﴿ وَكَذٰلِكَ يَجْتَبِيكَ ﴾ أي مثل ذلك الاجتباء وهو ما أراه من تلك الرؤية التي دلت على جليل قدره وشريف منصبه، ومآله إلى النبوة والرسالة والملك يجتبيك: يختارك ربك للنبوة والملك وما أحسن لفظة ربك هنا لأنه المالك لأمره الناظر في مصلحته. " ويعلمك " كلام مستأنف ليس داخلاً في النسبة كأنه قال: وهو يعلمك. و ﴿ تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ ﴾ عبارة عن مآل الرؤيا وعاقبة أمرها وهي اسم جمع للحديث وليس بجمع أحدوثة.﴿ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ ﴾ وإتمامها بأنه تعالى وصل لهم نعمة الدنيا بأن جعلهم أنبياء وملوكاً بنعمة الآخرة، بأن نقلهم إلى أعلى الدرجات في الجنة. وآل يعقوب هم وأولاده ونسلهم، إذ جعل النبوة فيهم، وإتمام النعمة على إبراهيم عليه السلام بالخلة والانجاء من النار وإهلاك عدوه نمروذ، وعلى إسحاق بإِخراج يعقوب، والاسباط من صلبه، وسمي الجد وآباء الجد أبوين لأنهما في عمود النسب كما قال:﴿ وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ ﴾[البقرة: ١٣٣] ولهذا يقولون ابن فلان، وإن كان بينهما عدة في عمود النسب.﴿ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ ﴾ بمن يستحق الاجتباء.﴿ حَكِيمٌ ﴾ يضع الأشياء في مواضعها. وهذان الوصفان مناسبان لهذا الوعد الذي وعده يعقوب ويوسف عليهما السلام في قوله: وكذلك يجتبيك ربك.﴿ لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ ﴾ الآية، آيات على نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم للذين سألوه من اليهود عنها فأخبرهم بالصحة من غير سماع أحد ولا قراءة كتاب، والذي يظهر أن الآيات الدلالات على صرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى ما أظهره الله في قصة يوسف من البغي عليه، وصدق رؤياه، وصحة تأويله، وضبط نفسه وقهرها، حتى قام بحق الإِمامة وحدوث السرور بعد اليأس. والضمير في قوله عائد على أخوه يوسف " وأخوه " بنيامين ولما كانا شقيقين أضافوه ليوسف واللام في ليوسف لام الابتداء وفيها تأكيد وتحقيق لمضمون الجملة أي كثرة حبه لهما ثابت لا شبهة فيه وأحب أفعل تفضيل، وهو مبني من المفعول شذوذاً ولذلك عُدّي بإِلى لأنه إذا كان ما تعلق به فاعلاً من حيث المعنى عدي إليه بإِلى وإذا كان مفعولاً عدي إليه بفي تقول: زيد أحب إلى عمرو من خالد، فالضمير في أحب مفعول من حيث المعنى وعمرو هو المحب، وإذا قلت: زيد أحب في عمرو من خالد كان الضمير فاعلاً وعمرو هو المحبوب ومن خالد في المثال الأول محبوب، وفي الثاني فاعل، ولم يُثنّ أحب لتعديه بمن وكان بنيامين أصغر من يوسف فكان يعقوب يحبهما بسبب صغرهما وموت أمهما، وحب الصغير والشفقة عليه مركوز في فطرة البشر، وقد نظم الشعراء في محبة الولد الصغير قديماً وحديثاً، ومن ذلك ما قاله الوزير أبو مروان عبد الملك بن إدريس الجزيري في قصيدة بعث بها إلى أولاده وهو في السجن فيها: وصغيركم عبد العزيز فإِنني   أطوي لفرقته جوى لم يصغرذاك المقدم في الفؤاد وإن غدا   كفؤا لكم في المنتمى والعنصران البنان الخمس أكفاءٌ معاً   والحلى دون جميعها للخنصروإذا الفتى فقد الشباب سما له   حب البنين ولا كحب الأصغر﴿ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ ﴾ جملة حالية، أي يفضلهما علينا في المحبة وهما لا كفاية فيهما، ونحن جماعة نقوم بمرافقه فنحن أحق بزيادة المحبة منهما. وعن ابن عباس: العصبة ما زاد على العشرة. وعنه أيضاً: ما بين العشرة إلى الأربعين. والضلال هنا: هو الهوى، قاله ابن عباس. والظاهر أن: ﴿ ٱقْتُلُواْ يُوسُفَ ﴾ من جملة قولهم. والظاهر أن: ﴿ أَوِ ٱطْرَحُوهُ أَرْضاً ﴾ هو من قولهم أن يفعلوا به أحد الأمرين. وانتصب: ﴿ أَرْضاً ﴾ على إسقاط حرف الجر، أي في أرض بعيدة من الأرض التي هو فيها قريب من أرض يعقوب. قال الزمخشري: أرضاً منكورة مجهولة بعيدة من العمران وهو معنى تنكيرها وإخلائها من الناس ولإِبهامها من هذا الوجه نصبت نصب الظروف المبهمة. قال ابن عطية: وذلك خطأ، يعني كونها منصوبة على الظرف قال: لأن الظرف ينبغي أن يكون مبهماً وهذه ليست كذلك بل هي أرض مقيدة بأنها بعيدة أو قاصية ونحو ذلك فزال بذلك إبهاماً. ومعلوم أن يوسف لم يخل من الكون في أرض فتبيين أنهم أرادوا أرضاً بعيدة غير التي هو فيها قريب من أبيه. " انتهى ". هذا الرد صحيح لو قلت: جلست داراً بعيدة، أو قعدت مكاناً بعيداً، لم يصح إلا بواسطة في، ولا يجوز حذفها إلا في ضرورة شعر، أو مع دخلت على الخلاف في دخلت أهي لازمة أم متعدية. والضمير في بعده عائد على يوسف أو قتله أو طرحه وصلاحهم هو بالتوبة والتنصل من هذا الفعل، والقائل لا تقتلوا يوسف هو يهوذا وكان أحلمهم وأحسنهم فيه رأياً، وهو الذي قال: فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي. وقال لهم: القتل عظيم، وهذا عطف منهم على أخيهم لما أراد الله من إنفاذ قضائه وإبقائه على نفسه وسبب لنجاتهم من الوقوع في هذه الكبيرة وهو إتلاف النفس بالقتل. قال الهروي: الغيابة في الجب شبه لحف أو طاق في البئر فويق الماء يغيب ما فيه عن العيون. والسيارة جمع سيار وهو الكثير السير في الأرض. ومفعول فاعلين محذوف أي فاعلين ما يحصل به غرضكم من التفريق بينه وبين أبيه.


الصفحة التالية
Icon