﴿ قَالُواْ يٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ ﴾ الآية، روي أن لوطاً عليه الصلاة والسلام غلبوه وهمّوا بكسر الباب وهو يمسكه قال له الرسل: تنح عن الباب فتنحى فانفتح الباب فضربهم جبريل عليه السلام بجناحه فطمس أعينهم فعموا وانصرفوا على أعقابهم يقولون النجاة النجاة فعند لوط قوم سحرة وتوعدوا لوطاً فحينئذٍ قالوا له: إنا رسل ربك، الآية. والجملة من قوله: ﴿ لَن يَصِلُوۤاْ إِلَيْكَ ﴾ موضحة للذي قبلها لأنهم إذا كانوا رسل الله لم يصلوا إليه ولم يقدروا على ضرره ثم أمروه بأن يسريَ بأهله. وقرىء: فأسر بالوصل وبالهمز.﴿ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلْلَّيْلِ ﴾ قال ابن عباس: بطائفة من الليل. وقرىء: ﴿ إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ ﴾ بالنصب وهو استثناء من فاسر بأهلك، وبالرفع بدل من قوله: أحد. قال الزخشري: وفي إخراجها مع أهله روايتان روي أنه أخرجها معهم وأمر أن لا يلتفت منهم أحد إلا هي فلما سمعت هدّة العذاب التفتت وقالت: واقوماه فأدركها حجر فقتلها، وروي انه أمر بأن يخلفها مع قومها وان هواها إليهم ولم يسر بها. واختلاف القراءتين لاختلاف الروايتين. " انتهى ". وهذا وهم فاحش إذ بني القراءتين على اختلاف الروايتين من أنه سري بها أو أنه لم يسر بها وهذا تكاذب في الاخبار يستحيل أن تكون القراءتان وهما من كلام الله تعالى يترتبان على التكاذب. والضمير: ﴿ إِنَّهُ ﴾، ضمير الشأن. و ﴿ مُصِيبُهَا ﴾ مبتدأ. و ﴿ مَآ أَصَابَهُمْ ﴾ الخبر.﴿ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ ٱلصُّبْحُ ﴾ أي موعد هلاكهم الصبح. وجعل ميقاتاً لهلاكهم لأن النفوس فيه أودع والراحة فيه أجمع. ويروى أن لوطاً عليه السلام خرج بابنتيه ليس معه غيرهما عند طلوع الفجر وطوى الله له الأرض في وقته حتى نجا ووصل إلى إبراهيم عليه السلام. والضمير في: ﴿ عَالِيَهَا ﴾ عائد على مدائن قوم لوط جعل جبريل عليه السلام جناحه في أسفلها ثم رفعها إلى السماء حتى سمع أهل السماء نباح الكلاب وصياح الدّيَكة ثم قلبها عليهم واتبعوا الحجارة من فوقهم وهي المؤتفكات سبع مدائن. وقيل: خمس، عدّها المفسرون وفي ضبطها اشكال.﴿ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا ﴾ أي على أهلها. وروي أن الحجارة أصابت منهم من كان خارج مدنهم حتى قتلهم أجمعين وان رجلاً كان في الحرم فبقي الحجر معلقاً في الهواء حتى خرج من الحرم فقتله الحجر.﴿ وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً ﴾ الآية، كان قوم شعيب عبدة أوثان فدعاهم إلى عبادة الله تعالى وحده وبالكفر استوجبوا العذاب ولم يعذب الله أمة عذاب استئصال إلا بالكفر وان انضافت إلى ذلك معصية كانت تابعة. قال ابن عباس: بخير أي في رخص الأسعار يوم محيط أي مهلك من قوله: وأحيط بثمره، وأصله من إحاطة العدو وهو العذاب الذي حل بهم في آخر. ووصف اليوم بالإِحاطة أبلغ من وصف العذاب به، لأن اليوم زمان يشتمل على الحوادث فإِذا أحاط بعذابه فقد اجتمع للمعذب ما اشتمل عليه منه كما إذا أحاط بنعيمه.﴿ قَالُواْ يٰشُعَيْبُ أَصَلَٰوتُكَ ﴾ الآية، لما أمرهم شعيب عليه السلام بعبادة الله تعالى وترك عبادة أوثانهم وبإِيفاء الكيل والميزان ردوا عليه على سبيل الاستهزاء والهزؤ بقولهم: أصلاتك وكان كثير الصلاة وكان إذا صلى تغامزوا وتضاحكوا.﴿ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءابَاؤُنَآ ﴾ مقابلة لقوله: اعبدوا الله ما لكم من إله غيره.﴿ أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِيۤ أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ ﴾ مقابل لقوله: ولا تنقصوا المكيال والميزان وكون الصلاة آمرة هو على وجه المجاز كما كانت ناهية في قوله:﴿ إِنَّ ٱلصَّلاَةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ ﴾[العنكبوت: ٤٥].
أو يقال: انها تأمر بالجميل والمعروف، أي تدعو إليه وتبعث عليهم. إلا أنهم ساقوا الكلام مساق الطنز وجعلوا الصلاة آمرة على سبيل التهكم بصلاته. والمعنى تأمرك بتكليفنا أن نترك فحذف المضاف لأن الإِنسان لا يؤمر بفعل غيره. والظاهر أنه أريد بالصلاة الصلاة المعهودة في تلك الشريعة.﴿ إِنَّكَ لأَنتَ ٱلْحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ ﴾ ظاهره أنه إخبار منهم على سبيل الاستهزاء والتهكم.


الصفحة التالية
Icon