﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا ﴾ الذي نقوله ان يوسف عليه الصلاة والسلام لم يقع منه هم بها البتة بل هو منفي لوجود رؤية البرهان، كما تقول: قارنت لولا أن عصمك الله. قال ابن عطية: قول من قال ان الكلام قد تم في قوله: ولقد همت به وان جواب لولا في قوله: وهمّ بها، وان المعنى لولا ان رأى البرهان لهمّ بها فلم يهُمَّ يوسف عليه السلام يرده لسان العرب وأقوال السلف. " انتهى ". أما قوله: يرده لسان العرب فليس كما ذكر وقد استدل من ذهب إلى جواز ذلك بوجوده في لسان العرب. قال تعالى:﴿ إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلاۤ أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾[القصص: ١٠] فقوله: ان كادت لتبدي به اما أن يتخرج على أنه الجواب على ما ذهب إليه القائل، واما أن يتخرج على ما ذهبنا إليه من أنه دليل الجواب، والتقدير لولا أن ربطنا على قلبها لكادت تبدي به. وأما أقوال السلف فنعتقد أنه لا يصح عن أحد منهم شيء من ذلك، لأنها أقوال متكاذبة يناقض بعضها بعضاً مع كونها قادحة في بعض المسلمين فضلاً عن المقطوع لهم بالعصمة. والذي رووا عن السلف لا يساعد عليهم كلام العرب، لأنهم قدروا جواب لولا محذوفاً. ولا يدل عليه دليل لأنهم لم يقدروا والهمّ بها ولا يدل كلام العرب إلا أن يكون المحذوف من معنى ما قبل الشرط لأن ما قبل الشرط دليل عليه، ولا يحذف الشىء لغير دليل والبرهان الذي رآه هو ما آتاه الله من العلم الدال على تحريم ما حرمه الله تعالى، ولا يمكن الهم به فضلاً عن الوقوع به.﴿ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ ﴾ التقدير مثل تلك الرؤية، أو مثل ذلك الرأي براهيننا لنصرف عنه فتجعل الإِشارة إلى الرؤية أو الرأي والناصب للكاف مما دل عليه قوله: لولا أن رأى برهان ربه، ولنصرف متعلق بذلك الفعل الناصب للكاف.﴿ وَٱسْتَبَقَا ٱلْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ ﴾ الآية، أي واستبق يوسف وامرأة العزيز إلى الباب هذا للخروج والهروب منها وهذه لمنعه ومراودته. وأصل استبق أن يتعدى بإِلى فحذف اتساعاً. " وقدت قميصه "، أي قطعته، والقد: القطع والشق وأكثر استعماله فيما كان طولاً.﴿ مِن دُبُرٍ ﴾ أي من وراء. ﴿ وَأَلْفَيَا ﴾ أي وجدا وصادفا زوجها والمرأة تقول لبعلها سيدي، ولم يضف إليهما، لأن زوجها ليس سيداً ليوسف على الحقيقة.﴿ مَا جَزَآءُ ﴾ ما: نافية. وبدأت بالسجن إبقاء على محبوبها ثم ترقت إلى العذاب الأليم، قيل: وهو الضرب بالسوط، وقولها ما جزاء، أي أن الذنب ثابت متقرر في حقه وأتت بلفظة سوء، أي مما يسوؤها وليس نصاً في معصية كبرى، إذ يحتمل خطابه لها بما يسوؤها أو ضربه إياها. وقولها إلا أن يسجن أو عذاب أليم يدل على عظم موقع السجن من ذوي الأقدار حيث قرنته بالعذاب الأليم ولما أغرت بيوسف عليه السلام وأظهرت تهمته احتاج إلى إزالة التهمة عن نفسه. فقال: ﴿ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي ﴾ ولم يستو أولاً إلى القول ستراً عليها فلما خاف على نفسه وعلى عرضه الطاهر قال: هي راودتني، وأتى بضمير الغيبة إذ كان غلب عليه الحياء أن يشير إليها ويعنيها بالإِشارة فيقول: هذه راودتني أو تلك روادتني لأن في المواجهة بالقبيح ما ليس في الغيبة، ولما تعارض قولاهما عند العزيز وكان رجلاً فيه إناءة ونصفة طلب الشاهد من كلٍ منهما فشهد شاهد من أهلها فقيل: كان ابن خالتها طفلاً في المهد أنطقه الله ليكون أدل على الحجة، وجواب الشرط فصدقت وفكذبت وهو على إضمار قد، أي فقد صدقت وفقد كذبت.﴿ فَلَمَّا رَأَى ﴾ أي زوجها.﴿ قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ ﴾ أي ان قولك ما جزاء إلى آخره أو ان هذا الأمر وهو طمعها في يوسف. والخطاب في: ﴿ كَيْدِكُنَّ ﴾ لها ولجواريها أو لها وللنساء، ووصف كيد النساء بالعظم وان كان قد يوجد في الرجال لأنهن ألطف كيداً مما جُبلن عليه وبما تفرغن له واكتسب بعضهن من بعض وهنا أنفذ حيلة. وقال تعالى:﴿ وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ ﴾[الفلق: ٤].
وأما اللواتي في القصور فمعهن من ذلك ما لا يوجد لغيرهن لكونهن أكثر تفرغاً في غيرهن وأكثر تأنساً بأمثالهن.﴿ يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا ﴾ أي هذا الأمر واكتمه ولا تتحدث به. وفي ندائه باسمه تقريب له وتلطيف، ثم أقبل عليها فقال:﴿ وَٱسْتَغْفِرِي ﴾ ثم ذكر سبب الاستغفار، وهو قوله:﴿ لِذَنبِكِ ﴾، ثم أكد ذلك بقوله:﴿ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلْخَاطِئِينَ ﴾ ولم يقل من الخاطئات لأن الخاطئين أعم لأنه ينطلق على الذكور والإِناث بالتغليب خطىء إذ أذنب متعمداً. وقال الزمخشري: وما كان العزيز إلا حليماً، وروي أنه كان قليل الغيرة. " انتهى ". وتربة إقليم مصر اقتضت هذا وأين هذا مما جرى لبعض ملوكنا أنه كان مع ندمائه المختصين به في مجلس انس وجارية تغنيهم من وراء ستر فاستعاد بعض خلصائه بيتين من الجارية كانت قد غنت بهما فما لبث أن جاء برأس الجارية مقطوعاً في طشت وقال له الملك استعد البيتين من هذا الرأس فسقط في يد ذلك المستعيد ومرض مدة حياة ذلك الملك.