﴿ قَالُواْ يٰهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ ﴾ أي بحجة واضحة تدل على صدقك وقد كذبوا في ذلك وبهتوه. وعن في عن قولك حال من الضمير في تاركي آلهتنا، كأنه قيل: صادرين عن قولك.﴿ إِن نَّقُولُ إِلاَّ ٱعْتَرَاكَ ﴾ نسبوا ما صدر منه من دعائهم إلى الله تعالى وإفراده بالألوهية إلى الخبل والجنون وإن ذلك مما اعتراه به بعض آلهتهم لكونه سبّها وحرض على تركها، ودعا إلى ترك عبادتها. واعتراك جملة محكية بنقول فهي في موضع المفعول، ودلت على بله حيث اعتقدوا في حجارة انها تضر وتنتصر وتنتقم.﴿ مَّا مِن دَآبَّةٍ ﴾ الآية، وصف قدرة الله وعظم ملكه من كون كل دابة في قبضته وملكه وتحت قهره وسلطانه فأنتم من جملة أولئك المقهورين. وقوله: ﴿ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ ﴾ تمثيل إذ كان القادر المالك يقود المقدور عليه بناصيته كما يقاد الأسير والفرس بناصيته حتى صار الأخذ بالناصية عرفاً في القدرة على الحيوان. وكانت العرب تجر ناصية الأسير الممنون عليه علامة أنه قد قدر عليه وقبض ناصيته. والظاهر أن الضمير في قوله: تولوا عائد على قوم هود. وخطابه لهم من تمام الجمل المقولة قبل، وتولوا صلة تتولوا حذفت التاء الثانية فصار تولوا. وجواب الشرط هو قوله: ﴿ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ﴾ ويصح أن يكون جواباً لأن في إبلاغه إليهم رسالته تضمن ما يحل بهم من العذاب المستأصل فكأنه قيل: فإِن تتولوا استؤصلتم بالعذاب. ويدل على ذلك الجملة الخبرية وهي قوله: ﴿ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ ﴾.
﴿ وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُوداً ﴾ الآية، قيل: كانوا أربعة آلاف. وقيل: ثلاثة آلاف. والظاهر تعلق ﴿ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا ﴾ بقوله: نجينا أي نجيناهم بمجرد رحمة من الله لحقتهم لا بأعمالهم الصّالحة. وقال الزمخشري: فإِن قلت: ما معنى تكرير التنجية؟ قلت: ذكر أولاً أنه حين أهلك عدوهم نجاهم، ثم قال: ونجيناهم من عذاب غليظ، على معنى وكانت التنجية من عذاب غليظ. قال: وذلك ان الله تعالى بعث عليهم السَّموم فكانت تدخل في أنوفهم وتخرج من أدبارهم وتقطعهم عضوا عضوا.﴿ وَتِلْكَ عَادٌ ﴾ إشارة إلى قبورهم وآثارهم كأنه قيل: سيحوا في الأرض فانظروا إليها واعتبروا. ثم استأنف الاخبار عنهم فقال: جحدوا بها، أي بآيات ربهم أي أنكروها. وأضاف الآيات إلى ربهم تنبيهاً على أنه مالكهم ومربيهم فأنكروا آياته، والواجب إقرارهم بها وأصل جحد أن يتعدى بنفسه لكنه أجري مجرى كفر فعدي بالباء كما عدي كفر بنفسه.﴿ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ ﴾ قيل: عصوا هوداً والرسل الذين كانوا من قبله وقيل: ينزل تكذيب الرسل الواحد منزلة تكذيب الرسل لأنهم كلهم مجمعون على الإِيمان بالله والإِقرار وبربوبيته لقوله:﴿ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ﴾[البقرة: ٢٨٥].
﴿ وَٱتَّبَعُوۤاْ ﴾ أي سقَّاطهم أمر رؤسائهم وكبرائهم. والمعنى أنهم أطاعوهم فيما أمروهم به.﴿ وَأُتْبِعُواْ ﴾ عام في المتبعين والمتبوعين. وانتصب بُعداً على أنه مصدر بمعنى الدعاء كأنه قيل: أبعدهم الله بعداً، ومعناه الدعاء بالهلاك وقوم هود بدل من عاد. وإنما خصهم بالذكر لأن ثم عادا أخرى وهم المشار إليهم بقوله تعالى:﴿ وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً ٱلأُولَىٰ ﴾[النجم: ٥٠] وهم عاد آدم.


الصفحة التالية
Icon