﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ الآية، أي يزيدهم في هداهم بسبب إيمانهم السابق، ويثيبهم إلى طريق الجنة بسبب إيمانهم السابق، والظاهر أن يكون تجري مستأنفاً فيكون قد أخبر عنهم بخبرين عظيمين أحدهما هداية الله لهم وذلك في الدنيا والآخرة، ويجريان الأنهار وذلك في الآخرة كما تضمنت الآية في الكفار شيئين أحدهما اتصافهم بانتفاء رجاء لقاء الله وما عطف عليه. والثاني مقرهم ومأواهم فصار تقسيماً للفريقين في المعنى لما هداهم ونعمهم بالجنة نزهوا الله تعالى وقدسوه بقولهم: سبحانك اللهم. واللهم تقدم الكلام عليه.﴿ تَحِيَّتُهُمْ ﴾ أي تحية بعضهم لبعض أو تحية الملائكة لهم كما قال:﴿ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ ﴾[الرعد: ٢٣] وإن هي المخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن لازم الحذف، والجملة بعدها خبر انّ وأن وصلتها خبر قوله: وآخر دعواهم. وزعم صاحب النظم أنّ أنْ هنا زائدة؛ والحمد لله خبر وآخر دعواهم وهو مخالف لنصوص النحويين.﴿ وَلَوْ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ﴾ الآية، قال مجاهد: نزلت في دعاء الرجل على نفسه وماله أو ولده ونحو هذا، فأخبر تعالى أنه لو فعل مع الناس في إجابته إلى المكروه مثل ما يريدون فعله معهم في إجابته إلى الخير لأهلكهم وانتصب استعجالهم على أنه مصدر تشبيهي تقديره استعجالاً مثل استعجالهم. وقال الزمخشري: أصله ولو يعجل الله للناس الشر تعجيله لهم الخير إشعاراً بسرعة إجابته لهم وإسعافه بطلبتهم كأن استعجالهم بالخير تعجيل لهم انتهى مدلول عجل غير مدلول استعجل، لأن عجل يدل على الوقوع، واستعجل يدل على طلب التعجيل وذلك واقع من الله تعالى، وهذا مضاف إليهم فلا يكون التقدير على ما قاله الزمخشري، فيحتمل وجهين أن يكون التقدير تعجيلاً مثل استعجالهم بالخير فشبه التعجيل بالاستعجال لأن طلبتهم للخير ووقوع تعجيله مقدم عندهم على كل شىء، والثاني أن يكون ثم محذوف يدل عليه المصدر تقديره ولو يعجل الله للناس الشر إذا استعجلوا به استعجالهم بالخير لأنهم كانوا يستعجلونه بالشر ووقوعه على سبيل التهكم كما كانوا يستعجلونه بالخير. وقرىء: لقضي مبنياً للمفعول أجلهم بالرفع، ولقضي مبنياً للفاعل وفيه ضمير يعود على الله تعالى وأجله نصب على المفعول، والفاء في فنذر جواب ما أخبر به عنهم على طريق الاستئناف تقديره فنحن نذر، قاله الحوفي. وقال أبو البقاء: فنذر معطوف على فعل محذوف تقديره ولكن نمهلهم فنذر.﴿ وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ٱلضُّرُّ ﴾ الآية. مناسبتها لما قبلها أنه لما استدعوا حلول الشر بهم وأنه تعالى لا يفعل ذلك بطلبهم بل يترك من لا يرجو لقاءه يعمه في طغيانه بين شدة افتقار الناس إليه واضطرارهم إلى استمطار إحسانه مسيئهم ومحسنهم. والظاهر أنه لا يراد بالإِنسان هنا شخص معين وأنه لا يراد به الكافر بل المراد الإِنسان من حيث هو سواء كان كافراً أم عاصياً بغير الكفر ولجنبه حال، أي مضطجعاً. ولذلك عطف عليه الحالان وذو الحال الضمير في دعانا والعامل فيه دعانا أي دعانا متلبساً بأحد هذه الأحوال واحتملت هذه الأحوال الثلاثة أن تكون لشخص واحد واحتملت أن تكون لأشخاص إذ الإِنسان جنس. والمعنى أن الذي أصابه الضر لا يزال داعياً ملتجئاً راغباً إلى الله تعالى في جميع حالاته كلها وابتدأ بالحالة الشاقة وهي اضطجاعه وعجزه عن النهوض وهي أعظم في الدعاء وآكد، ثم بما يليها وهي حالة القعود وهي حالة العجز عن القيام ثم بما يليها وهي حالة القيام وهي حالة العجز عن المشي فتراه يضطرب ولا ينهض للمشي كحالة الشيخ الهرم. والجملة من قوله: كأن لم يدعنا إلى ضر مسّه في موضع الحال، أي إلى كشف ضر مسّه. والكاف في ﴿ كَذٰلِكَ ﴾ في موضع نصب، أي مثل ذلك. والإِشارة بذلك إلى تزيين الإِعراض عن الابتهال إلى الله تعالى عند كشف الضر وعدم شكره وذكره على ذلك.﴿ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا ﴾ الآية، هذا إخبار لمعاصري رسول الله صلى الله عليه وسلم وخطاب لهم بإِهلاك من سلف قبلهم من الأمم بسبب ظلمهم وهو الكفر على سبيل الردع لهم والتذكير بحال من سبق من الكفار والوعيد لهم وضرب الأمثال فكما فعل بهؤلاء يفعل بكم ولفظة لما مشعرة بالعلية وهي حرف تعليق في الماضي، وجاءتهم ظاهرة أنه معطوف على ظلموا أي لما حصل هذان الأمران مجيء الرسل بالبينات وظلمهم أهكلوا. والظاهر أن الضمير في أو ما كانوا، عائد على القرون وأنه معطوف على قوله ظلموا، والكاف في ﴿ كَذٰلِكَ ﴾ في موضع نصب أي مثل ذلك الجزاء وهو الإِهلاك نجزي القوم المجرمين، فهذا وعيد شديد لمن أجرم يدخل فيه أهل مكة وغيرهم. والخطاب في: ﴿ جَعَلْنَاكُمْ ﴾ لمن بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمعنى استخلفناكم في الأرض بعد القرون المهلكة.﴿ لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ﴾ خيراً أم شراً فنعاملكم على حسب عملكم. ومعنى لننظر ليتبين في الوجود ما علمناه أزلاً فالنظر مجاز عن هذا.