﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * الۤر تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْحَكِيمِ ﴾ هذه السورة مكية إلا ثلاث آيات فيها نزلت بالمدينة وهي: فإِن كنت في شك إلى آخرهن، قاله ابن عباس. وسبب نزولها أن أهل مكة قالوا: لم يجد الله رسولاً إلا يتيم أبي طالب. فنزلت. ومناسبتها لما قبلها أنه تعالى لما أنزل:﴿ وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ ﴾[التوبة: ١٢٤، ١٢٧]، وذكر تكذيب المنافقين، ثم قال:﴿ لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ ﴾[التوبة: ١٢٨]، وهو محمد صلى الله عليه وسلم اتبع ذلك بذكر الكتاب الذي أنزل والنبي الذي أرسل وانّ ديدن الظالمين واحد منافقيهم ومشركيهم في التكذيب بالكتب الإِلهية وبمن جاء بها، ولما كان ذكر القرآن مقدماً على ذكر الرسول في آخر السورة جاء في أول هذه السورة كذلك، فتقدم ذكر الكتاب على ذكر الرسول. والظاهر أن تلك باقية على موضوعها من استعمالها لبعد المشار إليه. وقال مجاهد وقتادة: أشار بتلك إلى الكتب المتقدمة من التوراة والإِنجيل والزبور، فتكون الآيات القصص التي وصفت في تلك الكتب. وقال الزجاج: إشارة إلى آيات القرآن التي جرى ذكرها. والهمزة في: ﴿ أَكَانَ لِلنَّاسِ ﴾ للاستفهام على سبيل الإِنكار لوقوع العجب من الإيحاء إلى بشر منهم بالإِنذار والتبشير أي لا عجب في ذلك فهي عادة الله في الأمم السالفة أوحى إلى رسلهم الكتب بالتبشير والإِنذار على أيدي من اصطفاه منهم. واسم كان انا أوحينا. وعجباً: الخبر، وللناس قيل: هو في موضع الحال من عجباً لأنه لو تأخر لكان صفة، فلما تقدم كان حالاً. وقيل: يتعلق بقوله: عجباً وليس مصدراً بل هو بمعنى معجب. والمصدر إذا كان بمعنى المفعول جاز تقدم معموله عليه كاسم المفعول. وقيل: هو تبيين أي أعني للناس. وقيل: يتعلق بكان وإن كانت ناقصة وهذا لا يتم إلا إذا قدرت دالة على الحدث فإِنها ان تمحضت للدلالة على الزمان لم يصح تعلق بها. وقرأ عبد الله عجب فقيل: عجب اسم كان، وإن أوحينا هو الخبر، فيكون نظير قوله: يكون مزاجها عسل وماء   وهذا محمول على الشذوذ، وهذا تخريج الزمخشري وابن عطية وقيل: كان تامة، وعجب فاعل بها، والمعنى أحدث للناس عجب لأن أوحينا وهذا التوجيه حسن. و ﴿ أَنْ أَنذِرِ ﴾ إنْ تفسيرية أو مصدرية مخففة من الثقيلة، وأصله انه أنذر الناس على معنى ان الشأن قولنا أنذر الناس، قالهما الزمخشري ويجوز أن تكون ان المصدرية الثنائية الوضع المخففة من الثقيلة لأنها توصل بالماضي والمضارع والأمر، فوصلت هنا بالأمر وينسبك منها معه مصدر تقديره بإِنذار الناس، وهذا الوجه أولى من التفسيرية لأن الكوفيين لا يثبتون لأن أن تكون تفسيرية، ومن المصدرية المخففة من الثقيلة المقدر حذف اسمها وإضمار خبرها وهو القول، فيجتمع فيها حذف الاسم والخبر ولأن التأصيل خير من دعوى الحذف بالتخفيف. و ﴿ قَدَمَ صِدْقٍ ﴾ قال ابن عباس وغيره: هي الأعمال الصالحة من العبادات.﴿ عِندَ رَبِّهِمْ ﴾ سابقة وفضلاً ومنزلة رفيعة، ولما كان السعي والسبق بالقدم سميت المسعاة الجميلة والسابقة قدماً كما سميت النعمة يداً لأنها تعطى باليد.﴿ إِنَّ هَـٰذَا ﴾ هذا إشارة إلى الإِيحاء بالإِنذار والتبشير.﴿ لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ ﴾ لشىء يعلل به وهو شىء لا حقيقة له، كما قال: ونسحر بالطعام وبالشراب   أي نعلل بهما.


الصفحة التالية
Icon