﴿ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَافِقِينَ ﴾ لما ذكر وعيد غير المؤمنين وكانت السورة قد نزلت في المنافقين بدأ بهم في ذلك بقولهم:﴿ وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ ﴾[التوبة: ٦٨] الآية، ولما ذكر أمر الجهاد وكان الكفار غير المنافقين أشد شكيمة وأقوى أسباباً في القتال وأنكاء بتصديهم للقتال قال: جاهد الكفار والمنافقين فبدأ بهم. قال ابن عباس: جاهد الكفار بالسيف والمنافقين باللسان.﴿ يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ ﴾ الضمير عائد على المنافقين. وقيل: هو حلف الجلاس، وتقدمت قصته مع عامر بن قيس.﴿ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ ﴾ قال مجاهد:" نزلت في خمسة عشر رجلاً هموا بقتله صلى الله عليه وسلم وتوافقوا على أن يدفعوه عن راحلته إلى الوادي إذا تسنّم العقبة فأخذ عمار بن ياسر بخطام راحلته يقودها وحذيفة خلفها يسوقها فبينما هما كذلك إذ سمع حذيفة بوقع اخفاف الإِبل وقعقعة السلاح فالتفت فإِذا قوم متلثمون فقال: إليكم يا أعداء الله فهربوا "وكان منهم عبد الله بن أبيّ وعبد الله بن أبي سرح وطعمة بن أبيرق والجلاس بن سويد وأبو عامر بن نعمان وأبو الأحوص.﴿ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ ﴾ هذا إحسان منه تعالى ورفق بهم حيث فتح لهم باب التوبة بعد ارتكاب تلك الجرائم العظيمة، وكان الجلاس بعد حلفه وإنكاره أنه ما قال الذي نقل عنه قد تاب واعترف وصدق الناقل عنه وحسنت توبته، ولم يرد أن أحداً قبلت توبته منهم غير الجلاس. وقيل: وفي هذا دليل على قبول توبة الزنديق المسر للكفر المظهر للإِيمان، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي. وقال مالك: لا تقبل فإِن جاء تائباً من قبل نفسه قبل أن يعثر عليه قبلت توبته بلا خلاف يك خيراً لهم. اسم " يك " ضمير يعود على المصدر المفهوم في قوله: يتوبوا، تقديره هو أي الثواب خيراً لهم.﴿ وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ ٱللَّهَ ﴾ الآية، قال الضحاك: هم نبتل بن الحارث والجد بن قيس ومعتب بن متشير وثعلبة بن خاطب، وفيهم نزلت الآية. والظاهر أن الضمير في فأعقبهم هو عائد على الله تعالى عاقبهم على الذنب بما هو أشد منه. والظاهر عود الضمير في يلقونه على الله تعالى. وقيل: جزاء أفعالهم.﴿ أَلَمْ يَعْلَمُواْ ﴾ هذا استفهام تضمن التوبيخ والتقريع. وقرأ على وأبو عبد الرحمن والحسن تعلموا ـ بالتاء ـ وهو خطاب للمؤمنين على سبيل التقرير وأنه تعالى فاضح المنافقين ومعلم المؤمنين أحوالهم التي يكتمونها شيئاً فشيئاً.﴿ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ ﴾ هذا التقسيم عبارة عن إحاطة علمه تعالى بهم. والظاهر أن الآية في جميع المنافقين من عاهد وأخلف وغيره.﴿ ٱلَّذِينَ يَلْمِزُونَ ٱلْمُطَّوِّعِينَ ﴾ الآية،" نزلت فيمن عاب المتصدقين وكان رسول الله حث على الصدقة فتصدق عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف وامسك مثلها، فبارك له الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أعطى وفيما أمسك وتصدق عمر بنصف ماله، وعاصم بن عدي بمائة وسق، وعثمان بن عفان بصدقة عظيمة، وأبو عقيل الاراش بصاع تمر، وترك لعياله صاعاً وكان آجر نفسه لسقي نخل بهما، ورجل بناقة عظيمة، قال: هي وذو بطنها صدقة يا رسول الله وألقى إلى رسول الله خطامَها فقال المنافقون: ما تصدق هؤلاء إلاّ ريآء وسمعة، وما تصدق أبو عقيل إلا ليذكر مع الأكابر أو ليذكر بنفسه فيغطي من الصدقات والله غني عن صاعه. وقال بعضهم: تصدق بالناقة وهي خير منه. وكان الرجل أقصر الناس قامة وأشدهم سواداً فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: بل هو خير منك، ومنها يقوله ثلاثاً ".﴿ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ ﴾ هم مندرجون في المطوّعين ذكروا تشريفاً لهم حيث ما فاتتهم الصدقة بل تصدقوا بالشىء وإن كانوا أشد الناس إليه حاجة، وأتعبهم في تحصيل ما تصدقوا به كأبي عقيل وأبي خيثمة. وكان قد لُمِزَ في التصدق بالقليل ونظرائها الذين يلمزون: مبتدأ. وفي الصدقات: متعلق بيلمزون. والذين لا يجدون: معطوف على المطوعين، كأنه قيل: يلمزون الأغنياء وغيرهم.﴿ فَيَسْخَرُونَ ﴾ معطوف على يلمزون وسخر منهم. وما بعده خبر عن الذين يلمزون.