﴿ إِذْ يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ ﴾ إذ بدل ثان من إذ يعدكم عدد تعالى نعمه على المؤمنين في يوم بدر وانتصب امنة على أنه مفعول من أجله لاتحاد الفاعل في قراءة من قرأ يغشيكم والمغشي هو الله تعالى. قال الزمخشري: ان منصوب بالنصر أو بما في عند الله من معنى الفعل أو بما جعله الله أو بإِضمار اذكر. " انتهى ". أما كونه منصوباً بالنصر ففيه ضعف من وجوه أحدهما أنه مصدر فيه الْ. وفي اعماله خلاف ذهب الكوفيون إلى أنه لا يجوز إعماله الثاني أنه موصول وقد فصل بينه وبين معموله بالخبر الذي هو إلا من عند الله وذلك لا يجوز لا يقال: ضرب زيد شديد عمرا. الثالث أنه يلزم منه اعمال ما قبل إلا فيما بعدها من غير أن يكون ذلك المعمول مستثنى أو مستثنى منه أو صفة له وإذ ليس واحداً من هذه الثلاثة فلا يجوز ما قام إلا زيد يوم الجمعة، وقد أجاز ذلك الكسائي والأخفش. وأما كونه منصوباً بما في عند الله من معنى الفعل فيضعّفه المعنى لأنه لا يصبر استقرار النصر مقيداً بالظرف والنصر من عند الله مطلقاً في وقت غشي النعاس وغيره. وأما كونه منصوباً بما جعله الله فقد سبقه إليه الحوفي وهو ضعيف أيضاً لطول الفصل ولكونه معمول ما قبل إلا وليس أحد تلك الثلاثة. ومعنى: ﴿ لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ﴾ أي من الجنابات وكان المؤمنون لحق أكثرهم في سفرهم الجنابات وعدموا الماء وكانت بينهم وبين بدر مسافة طويلة من رمل دهس لين تسوخ فيه الأرجل وكان المشركون قد سبقوهم إلى ماء بدر وكان نزول المطر قبل ذلك.﴿ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ ٱلشَّيْطَانِ ﴾ أي عذابه لكم بوسواسه. والرجز: العذاب. والظاهر أن تثبيت الأقدام هو حقيقة لأن المكان الذي وقع فيه اللقاء كان رملاً تغوص فيه الأقدام فلبده المطر حتى ثبتت عليه الأقدام. والضمير في به عائد على المطر وانظر إلى فصاحة مجيء هذه التعليلات بدأ أولاً منها بالتعليل الظاهر وهو تطهيرهم من الجنابة وهو فعل جسماني أعني اغتسالهم من الجنابة. وعطف عليه بغير لام العلة ما هو من لازم التطهير وهو إذهاب رجز الشيطان حيث وسوس إليهم بكونهم يصلون ولم يتغسلوا من الجنابة ثم عطف بلام العلة ما ليس بفعل جسماني وهو فعل محله القلب وهو التشجيع والاطمئنان والصبر على اللقاء وعطف عليه بغير لام العلة ما هو من لازمه وهو كونهم لا يفرون وقت الحرب. فحين ذكر التعليل الظاهر الجسماني والتعليل الباطن القلبي ظهر حرف التعليل. وحين ذكر لازمهما لم يؤكد بلام التعليل، وبدأ أولاً بالتطهير لأنه الآكد والأسبق في الفعل والذي يؤدي به أفضل العبادات وتحيى به القلوب.﴿ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى ٱلْمَلاۤئِكَةِ ﴾ هذا أيضاً من تعديد النعم إذ الإِيحاء إلى الملائكة بأنه تعالى معهم أي ينصرهم ويغنيهم. تقدم أن الخطاب السابق للمؤمنين وهنا جاء الخطاب في قوله: إذ يوحي ربك، لرسول الله وحده من ربه أي مالكه والناظر في إصلاحه، والملائكة، هم الذين أمدّ الله تعالى المؤمنين بهم، وأنى معكم بالنصر والتأييد، ثم أمر الملائكة بتثبيت المؤمنين وأخبر أنه سيلقي الرعب في قلوب الكفار ثم أمره بضرب ما فوق الأعناق وهي الرؤوس وضرب كل بنان وهي الأصابع وهي اسم جنس، الواحد منها بنانة.﴿ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ الآية الإِشارة إلى ما حل بهم من رعب اللقاء في قلوبهم وما أصابهم من الضرب والقتل والكاف لخطاب السامع وذلك مبتدأ وبأنهم خبره والضمير عائد على الكفار. وتقدم الكلام في المشاقة في قوله تعالى:﴿ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ ﴾[البقرة: ١٣٧] والمشاقة هنا مفاعلة فكأنه لما شرع شرعاً وأمر بأوامر وكذبوهم وصدوا تباعد ما بينهم وانفصل وانشق وعبّر المفسرون عن قوله: شاقوا الله أي صاروا في شق غير شقه. والضمير في جملة الجواب العائد على اسم الشرط الذي هو من محذوف تقديره شديد العقاب لكم.﴿ ذٰلِكُمْ فَذُوقُوهُ ﴾ الآية جمع بين العذابين عذاب الدنيا وهو المعجل وعذاب الآخرة وهو المؤجل والإِشارة بذلكم إلى ما حل بهم من عذاب الدنيا والخطاب للمشاقين ولما كان عذاب الدنيا بالنسبة إلى عذاب الآخرة يسيراً سمي ما أصابهم منه ذوقاً، لأن الذوق يعرف به الطعم وهو يسير ليعرف به حال الطعم. ذلكم مبتدأ خبره محذوف تقديره ذلكم العقاب أو خبر مبتدأ محذوف تقديره العقاب ذلكم. وقال الزمخشري: ويجوز أن يكون نصباً على عليكم ذلكم فذوقوه كقولك: زيداً فاضربه. " انتهى ". ولا يجوز هذا التقدير لأن عليكم من أسماء الأفعال وأسماء الأفعال لا تضمر وتشبيهه له بزيد أفأضربه ليس بجيد لأنهم لم يقدروه بعليك زيداً فاضربه، وإنما هو منصوب على الاشتغال.﴿ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ ﴾ الآية، قال ابن عطية: أما على تقدير وحتم أنّ فيقدر ابتداء محذوف يكون ان خبره واما على تقدير، واعلموا انّ فهي على هذا في موضع نصب. " انتهى ". وقرأ الحسن وزير بن عليّ وسليمان التيمي وان بكسر الهمزة على استئناف اخبار ونبه على العلة وهي الكفر في كون عذاب النار لهم.