﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ ٱلْعِجْلَ ﴾ الآية الظاهر أنه من كلام الله تعالى إخباراً عما ينال عبّاد العجل ومخاطبة لموسى عليه السلام بما ينالهم. ويدل عليه قوله آخر الآية: ﴿ وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُفْتَرِينَ ﴾.
﴿ وَٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ ﴾ أي من الكفر والمعاصي وغيره.﴿ ثُمَّ تَابُواْ ﴾ أي رجعوا إلى الله.﴿ مِن بَعْدِهَا ﴾ أي من بعد عمل السيئات.﴿ وَآمَنُوۤاْ ﴾ داموا على إيمانهم وأخلصوا فيه. والذين مبتدأ، وخبره أن ربك، والعائد على المبتدأ محذوف تقديره لغفور لهم رحيم بهم.﴿ وَلَماَّ سَكَتَ عَن مُّوسَى ٱلْغَضَبُ ﴾ الآية سكوت غضبه كان والله أعلم بسبب اعتذار أخيه وكونه لم يقصر في نهي بني إسرائيل عن عبادة العجل ووعد الله إياه بالانتقام منهم وسكوت الغضب استعارة شبه خمود الغضب بانقطاع كلام المتكلم وهو سكونه جعل الغضب كأنه إنسان يناجي موسى عليه السلام ويهيجه لما فعل قومه من اتخاذهم العجل، ولذلك ألقى الألواح ثم انه سكت عنه وهذا من بديع الاستعارة جعل سكون الغضب سكوتاً. وقرأ معاوية بن قرة: ولما سكن، بالنون عوض التاء.﴿ أَخَذَ ٱلأَلْوَاحَ ﴾ هو جواب لما وكان إلقاؤها غضباً على قومه فلما سكت الغضب أخذها.﴿ وَفِي نُسْخَتِهَا ﴾ أي فيما نقل وحول منها. واللام في لربهم مقوية لوصول الفعل الذي هو يرهبون إلى المفعول المتقدم، كقوله تعالى:﴿ إِن كُنتُمْ لِلرُّءْيَا تَعْبُرُونَ ﴾[يوسف: ٤٣].
﴿ وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً ﴾ اختار افتعل من الخير وهو التخير والانتقاء واختار من الأفعال التي تعدت إلى اثنين أحدهما بنفسه والآخر بواسطة حرف الجر ثم بحذف حرف الجر ويتعدى إليه الفعل فتقول اخترت زيداً من الرجال، واخترت زيداً الرجال. قال الشاعر: اخترتك الناس إذ رئت خلائقهم واعتل من كان يرجى عند السول﴿ لِّمِيقَاتِنَا ﴾ قال وهب بن منبه: قال بنو إسرائيل لموسى عليه السلام ان طائفة تزعم أن الله لا يكلمك فخدمنا من يذهب معك يسمعوا كلامه فيؤمنوا فأوحى الله تعالى إليه أن يختار سبعين من خيارهم ثم ارتق بهم الجبل أنت وهارون واستخلف يوشع ففعل فلما سمعوا كلامه سألوا موسى عليه السلام أن يريهم الله جهرة فأخذتهم الرجفة. وفي الكلام حذف تقديره فرجف بهم الجبل وصعقوا.﴿ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ ﴾ مفعول شئت تقديره لو شئت أهلاكنا وجوابه أهلكتهم ولم يأت الجواب باللام.﴿ وَإِيَّايَ ﴾ ضمير المتكلم معطوف على الضمير المنصوب في أهلكتهم.﴿ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَّآ ﴾ الآية، الظاهر أنه استفهام استعلام أيقع إهلاك المختارين وهم خير بني إسرائيل بما فعل غيرهم إذ من الجائز في العقل ذلك، ألا ترى قوله تعالى:﴿ وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً ﴾[الأنفال: ٢٥].
وقوله عليه السلام:" وقد قيل أنهلك وفينا الصالحون، قال: نعم إذا كثر الخبث "وكما ورد أن قوماً يخسف بهم وفيهم الصّالحون فقيل يبعثون على نياتهم أو كلا ما هذا معناه بما فعل السفهاء منا، وهم عبّاد العجل.﴿ إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ ﴾ إن نافية بمعنى ما وهي ضمير يعود على ما يفهم من سياق الكلام أي ان الفتنة إلا فتنتك أي راجعة إليك إذ أنت موجد الخير والشر وأنت موقع ضلال من فتنة وهداية من شئت وهذا هو الاعتقاد الصحيح.﴿ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَآءُ وَتَهْدِي مَن تَشَآءُ ﴾ ومفعول تشاء محذوف تقديره من تشاء إضلاله ومن تشأ هدايته.﴿ أَنتَ وَلِيُّنَا ﴾ أي القائم بأمرنا.﴿ فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْغَافِرِينَ ﴾ سأل الغفران والرحمة له ولهم لما كان قد اندرج قومه في قوله: أنت ولينا، وفي سؤال المغفرة والرحمة له ولهم. وكان قومه أصحاب ذنوب أكد استعطاف ربه تعالى في غفران تلك الذنوب فأكد ذلك ونبه بقوله: وأنت خير الغافرين، ولما كان هو وأخوه عليهما السلام من المعصومين من الذنوب فحين سأل المغفرة له ولأخيه وسأل الرحمة لم يؤكد المغفرة بل قال: وأنت أرحم الراحمين، فنبّه على أنه تعالى أرحم الراحمين. ألا ترى إلى قوله تعالى:﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾[الأعراف: ١٥٦]، وكان تعالى خير الغافرين لأن غيره يتجاوز عن الذنب طلباً للثناء أو الثواب أو دفعاً للصفة الخسيسة عن القلب وهي صفة الحقد. والبارىء تعالى منزه عن أن يكون غفرانه لشىء من ذلك.