﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا ﴾ أي لو أردنا أن نشرفه ونرفع قدره بما آتيناه من الآيات لفعلنا.﴿ وَلَـٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى ٱلأَرْضِ ﴾ أي ترامى إلى شهوات الدنيا ورغب فيها واتبع ما هو ناشىء عن الهوى وجاء الاستدراك هنا تنبيهاً على السبب الذي لأجله لم يرفع ولم يشرف كما فعل بغيره ممن أوتي الهدى فآثره واتبعه. وأخلد معناه رمى بنفسه إلى الأرض أي ما فيها من الملاذ والشهوات، قاله ابن عباس. قال الزمخشري: وكان حق الكلام أن يقال: ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض فحططناه ووضعنا منزلته، فوقع قوله: فمثله كمثل الكلب فوضع فحططناه أبلغ حط لأن تمثيله بالكلب في أخس أحواله وأذلها في معنى ذلك. انتهى قوله: وكان حق الكلام إلى آخره سوء أدب على كلام الله تعالى. وأما قوله: فوقع قوله فمثله إلى آخره فليس واقعاً موقع ما ذكر ولكن قوله: ولكنه أخلد إلى الأرض وقع موقع فحططناه، إلا أنه تعالى لما ذكر الإِحسان إليه أسند ذلك إلى ذاته الشريفة فقال: آتيناه، ولو شئنا لرفعناه بها. ولما ذكر ما هو في حق الشخص إساءة أسنده إليه، فقال: فانسلخ منها. وقال: ولكنه أخلد إلى الأرض وهو تعالى في الحقيقة هو الذي سلخه من الآيات وأخلده إلى الأرض فجاء على حد قوله﴿ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا ﴾[الكهف: ٧٩]، وقوله:﴿ فَأَرَادَ رَبُّكَ ﴾[الكهف: ٨٢] في نسبة ما كان حسناً إلى الله ونسبة ما كان بخلافه إلى الشخص.﴿ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ ٱلْكَلْبِ ﴾ أي فصفته أن تحمل عليه الحكمة لم يحملها وإن تركته لم يحملها كصفة الكلب إن كان مطروداً لهث وإن كان رابضاً لهث، قال ابن عباس: وهذه الجملة الشرطية في موضع الحال أي لاهثاً في الحالتين، قاله الزمخشري وأبو البقاء وتفسيرهما لاهثاً من حيث المعنى لا أن جملة الشرط هي الحال.﴿ ذَّلِكَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ﴾ أي ذلك الوصف وصف.﴿ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا ﴾ صفتهم كصفة الكلب لاهثاً في الحالتين فكما شبّه وصف المؤتى الآيات المنسلخ منها بالكلب في أخس حالاته كذلك شبه به المكذبون بالآيات حيث أوتوها وجاءتهم واضحات تقتضي التصديق بها فقابلوها بالتكذيب وانسلخوا منها.﴿ سَآءَ ﴾ بمعنى بئس وتقدم لنا أن أصلها التعدي، تقول: ساءني الشيء يسوءني. ثم لما استعملت استعمال بئس بنيت على فعل وجرت عليها أحكام بئس ومثلاً تمييز للمضمر المستكن في ساء فاعلاً وهو مفسر بهذا التمييز وهو من الضمائر التي يفسرها ما بعدها ولا بد أن يكون المخصوص بالذم من جنس التمييز فاحتيج إلى تقدير حذف اما في التمييز أي ساء أصحاب مثل القوم وأما في المخصوص أي ساء مثلاً مثل القوم. وهذه الجملة تأكيد للجملة السابقة.﴿ مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِي ﴾ الآية، لما تقدم ذكر المهتدين والضالين أخبر تعالى أنه هو المتصرف فيهم بما شاء من هداية وضلال وتقرر من مذهب أهل السنة أنه تعالى هو خالق الهداية والضلال في العدو من شرطية مفعولة بيهد وحمل على لقطها في الجواب، وهو قوله: فهو المهتدي ومن الثانية كذلك وحمل على معناها في الجواب، في قوله: فأولئك فناسب الأفراد هناك لأن المهتدي قليل وناسب الجمع في الثانية لأن الضالين كثير.﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ ﴾ الآية، هذا إخبار منه تعالى بأنه خلق لجهنم كثيراً من الصنفين، ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه لما ذكر أنه هو الهادي وهو المضل أعقبه بذكر من خلق للخسران والنار وذكر من أوصافهم ما ذكر وفي ضمنه وعيد الكفار. والمعنى لعذاب جهنم واللام للصيرورة على قول من أثبت لها هذا المعنى، ولما كان مآلهم إليها جعل ذلك سببا على جهة المجاز.﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا ﴾ الآية لما كانوا لا يتدبرون شيئاً من الآيات ولا ينظرون إليها نظر اعتبار ولا يسمعونها سماع تفكر جعلوا كأنهم نقدوا الفقه بالقلوب والابصار بالعيون والسماع بالآذان وليس المراد نفي هذه الإِدراكات عن هذه الحواس وإنما المراد نفي الانتفاع بها فيما طلب منهم من الإِيمان.﴿ أُوْلَـٰئِكَ كَٱلأَنْعَامِ ﴾ في عدم الفقه في العواقب والنظر للاعتبار والسماع للتفكر ولا يهتمون بغير الأكل والشرب.﴿ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ﴾ بل للاضراب وليسوا بطالاً بل هو انتقال من حكم، وهو التشبيه بالأنعام إلى حكم آخر وهو كونهم أضل من الانعام.﴿ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْغَافِلُونَ ﴾ هذه الجملة بين تعالى بها سبب كونهم أضل من الانعام وهو الغفلة عما أعد الله تعالى لأوليائه من الثواب ولأعدائه من العقاب.