﴿ وَمَا كَانَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ أَن ﴾ الآية، لما تقدم قولهم ائت بقرآن غير هذا أو بدله، وكان من قولهم انه افتراه قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ ﴾، أي ما صح ولا استقام أن يكون هذا القرآن المعجز مفترى. والإِشارة بهذا فيها تفخيم المشار إليه وتعظيمه، وكونه جامعاً للأوصاف التي يستحيل لوجودها فيه أن يكون مفترى. والظاهر أنّ انْ يفترى هو خبر كان، أي افتراء أي ذا افتراء أو مفترى، ووقعت لكن هنا أحسن موقع إذ كانت بين نقيضين وهما الكذب والتصديق المتضمن الصدق، والذي بين يديه الكتب الإِلهية المقدمة. وانتصب تصديق على أنه خبر كان مضمرة وهو على حذف مضاف، أي ذا تصديق.﴿ أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ ﴾ ام: منقطة تتقدر ببل، والهمزة تقديره بل أيقولون افتراه، والاستفهام على سبيل الإِنكار. وتقدم الكلام على نظير هذه الآية في البقرة.﴿ بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ ﴾ أي بل كذبوا بها القرآن العظيم المنبّىء بالغيوب الذي لم تتقدم لهم به معرفة، ولا أحاطوا بمعرفة غيوبه وحسن نظمه، ولا جاءهم تفسير ذلك وبيانه. والكاف في موضع نصب، أي مثل ذلك التكذيب.﴿ فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ ﴾ كيف: في موضع نصب خبر لكان، وأنظر معلقة، والجملة الاستفهامية مع ما بعدها في موضع نصب. قال ابن عطية: ولكيف تصرفات تحل محل المصدر الذي هو كيفية ويحتمل هذا الموضع أن يكون منها ومن تصرفاتها كقولهم: كن كيف شئت. " انتهى ". ليس كيف تحل محل المصدر ولا لفظ كيفية هو مصدر إنما ذلك نسبة إلى كيف وقوله: ويحتمل أن يكون هذا الموضع منها ومن تصرفاتها كن كيف شئت لا يحتمل أن يكون منها لأنه لم يثبت لها هذا المعنى الذي ذكر من كون كيف بمعنى كيفية وادّعاء مصدر كيفية وأمّا: كنْ كيف شئت لها هذا المعنى الذي فكيف ليست بمعنى كيفية وإنما هي شرطية، وهو المعنى الثاني الذي لها، وجوابها محذوف التقدير كيف شئت، فكن كما تقول: قم متى شئت، فمتى: اسم شرط ظرف لا يعمل فيه قم، والجواب محذوف تقديره متى شئت فقم.﴿ وَمِنهُمْ مَّن يُؤْمِنُ بِهِ ﴾ الآية، الظاهر أنه اخبار بأن من كفار قريش من سيؤمن به وهو من سبقت له السعادة، ومنهم من لا يؤمن به فيوافي على الكفر.﴿ وَإِن كَذَّبُوكَ ﴾ أي وإن تمادوا على تكذيبك فتبرأ منهم قد أعذرت وبلغت كقوله:﴿ فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيۤءٌ ﴾[الشعراء: ٢١٦].
ومعنى: ﴿ لِّي عَمَلِي ﴾ أي لي جزاء عملي ولكم جزاء عملكم. ومعنى عملي أي الصالح المشتمل على الإِيمان والطاعة.﴿ وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ ﴾ المشتمل على الشرك والعصيان. والظاهر أنها آية منابذة لهم وموادعة وفي ضمنها الوعيد.