وشقاق وعناد خرجوا في ذلك على عادتهم في تعنتهم على أنبيائهم وطلبهم ما لا ينبغي. وقد تقدم من كلامهم﴿ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهْرَةً ﴾[البقرة: ٥٥] وغير ذلك مما هو كفر، وربما كان القول من بعضهم فنسب إلى جميعهم.﴿ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ﴾ تعجب موسى عليه السلام من قولهم على أثر ما رأوا من الآيات العظيمة والمعجزات الباهرة ووصفهم بالجهل المطلق وأكده بأنّ لأنه لا جهل أعظم من هذه المقالة ولا أشنع وأتى بلفظ تجهلون ولم يقل جهلتم إشعاراً بأن ذلك منهم كالطبع والغريزة لا ينتقلون عنه في ماض ولا مستقبل.﴿ إِنَّ هَـٰؤُلاۤءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ ﴾ الإشارة بهؤلاء إلى العاكفين على عبادة تلك الأصنام ومعنى قبر مهلك مدمّر مكسر وأصله الكسر. قال الزمخشري: وفي إيقاع هؤلاء إسماً لأنّ، وتقديم خبر المبتدأ من الجملة الواقعة خبر إلهاً واسم لعبدة الأصنام بأنهم هم المعرّضون للتبار وأنه لا يعدوهم البتة وأنه لهم ضربة لازم ليحذرهم عاقبة ما طلبوا ويبغض لهم ما أحبوا." انتهى ". لا يتعين ما قاله من أنه قدم خبر المبتدأ من الجملة الواقعة خبر لأنّ الأحسن في إعراب مثل هذا أن يكون خبر انّ مبتر وما بعده مرفوع على أنه مفعول لم يسم فاعله وكذلك ما كانوا هو فاعل بقوله: وباطل، فيكون إذ ذاك قد أخبر عن اسم انّ بمفرد لا جملة وهو نظير أن زيداً مضروب غلامه فالأحسن في الإِعراب أن يكون غلامه مرفوعاً على أنه مفعول ما لم يسم فاعل ومضروب خبر ان، والوجه الآخر وهو أن يكون مبتدأ ومضروب خبره جائز وهو مرجوح.﴿ قَالَ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـٰهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ ﴾ ما أحسن ما خاطبهم موسى عليه السلام بدأهم أولاً بنسبتهم إلى الجهل ثم ثانياً أخبرهم بأن عباد الأصنام ليسوا على شىء بل مآل أمرهم إلى الهلاك وبطلان العمل وثالثاً أنكر وتعجب أن يقع هو عليه السلام في أن يبغي لهم غير الله إلهاً، أي أغير المستحق للعبادة والألوهية أطلب لكم معبوداً وهو الذي شرفكم واختصكم بالنعم التي لم يعطها من سلف من الأمم لا غيره فكيف أبغي لكم إلهاً غيره. ومعنى على العالمين، أي على عالمي زمانهم أو بكثرة الأنبياء فيهم. وانتصب غير مفعولاً بأبغيكم أي أبغي لكم غير الله، وإلهاً تمييز عن غير حال أو على الحال، وإلهاً المفعول والتقدير أبغي لكم إلهاً غير الله فكان غير صفة، فلما تقدم انتصب حالاً. وقال ابن عطية: وغير منصوبة بفعل مضمر هذا هو الظاهر، ويحتمل أن ينتصب على الحال. " انتهى ". ولا يظهر نصبه بفعل مضمر لأن أبغي مفرّغ له أو لقوله إلهاً فإِن تخيّل انه منصوب بأبغي مضمرة يفسرها هذا الظاهر فلا يصح، لأن الجملة المفسرة لا رابط فيها لا من ضمير ولا من ملابس يربطها بغير فلو كان التركيب أغير الله ابغيمكوه لصح المعنى ويحتمل وهو فضلكم أن يكون حالاً وأن يكون مستأنفاً.﴿ وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ ﴾ الآية، الخطاب لمن كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تقريعاً لهم بما فعل أوائلهم وبما جاؤوا به وتقدم تفسير نظير هذه الآية في سورة البقرة فأغنى عن إعادته.


الصفحة التالية
Icon