﴿ وَسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ﴾ الآية، الضمير في اسألهم عائد على من بحضرة الرسول صلى الله عليه وسلم من اليهود. وذكر أن بعض اليهود المعارضين للرسول قالوا له: لم يكن من بني إسرائيل عصيان ولا معاندة لما أمروا به فنزلت الآية موبخة لهم ومقررة كذبهم ومعلنة بما جرى على إسلافهم من الإِهلاك والمسخ وكانت اليهود تكتم هذه القصة فهي مما لا يعلم إلا بكتاب أو وحي من الله تعالى فإِذا أغلمهم بها من لم يقرأ كتابهم علم أنه من جهة الوحي. وقوله: عن القرية، فيه حذف أي عن أهل القرية. والقرية هي ايلة. وقيل: طبرية، قاله ابن عباس وجماعة. ومعنى حاضرة البحر أي بغرب البحر مبنية على بشاطئه. ويحتمل أن يريد معنى الحضارة على جهة التعظيم لها أي هي الحاضرة في قرى البحر فالتقدير حاضرة قرى البحر أي تحضر أهل قرى البحر إليها لبيعهم وشرائهم وحاجتهم.﴿ إِذْ يَعْدُونَ فِي ٱلسَّبْتِ ﴾ أي يجاوزون أمر الله تعالى في العمل يوم السبت وقد تقدم منه تعالى النهي عن العمل فيه والاشتغال بعبيد أو غيره إلا أنه في هذه النازلة كان عصيانهم أي حدث عصيانهم. وقرىء: يعدّون من الاعداد وكانوا يعدون آلات الصيد يوم السبت وهم مأمورون بأن لا يشتغلوا فيه بغير عبادة الله تعالى وإذ ظرف والعامل فيه. قال الحوفي: إذ متعلقة بسلهم. " انتهى ". ولا يتصور لأن إذ ظرف لما مضى وسلهم مستقبل ولو كان ظرفاً مستقبلاً لم يصح المعنى لأن العادين وهم أهل القرية متقدمون فلا يمكن سؤالهم والمسؤول غير أهل القرية العادين. وقال الزمخشري في إذ يعدون بدل من القرية والمراد بالقرية أهلها كأنه قيل: وسلهم عن أهل القرية وقت عدوانهم في السبت وهو من بدل الاشتمال وهذا لا يجوز لأن إذ من الظروف التي لا تتصرف ولا يدخل عليها حرف جر وجعلها بدلاً يجوّز دخول عن عليها لأن البدل هو على نية تكرار العامل ولو أدخلت عن عليها لم يخسر وإنما تصرّف فيها بأن أضيف إليها بعض الظروف الزمانية، نحو: يوم إذ كان كذا. وأما قول من ذهب إلى أنها يتصرف فيها بأن تكون مفعول باذكر فهو قول من عجز عن تأويلها على ما ينبغي لها من إبقائها ظرفاً والعامل في إذ محذوف تقديره وسلهم عن قصة أهل القرية وقت عُدُوِهم. و ﴿ إِذْ تَأْتِيهِمْ ﴾ العامل في إذ يعدون أي إذ عَدَوْا في السبت إذ أتتهم، لأن إذ ظرف لما مضى يصرف المضارع للمضي. وقال الزمخشري: ويجوز أن يكون بدلاً بعد بدل. " انتهى ". يعني بدل من القرية بعد بدل إذ يعدون، وقد ذكرنا أن ذلك لا يجوز.﴿ شُرَّعاً ﴾ ظاهره الواحد شارع والعامل في يوم قوله: لا تأتيهم، وفيه دليل على أن ما بعد لا للنفي يعمل فيما قبلها وفيه ثلاثة مذاهب الجواز مطلقاً والمنع مطلقاً والتفصيل بين أن نكون لا جواب قسم فيمنع أو غير ذلك فيجوز وهو الصحيح.﴿ كَذَلِكَ ﴾ أي مثل ذلك البلاء بأمر الحوت.﴿ نَبْلُوهُم ﴾ أي بلوناهم وامتحناهم.﴿ وَإِذَا قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ ﴾ أي جماعة من أهل القرية من صلحائهم الذين جربوا الوعظ فيهم فلم يروه يجدي. والظاهر أن القائل غير المقول لهم.﴿ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً ﴾ فيكونون ثلاث فرق فرقةً اعتدوا، وفرقةً وعظت ونهت، وفرقة اعتزلت فلم تنه ولم تعتد وهذه الطائفة هي القائلة للواعظة لم تعظون قوماً. وقرىء: ﴿ مَعْذِرَةً ﴾ بالرفع أي موعظتنا إقامة عذر إلى الله تعالى وقرىء: معذرة بالنصب. وقال أبو البقاء: من نصب فعلى المفعول له أي وعظناهم للمعذرة. وقيل: هو مصدر أي يعتذرون معذرة، وقالها الزمخشري:﴿ فَلَماَّ نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ ﴾ الضمير في نسوا للمنهيين أي تركوا ما ذكرهم به الصالحون وجعل الترك نسياناً مبالغة إذ أقوى أحوال الترك أن ينسى المتروك وما موصولة بمعنى الذي والسوء عام في المعاصي وبحسب القصص يختص هنا بصيد الحوت. و ﴿ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ﴾ هم العاصون نبه على العلة في أخذهم وهي الظلم. وقرىء: بيس على وزن فعل وبالهمز، وبئيس على وزن فعيل، وبيئس على وزن فيعل هذه المشهورات. وفي البحر ذكر اثنين وعشرين قراءة.﴿ فَلَماَّ عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ ﴾ أي استعصوا والعتو الاستعصاء والتأنّي في الشىء وباقي الآية تقدم تفسيره في البقرة. والظاهر أن العذاب والمسخ والهلاك إنما وقع بالمعتدين في السبت والأمة القائلة لم تعظون قوماً هم من فريق الناهين الناجين وإنما سألوا إخوانهم عن علة وعظهم وهو لا يجدي فيهم شيئاً البتة.