﴿ إِنَّمَا ٱلصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ ﴾ الآية، لما ذكر تعالى من يعيب الرسول في قسم الصدقات بأنه يعطي من يشاء ويحرم من يشاء، أو يخص أقاربه أو يأخذ لنفسه ما بقي، وكانوا يسألون فوق ما يستحقون، بيّن تعالى مصرف الصدقات فإِنه عليه السلام إنما قسم على ما فرضه الله تعالى. ولفظة ﴿ إِنَّمَا ﴾ إن كانت وضعت للحصر فالحصر مستفاد من لفظها، وان لم توضع للحصر فالحصر مستفاد من الأوصاف، إذ مناط الحكم بالوصف يقتضي التعليل به، والتعليل بالشىء يقتضي الاقتصار عليه. والظاهر أن مصرف الصدقات هؤلاء الأصناف. والظاهر أن العطف مشعر بالتغاير فتكون الفقراء غير المساكين. والظاهر بقاء هذا الحكم للأصناف الثمانية دائماً إذ لم يرد نص في نسخ شىء منها. وتقدم الكلام على الفقراء والمساكين وفي الرقاب وابن السبيل في البقرة.﴿ وَٱلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا ﴾ العامل هو الذي يستنيبه الإِمام في السعي في جمع الصدقات وكل من تصرف لا يستغني عنه فيها فهو من العاملين، ويسمى جابي الصدقات والساعي.﴿ وَٱلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ﴾ هم أشراف من العرب مسلمون لم يتمكن الإِيمان من قلوبهم أعطاهم صلى الله عليه وسلم ليتمكن الإِيمان من قلوبهم. فمن المؤلفة أبو سفيان بن حرب وسهيل بن عمرو والحارث بن هشام وحويطب بن عبد العزى وصفوان بن أمية ومالك بن عوف النضري والعلاء بن حارثة الثقفي، فهؤلاء أعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة بعير لكل واحد، ومَخْرَمة بن نوفل بن الزهري وعمير بن وهب الجمحي وهشام بن عمرو العائذي أعطاهم دون المائة، ومن المؤلفة سعيد بن يربوع والعباس بن مرداس والأقرع بن حابس وزيد الخيل وعلقمة بن علاثة وأبو سفيان الحارث بن عبد المطلب وحكيم بن حزام وعكرمة بن أبي جهل وسعيد بن عمرو وعيينة بن حصن، وحَسُنَ إسلام المؤلفة حاشى عيينة فإِنه لم يزل مغموصاً عليه.﴿ وَٱلْغَارِمِينَ ﴾ قال ابن عباس: الغارم من عليه دين. وزاد مجاهد وقتادة: في غير معصية ولا إسراف. والجمهور على أنه يقضى منها دين الميت إذ هو غارم. وقال أبو حنيفة وأبو المواز من المالكية: لا يقضى منها. وقال أبو حنيفة: ولا يُقضى منها كفارة ونحوها من حقوق الله تعالى. وإنما الغارم من عليه دين يحبس فيه. وقيل: يدخل في الغارمين من تحمل حمالات في إصلاح وبرّ، وان كان غنياً إذ كان ذلك يجحف بماله، وهو قول الشافعي وأصحابه وأحمد.﴿ وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ﴾ هو المجاهد يعطي منها إذا كان فقيراً. والجمهور على أنه يعطى منها وإن كان غنياً ما ينفق في غزوته. وقال الشافعي وأحمد وعيسى بن دينار وجماعة: لا يعطى الغني إلا ان احتاج في غزوته وغاب عنه وَفْرُهُ. وقال أبو حنيفة وصاحباه: لا يعطي إلا إن كان فقيراً أو منقطعاً به فإِذا أعطى ملك وإن لم يصرفه في غزوته. وقال ابن عبد الحكم: ويُجعَل من الصدقة في الكراع والسلاح وما يحتاج اليه من الات الحرب وكف العدو عن الحوزة لأنه كله في سبيل الله ومنفعته. والجمهور على أنه يجوز الصرف منها إلى الحجاج والمعتمرين وان كانوا أغنياء. وانتصب فريضة لأنه في معنى المصدر المؤكد لأن قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا ٱلصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ ﴾، معناه فرض الله الصدقات فريضة لهم فهي مصدر. وقرىء: فريضة بالرفع على تلك الفريضة.﴿ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ لأن ما صدر عنه هو عن علم منه بخلقه وحكمة منه في القسمة، أي عليم بمقادير المصالح، حكيم لا يشرع إلا ما هو الأصلح.﴿ وَمِنْهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلنَّبِيَّ ﴾ كان حزام بن خالد وعبيد بن هلال والجلاس بن سويد في آخرين يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم: لا تفعلوا فإِنا نخاف أن يبلغه فيوقع بنا. فقال الجلاس: بل نقول ما شئنا فإِن محمداً أذن سامعة ثم نأتيه فيصدقنا. فنزلت. وقيل غير ذلك. يقال: رجل أذنٌ إذا كان يسمع فقال كل أحد يستوي فيه الواحد والجمع، قاله الجوهري. وقال الشاعر: وقد صرت أذناً للوشاة سميعة ينالون من عرضي ولو شئت ما نالواوارتفع أذن على إضمار مبتدأ، أي قل هو إذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين، تعدية يؤمن أولاً بالباء، وثانياً باللام قصد التصديق بالله الذي هو نقيض الكفر، فعدي بالباء وقصد الاستماع للمؤمنين وان يسلم لهم ما يقولون، فعدي باللام. وقرىء: ورحمة بالرفع عطفاً على إذن، وبالجر عطفاً على خير.﴿ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ ﴾ وخص المؤمنين وإن كان رحمة للعالمين لأن ما حصل لهم من الإِيمان بسبب رسول الله لم يحصل لغيرهم. وخصوا هنا بالذكر وإن كانوا قد دخلوا في العالمين لحصول مزيتهم، وأبرز اسم الرسول ولم يأت مضمراً على نسق يؤمن بلفظ الرسول تعظيماً لشأنه وجمعاً له في الآية بين الرتبتين العظيمتين من النبوة والرسالة، وإضافته إليه زيادة في تشريفه وحتم على من أذاه بالعذاب الأليم وحق لهم ذلك، والذين يؤذون عام يندرج فيه هؤلاء الذين آذوا هذا الإِيذاء الخاص وغيرُهم.