﴿ يَـٰأيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ﴾ الآية، هو خطاب للمؤمنين أمروا بكونهم مع أهل الصدق بعد ذكر قصة الثلاثة الذين نفعهم صدقهم وازاحهم عن رتبة النفاق. واعترضت هذه الجملة تنبيهاً على رتبة الصدق وكفى بها أنها ثانية لرتبة النبوة في قوله:﴿ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ ﴾[النساء: ٦٩] إلى آخره.﴿ مَا كَانَ لأَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ ﴾ الآية، نزلت فيمن تخلف من أهل المدينة عن غزوة تبوك، وفيمن تخلف ممن حولهم من الأعراب من مُزينة وجهينة وأشجع وأسلم وغفار. ومناسبتها لما قبلها أنه لما أمر المؤمنين بتقوى الله وأمر بكينونتهم مع الصادقين وأفضل الصادقين رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم المهاجرون والأنصار اقتضى ذلك موافقة الرسول صلى الله عليه وسلم صحبته أنى توجه من الغزوات والمشاهد.﴿ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ الآية، قال الزمخشري: أن يصحبوه على البأساء والضراء ويكابدوا معه الأهوال برغبة ونشاط واغتباط وأن يلقوا بأنفسهم في الشدائد ما تلقاه نفسه الكريمة صلى الله عليه وسلم، علماً بها أنها أعز نفس عند الله وأكرمها عليه، فإِذا تعرضت مع كرامتها وعزتها للخوض في الشدائد والهول، وجب على سائر الأنفس أن تتهافت فيما تعرضت له ولا يكترث بها أصحابها ولا يقيموا لها وزناً.﴿ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ ﴾ الظمأ: العطش. ولما كان العطش أشق الأشياء المؤذية للمسافرين بكثرة الحركة وإزعاج النفس وخصوصاً في شدة الحر كغزوة تبوك بُدىء به أولاً، وثني بالنصب وهو التعب لأنه الكلال الذي يلحق المسافر والإِعياء الناشىء عن العطش والسير، وأتى ثالثاً بالجوع لأنه حالة يمكن الصبر عليها الأوقات العديدة بخلاف العطش، والنصب المفضيين إلى الخلود والانقطاع عن السفر، فكان الاخبار بما يعرض للمسافر أولاً فثانياً فثالثاً. وموطئاً: مفعل من وطىء فاحتمل أن يكون مكاناً، واحتمل أن يكون مصدراً، والفاعل في يغيظ عائد على المصدر إما على موطىء إن كان مصدراً، وإما على ما يفهم من موطىء إن كان مكاناً أي يغيظ وطئهم إياه الكفار. والنيل: مصدر فاحتمل أن يبقى على موضعه، واحتمل أن يراد به المنيل. واطلق نيلاً ليعم القليل والكثير مما يسؤهم قتلاً وأسراً وغنيمة وهزيمة، وبدىء في هاتين الجملتين بالاسبق أيضاً وهو الوطء ثم ثنّي بالنيل من العدو، وجاء للعموم في الكفار بالألف واللام وفي من عدو لكونه في سياق النفي. وبدىء أولاً بما يخص المسافر في الجهاد في نفسه، ثم ثانياً بما يترتب على تحمل تلك المشاق من غيظ الكفار والنيل من العدو.﴿ وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً ﴾ قتل ابن عباس: كالثمرة ونحوها والكبيرة ما فوقها. وقدم صغيرة على سبيل الاهتمام كقوله:﴿ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً ﴾[الكهف: ٤٩].
﴿ وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذٰلِكَ وَلاۤ أَكْبَرَ ﴾ [يونس: ٦١، سبأ: ٣]، وإذا كتب أجراً لصغيرة فأحرى أجر الكبيرة. ومفعول كتب فضمير يعود على المصدر المفهوم من ينفقون ويقطعون، كأنه قيل: كتب لهم هو أي الانفاق والقطع، وتأخرت هاتان الجملتان وقدمت تلك الجملة السابقة لأنها أشق على النفس وأنكى للعدم، وهاتان أهون لأنهما في الأموال وقطع الأرض إلى العدو وسواء حصل غيظ للكفار والنيل من العدو أم لا يحصلا، فهذا أعم وتلك أخص. وكان تعليل تلك آكد إذ جاء بالجملة الإِسمية المؤكدة بأن، وذكر فيه الأجر. ولفظ المحسنين تنبيهاً على أنهم حازوا رتبة الإِحسان التي هي أعلى رتب المؤمنين وفي هاتين الجملتين أتى بلام العلة وهي متعلقة بكتب والتقدير أحسن جزاء الذي كانوا يعملون لأن عملهم له جزاء حسن وله جزاء أحسن وهنا الجزاء أحسن جزاء.﴿ وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً ﴾ الآية، لما سمعوا قوله: ما كان لأهل المدينة إلى آخره أهمّهم ذلك فنفروا إلى المدينة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فنزلت.﴿ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ ﴾ أي ليجعلوا غرضهم في النفقة إنذار قومهم وإرشادهم إلى الخير والنصيحة لهم.﴿ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾ إرادة أن يحذروا الله فيعملوا عملاً صالحاً.