﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ ﴾ الآية، تقدم الكلام عليها في الانعام، وقررنا هناك أن العرب تضمن أرأيت معنى أخبرني وأنها تتعدى إذ ذاك إلى مفعولين، وان المفعول الثاني اكثر ما يكون جملة استفهام ينعقد منها مع ما قبلها مبتدأ وخبر. تقول العرب: أرأيت زيداً ما صنع، المعنى أخبرني عن زيد ما صنع. وقبل دخول أرأيت كان الكلام زيد ما صنع وإذا تقرر هذا فأرأيتم هنا المفعول الأول لها محذوف والمسألة من باب الاعمال تنازع أرأيت وإن أتاكم على قوله: عذابه، فاعمل الثاني إذ هو المختار على مذهب البصريين، وهو الذي ورد به السماع أكثر من اعمال الأول فلما أعمل الثاني حذف من الأول ولم يضمر لأن إضماره مختص بالشعر أو قليل في الكلام على اختلاف النحويين في ذلك والمعنى قل لهم يا محمد أخبروني عن عذاب الله إن أتاكم أي شىء تستعجلون منه فليس شىء من العذاب يستعجله عاقل إذ العذاب كله مر المذاق موجب لنفار الطبع منه، فتكون جملة الاستفهام جاءت على سبيل التلطف بهم والتنبيه لهم ان العذاب لا ينبغي أن يستعجل. ويجوز أن تكون الجملة جاءت على سبيل التعجب والتهويل للعذاب، أي أيّ شىء شديد تستعجلون منه أي ما أشد وأهول ما تستعجلون من العذاب. وتقدم الكلام في قوله: بياتاً، في الاعراف مدلولاً وإعراباً وانتصابه وما بعده على الظرف، والمعنى إن أتاكم عذابه وأنتم ساهون غافلون اما بنوم واما باشتغال بالمعاش والكسب وهو نظير قوله: بغتة، لأن العذاب إذا فاجأ من غير شعور به كان أشد وأصعب بخلاف أن يكون قد استعد له وتهيّىءَ لحلوله ويجوز في ماذا أن تكون ما مبتدأ وذا خبره، وهو بمعنى الذي. ويستعجل صلته وحذف الضمير العائد على الموصول التقرير، أي شيء الذي يستعجله من العذاب المجرمون. ويجوز في ماذا أن يكون كله مفعولاً كانه قيل: أي شىء يستعجله من العذاب المجرمون. قال الزمخشري: فإِن قلت: يتعلق الاستفهام؟ وأين جواب الشرط؟ قلت: تعلق بأرأيتم، لأن المعنى أخبروني ماذا يستعجل منه المجرمون، وجواب الشرط محذوف وهو يندموا على الاستعجال ويعرفوا الخطأ فيه. " انتهى ". وما قدره الزمخشري غير سائغ لأنه لا يقدر الجواب إلا مما تقدمه لفظاً أو تقديراً تقول: أنت ظالم إن فعلت التقدير إن فعلت فأنت ظالم، وكذلك وانّا إن شاء الله لمهتدون التقدير إن شاء الله نَهتدِ، فالذي يسوغ ان يقدر إن أتاكم عذابه فأخبروني ماذا يستعجل. قال الزمخشري: ويجوز أن يكون ماذا يستعجل جواباً للشرط كقولك: إن أتيتك ماذا تطعمني، ثم تتعلق الجملة بأرأيتم وان يكون اثم إذا ما وقع آمنتم به من بعد جواب الشرط وماذا يستعجل منه المجرمون اعتراضاً، والمعنى إن أتاكم عذابه آمنتم به بعد وقوعه حين لا ينفعكم الإِيمان." انتهى ". اما تجويزه أن يكون ماذا جواباً للشرط فلا يصح لأن جواب الشرط إذا كان استفهاماً فلا بد فيه من الفاء، تقول: ان زارنا زيد فأي رجل هو وإن زارنا فلان فأي يدله بذلك، ولا يجوز حذفها إلا إن كان في ضرورة. والمثال الذي ذكره وهو ان أتيتك ماذا تطعمني هو من قبله لا من كلام العرب. وأما قوله: تتعلق الجملة بأرأيتم إن عني بالجملة ماذا يستعجل فلا يصح ذلك لأنه قد جعلها جواباً للشرط وإن عني بالجملة جملة الشرط فقد فسر هو أرأيتم بمعنى أخبروني. وأخبرني يطلب متعلقاً مفعولاً ولا تقع جملة الشرط موقع مفعول أخبرني، وأما تجويزه ان يكون إثم إذا ما وقع آمنتم به جواب الشرط وماذا يستعجل منه المجرمون اعتراضاً، فلا يصح أيضاً لما ذكرناه من أن جملة الاستفهام لا تقع جواباً للشرط إلا ومعها فاء الجواب، وأيضاً فثم هنا وهي حرف عطف تعطف الجملة التي بعدها على ما قبلها فالجملة الاستفهامية معطوفة وإذا كانت معطوفة لم يصح أن تقع جواب شرط، وأيضاً أفأرأيتم بمعنى أخبرني يحتاج إلى مفعول ولا تقع جملة الشرط موقعه. والظاهر عود الضمير في منه على العذاب وبه يحصل الربط بجملة الاستفهام بمفعول أرأيتم المحذوف الذي هو مبتدأ في الأصل. وقيل: يعود على الله تعالى، والمجرمون هم المخاطبون في قوله: أرأيتم إن أتاكم. ونبه على الوصف الموجب لترك الاستعجال وهو الإِجرام لأن من حق المجرم أن يخاف التعذيب على إجرامه ويهلك نزعاً من مجيئه وإن أبطأ فكيف يستعجله. وثم: حرف عطف وتقدمت همزة الاستفهام عليها كما تقدمت على الواو. والفاء في أفلم يسيروا وفي أو لم يسيروا وتقدم الكلام على ذلك. قال الطبري في قوله: اثم بضم الثاء أن معناه أهنالك. قال: وليست ثم هذه التي تأتي بمعنى العطف. " انتهى ". وما قاله من أن ثم ليست للعطف دعوى، وأما قوله: ان المعنى أهنالك فالذي ينبغي أن يكون ذلك تفسير معنى لا ان ثم المضمومة الثاء معناها معنى هنالك، وفاعل وقع ضمير يعود على العذاب، وقرىء الآن على الاستفهام بالمد. وقرىء: بهمزة الاستفهام بغير مدّ وهو اضمار القول، أي قيل لهم إذ آمنوا بعد وقوع العذاب: الآن آمنتم به. فالناصب لقوله: الآن هو آمنتم وهو محذوف.﴿ وَقَدْ كُنتُم ﴾ جملة حالية لأن استعجالهم بالعذاب تكذيب لوقوعه.﴿ ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ﴾ أي يقول لهم خزنة جهنم هذا الكلام. والظلم: ظلم الكفر. ثم قيل: هذا من عطف الجمل وهو استئناف أخبار عما يقال لهم يوم القيامة.﴿ وَيَسْتَنْبِئُونَكَ ﴾ أي يستخبرونك، وأصلها ان تتعدى الى واحد بنفسها وإلى الآخر بحرف الجر تقول: استنبأت زيداً عن عمر وأي طلبت منه أن يخبرني عن عمرو، فاستفعل هنا للطلب والمفعول الأول كاف للخطاب والمفعول الثاني الجملة من قوله: أحق، هو على سبيل التعليق. وحق يجوز أن يكون خبراً مقدماً وهو مبتدأ ويجوز أن يكون مبتدأ وهو الخبر. قال ابن عطية: وقيل هي بمعنى يستعلمونك قال فهي على هذا تحتاج إلى مفاعيل ثلاثة أحدها الكاف والابتداء والخبر سدا مسد المفعولين. " انتهى ". ليس كما ذكر لأن استعلم لا يحفظ كونها متعدية إلى مفاعيل ثلاثة لا يحفظ استعلمت زيداً عمراً قائماً، فيكون جملة الاستفهام سدت مسد المفعولين، ولا يلزم من كونها بمعنى يستعلمونك أن تتعدى إلى ثلاثة لأن استعلم لا يتعدى إلى ثلاثة كما ذكرنا، والضمير في هو عائد على العذاب.﴿ قُلْ إِي وَرَبِّيۤ ﴾ أمره تعالى أن يقول لهم مجيباً إيْ وربي وإيْ هي من حروف الجواب بمعنى نعم، ولا تستعمل إلا مع القسم.﴿ إِنَّهُ لَحَقٌّ ﴾ قال الزمخشري: وسمعتم يقولون في التصديق، إي ويصلونه بواو القسم ولا ينطقون به وحده. " انتهى ". لا حجة فيما سمعه الزمخشري من ذلك لعدم الحجة في كلامه لفساد كلام العرب إذ ذاك وقبله بأزمان كثيرة.﴿ بِمُعْجِزِينَ ﴾ أي فائتين.﴿ وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ﴾ الآية، ذكرت بعض أحوال الظالمين في الآخرة، وظلمت صفة لنفس. والظلم هنا الشرك والكفر. وافتدي يأتي مطاوعاً لفدى فلا يتعدى، تقول: فديته فافتدي وبمعنى فدى فيتعدى. وهنا يحتمل الوجهين وما في الأرض، أي ما كان لها في الدنيا من الخزائن والأموال والمنافع وأسروا من الأضداد، فأتي بمعنى أظهروا وبمعنى أخفوا.﴿ أَلاۤ إِنَّ للَّهِ ﴾ الآية قيل: تعلق هذه الآية بما قبلها من جهة انه فرض ان النفس الظالمة لو كان لها ما في الأرض لا فتدت به وهي لا شىء لها البتة، لأن جميع الأشياء إنما هي بأسرها ملك الله تعالى.