﴿ فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَآءِ أَخِيهِْ ﴾ قيل: قال لهم من وكل بهم لا بد من وكل بهم لا بد من تفتيش أوعيتكم فانطلق بهم إلى يوسف عليه السلام فبدأ بتفتيش أوعيتهم قبل وعاء بنيامين لنفي التهمة وتمكين الحيلة واتقاء ظهورها حتى بلغ وعاءه فقال: ما أظن هذا أخذ شيئاً فقالوا: والله لا تتركه حتى تنظر في رحله فإِنه أطيب لنفسك وأنفسنا فاستخرجها منه.﴿ كَذٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ ﴾ يعني علمناه إياه وأوحينا به إليه وقولهم.﴿ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ ﴾ لا يدل على الجزم بأنه سرق بل أخرجوا ذلك مخرج الشرط أي إن كان وقع منه سرقة فهو تأسى بمن سرق قبله فقد سرق أخ له من قبل والتعليق على الشرط على أن السرقة في حق بنيامين وأخيه ليست مجزوماً بها كأنهم قالوا: إن كان هذا النهي رمى به بنيامين حقاً فالذي رمى به يوسف من قبل حق لكنه قوي الظن عندهم في حق يوسف بما ظهر لهم أنه جرى من بنيامين ولذلك قالوا ان ابنك سرق وقيل حققوا السرقة في جانب بنيامين وأخيه بحسب ظاهر الأمر فكأنهم قالوا: إن كان قد سرق فغير بدع من ابني راحيل لأن أخاه يوسف قد كان قد سرق فعلى هذا القول يكون قولهم: انحاء على يوسف وبنيامين وقولهم: هذا هو بحسب الظاهر والأخبار بأمر جرى لتزول المعرة عنهم وتختص بالشقيقين وتنكير أخ في قولهم: فقد سرق أخ له من قبل لأن الحاضرين لا علم لهم به وقالوا له: لأنه كان شقيقه والجمهور على أن السرقة التي نسبت إلى يوسف صلى الله عليه وسلم هي أن عمته ربته وشب عندها وأراد يعقوب أخذه فأشفقت من فراقه فأخذت منطقة إسحاق وكانت متوارثة عندهم فنطقته بها من تحت ثيابه ثم صاحت وقالت: فقدت المنطقة ففتشت فوجدت عند يوسف فاسترقته حسبما كان عندهم في شرعهم وبقي عندها حتى ماتت فصار عند أبيه والضمير في فأسرها يفسره سياق الكلام أي الحزازة التي حدثت في نفسه من قولهم: والظاهر من قوله:﴿ أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً ﴾ خطابهم بهذا القول في الوجه فكأنه أسر كراهية مقالتهم ثم وبخهم بقوله: أنتم شر مكانا، وفيه إشارة إلى تكذيبهم ومعنى:﴿ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ ﴾ يعني هو أعلم بما تصفون منكم لأنه عالم بحقائق الأمور وكيف كانت سرقة أخيه التي أحلتم سرقته عليه.﴿ قَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ ﴾ الآية استعطفوا يوسف إذ كان قد أخذ عليهم الميثاق ومعنى كبيراً في السن أو القدر وكانوا قد اعلموا يوسف بأنه كان له ابن هلك وهذا شقيقه ليستأنس به وخاطبوه بالعزيز إذ كان في تلك الخطة بعزل قطفير وموته على ما سبق ومعنى مكانه أي بدله على جهة الاسترهان والاستبعاد وقوله: من المحسنين بما شاهدوه من إحسانه لهم ولغيرهم، أو من المحسنين إلينا في هذه اليد ان أسديتها إلينا. و ﴿ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ ﴾ تقدم الكلام عليه في معاذ الله إنه ربي.﴿ فَلَمَّا ٱسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيّاً ﴾ استفعل هنا بمعنى المجرد يئس واستيأس بمعنى واحد نحو سخر واستسخر وعجب واستعجب ومعنى خلصوا نجياً انفردوا من غيرهم يناجي بعضهم بعضاً والنجي فعيل بمعنى فاعل كالخليط والعشير وبمعنى المصدر الذي هو التناجي كما قيل النجوى بمعنى التناجي وهو لفظ يوصف به من له نجوى واحداً كان أو جماعة مؤنثاً أو مذكراً.﴿ قَالَ كَبِيرُهُمْ ﴾ في السن وهو روبيل ذكرهم الميثاق في قول يعقوب: لتأتنني به إلا أن يحاط بكم وما زائدة أي ومن قبل هذا فرطتم في يوسف ومن قبل متعلق بفرطتم وقد جوزوا في إعرابه وجوهاً أحدها أن تكون ما مصدرية أي ومن قبل تفريطكم قال الزمخشري: على أن محل المصدر الرفع على الابتداء وخبره الظرف وهو من قبل ومعناه ووقع من قبل تفريطكم في يوسف، وقال ابن عطية: ولا يجوز أن يكون قوله: من قبل متعلقاً بما فرطتم وإنما يكون ما على هذا مصدرية التقدير من قبل تفريطكم في يوسف واقع ومستقر وبهذا المقدر يتعلق قوله: من قبل، " انتهى ". وهذا قول الزمخشري راجع إلى معنى واحد وهو أن ما فرطتم يقدر بمصدر مرفوع بالابتداء ومن قبل في موضع الخبر وذهلاً عن قاعدة عربية وحق لهما أن يذهلا وهو أن هذه الظروف التي هي غايات إذ أبنيت لا تقع أخباراً للمبتدأ جرت أو لم تجر. تقول يوم السبت مبارك والسفر بعده لا يجوز والسفر بعد وعمرو جاء وزيد خلفه ولا يجوز أن يقال وزيد خلف على ما ذكراه يكون تفريطكم مبتدأ ومن قبل خبر وهو مبني وذلك لا يجوز وهو مقرر في علم العربية ولهذا ذهب أبو علي إلى أن المصدر مرفوع بالابتداء وفي يوسف هو الخبر أي كائن أو مستقر في يوسف والظاهر أن في يوسف معمول لقوله: فرطتم لا انه في موضع خبر وأجاز الزمخشري وابن عطية أن تكون ما مصدرية والمصدر المسبوك في موضع نصب والتقدير الم تعلموا أخذ أبيكم عليكم موثقاً ومن قبل تفريطكم في يوسف وقدره الزمخشري وتفريطكم من قبل في يوسف وهذا الذي ذهبا إليه ليس بجيد لأن فيه الفصل بالجار والمجرور بين حرف العطف الذي هو على حرف واحد وبين المعطوف فصار نظير ضربت زيداً وبسيف عمراً وقد زعم أبو علي الفارسي أنه لا يجوز ذلك إلا في ضرورة الشعر واما تقدير الزمخشري وتفريطكم من قبل في يوسف فلا يجوز لأن فيه تقديم معمول المصدر المنحل الحرف مصدري والفعل عليه وهو لا يجوز وأجاز ذلك أيضاً أن تكون موصولة بمعنى الذي قال الزمخشري: ومحله الرفع أو النصب على الوجهين " انتهى ". يعني بالرفع أن يرتفع على الابتداء ومن قبل الخبر وقد ذكرنا أن ذلك لا يجوز ومعنى النصب أن يكون عطفاً على المصدر المنسبك من قوله: ان أباكم قد أخذ عليكم وفيه الفصل بين حرف العطف الذي هو الواو وبين المعطوف فأحسن هذه الوجه ما بدأنا به من كون ما زائدة وبرح التامة تكون بمعنى ذهب وبمعنى ظهر ومنه برح الخفاء أي ظهر وذهب لا ينتصب الظرف المكاني المختص بها إنما يصل إليه بوساطة في فاحتيج إلى اعتقاد تضمين برح معنى فارق وعني بالأرض أرض مصر التي فيها الواقعة ثم غيا ذلك بغايتين إحداهما خاصة وهي قوله: حتى يأذن لي أبي في الإِنصراف إليه والثانية عامة وهي قوله: أو يحكم الله لي لأن أذن أبيه له وهو من حكم الله تعالى في مفارقة أرض مصر وكأنه لما علق الأمر بالغاية الخاصة رجع إلى نفسه فأتى بغاية عامة تفويضاً لحكم الله ورجوعاً إلى من له الحكم حقيقة وقعوده التضييق على نفسه كأنه سجنها في القطر الذي أداه إلى سخط أبيه وفي الكلام حذف تقديره فرجعوا إلى أبيهم وأخبروه بالقصة وقول من قال: ارجعوا ثم استشهدوا بأهل القرية التي كانوا فيها وهي مصر قاله ابن عباس: وبل للإِضراب فيقتضي كلاماً محذوفاً قبلها حتى يصح الاضراب فيها وتقديره ليس الأمر حقيقة كما أخبر ثم بل سولت وتقدم شرح سولت وإعراب فصبر جميل ثم ترجى من الله تعالى أن يأتيه بهم وهم يوسف وبنيامين وكبيرهم على الخلاف الذي فيه وترجى يعقوب للرؤيا التي رآها يوسف وكان ينتظرها ولحسن ظنه بالله في كل حال ولما أخبر به عن ملك مصر أنه يدعو له برؤية ابنه ووصفه الله تعالى بهاتين الصفتين لائق بما يؤخره تعالى من لقاء بنيه وتسليم لحكم الله فيما جرى عليه والضمير في بهم عائد على يوسف وأخيه وعلى كبيرهم الذي امتنع أن يسير معهم إلى أبيهم وباقي الأخوة كانوا عند يعقوب صلى الله عليه وسلم.﴿ وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَٰأَسَفَىٰ عَلَى يُوسُفَ ﴾ الآية، وتولى عنهم أي أعرض عنهم كراهة لما جاؤا به وأنه ساء ظنه بهم ولم يصدق قولهم: وجعل يتفجع ويتأسف ونادى يعقوب الأسف على سبيل المجاز على معنى هذا زمانك فاحضر والظاهر أنه مضاف إلى ياء المتكلم قلبت الياء ألفاً كما قالوا في يا غلامي يا غلاماً وذكر يعقوب ما دهاه من أمر بنيامين والقائل فلن أبرح الأرض فقد ابنه يوسف فتأسف عليه وحده ولم يتأسف عليهما لأنه هو الذي لا يعلم أحي هو أم ميت بخلاف أخويه ولأنه كان أصل الرزايا عنده أو ترتبت عليه وكان أحب أولاده إليه وكان دائماً يذكره ولا ينساه وابيضاض عينيه من توالي العبرة عليهما فينقلب سواد العين إلى بياض كدر والظاهر أنه كان عمي لقوله تعالى:﴿ فَٱرْتَدَّ بَصِيراً ﴾[يوسف: ٩٦].
وقال:﴿ وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ ﴾[فاطر: ١٩] فقابل البصير بالأعمى وعلل الابيضاض بالحزن وإنما هو من البكاء وهو ثمرة الحزن فعلل بالأصل الذي نشأ منه البكاء وهو الحزن والكظيم اما للمبالغة وهو الظاهر اللائق بحال يعقوب أي شديد الكظم كما قال:﴿ وَٱلْكَاظِمِينَ ٱلْغَيْظَ ﴾[آل عمران: ١٣٤]، ولم يشك يعقوب إلى أحد وإنما كان يكتمه في نفسه ويمسك همه في صدره فكان يكظمه أي يرده إلى قلبه ولا يرسله بالشكوى والغضب والضجر واما أن يكون فعيلاً بمعنى مفعول وهو لا ينقاس وقاله قوم كما قال تعالى:﴿ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ ﴾[القلم: ٤٨] وجواب القسم تفتؤ حذفت منه لا وحذفها جائز والمعنى لا تزال واسمها ضمير الخطاب وتذكر خبر تفتؤ وحتى للغاية بمعنى إلى أن فكأنهم قالوا له ذلك على جهة تفنيد الرأي أي لا تزال تذكر يوسف إلى حال القرب من الهلاك أو إلى أن تهلك فقال هو:﴿ إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى ٱللَّهِ ﴾ أي لا أشكو إلى أحد منكم ولا غيركم. قال أبو عبيدة وغيره: البث أشد الحزن سمي بذلك لأنه من صعوبته لا يطيق حمله فيبثه أي ينشره.﴿ وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ أي أعلم من صفة الله ورحمته وحسن ظني به أنه يأتي بالفرج من حيث لا أحتسب.﴿ ٱذْهَبُواْ ﴾ أمر بالذهاب إلى أرض مصر التي جاؤا منها وتركوا بها اخويهم بنيامين والمقيم بها وأمرهم بالتحسس وهو الاستقصاء والطلب بالحواس ويستعمل في الخير والشر وقرىء: بالجيم والمعنى فتجسسوا شيئاً من أمر يوسف وأخيه وإنما خصهما لأن الذي أقام وقال: فلن أبرح الأرض إنما أقام مختاراً وروح الله رحمته وفرجه وتنفيسه.﴿ فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ ﴾ الآية في الكلام حذف تقديره فذهبوا من الشام إلى مصر فلما دخلوا عليه والضمير في عليه عائد على يوسف وكان آكد ما حدثوه فيه شكوى ما أصابهم من الجهد قبل ما وصاهم به من تحسيس نبأ يوسف وأخيه والضر الهزال من الشدة والجوع والبضاعة كانت زيوفاً قاله ابن عباس. ثم التمسوا منه إيفاء الكيل وقد استدل بهذا على أن الكيل على البائع ولا دليل فيه.﴿ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ ﴾ أي بالمسامحة والإِغماض عن رداءة البضاعة أو زدنا على حقنا فسموا ما هو فضل وزيادة لا تلزمه صدقة.﴿ قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم ﴾ الآية، نسبهم اما إلى جهل المعصية واما إلى جهل الشباب وقلة الحنكة وقيل أتاهم من جهة الدين وكان عليه السلام حليماً موفقاً فكلمهم مستفهماً عن معرفة وجه القبح الذي يجب أن يراعيه التائب فقال: هل علمتم أي قبح ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون لا تعلمون قبحه فلذلك أقدمتم عليه يعني هل علمتم قبحه فتبتم إلى الله منه لأن علم القبيح يدعو إلى الاستقباح والاستقباح يجر التوبة فكان كلامه شفقة عليهم ونصحاً لهم في الدين وإيثار حق نفسه في ذلك المقام الذي يتنفس فيه المكروب وينفث المصدور ويشتفي المغيظ المحنق ويدرك ثأره الموتور.﴿ قَالُوۤاْ أَءِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ ﴾ الآية، لما خاطبهم بقوله: هل علمتم، أدركوا أنه لا يستفهم ملك لم ينشأ عندهم ولا تتبع أحوالهم وليس منهم فيما يظهر إلا وعنده علم منهم بحالهم فيقال انه كان يكلمهم من وراء حجاب فرفعه ووضع التاج وتبسم وكان يضيء ما حوله من نور تبسمه ورأوا لمعة بياض كالشامة في فرقة حين وضع التاج وكان مثلها لأبيه وجده وسارة فتوسموا أنه يوسف واستفهموه استفهام استخبار وقيل: استفهام تقرير لأنهم كانوا عرفوه بتلك العلامات التي سبق ذكرها ولما استفهموه أجابهم فقال: أنا يوسف كاشفاً لهم أمره وزادهم في الجواب قوله: وهذا أخي لأنه سبق قوله: هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه وكان في ذكر أخيه بيان لما سألوا عنه وإن كان معلوماً عندهم وتوطئة لما ذكر بعد من قوله:﴿ قَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَآ ﴾ أي بالاجتماع بعد الفرقة والأنس بعد الوحشة ثم ذكر أن سبب من الله تعالى هو بالتقوى والصبر والأحسن أن لا يخص التقوى بحالة وإلا الصبر وقرأ قنبل ويتقي فقيل هو مجزوم بحذف الياء التي هي لام الكلمة وقيل جزمه بحذف الحركة على لغة من يقول لم يرمِ زيد وقد حكوا ذلك لغة وقيل هو مرفوع ومن موصولة بمعنى الذي وعطف عليه مجزوم وهو يصبر وذلك على التوهم كأنه توهم أن من شرطية ويتقي مجزوم والمحسنين عام يندرج فيه من تقدم أو وضع موضع الضمير لاشتماله على المتقين والصابرين فكأنه قيل لا يضيع أجرك وآثرك الله فضلك بالملك أو بالصبر والعلم قالهما ابن عباس.﴿ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ ﴾ الآية، التثريب التأنيب والعتب وعبر بعضهم عنه بالتعبير ومنه إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها ولا يثرب عليها أي لا يعيرها وأصله من الثرب وهو الشحم الذي هو غاشية الكرش ومعناه إزالة الثرب كما أن التجليد والتقريع إزالة لجلد فضرب مثلاً للتقريع الذي يمزق العرض ويذهب بهاء الوجه وتثريب اسم لا وعليكم الخبر واليوم منصوب بالعامل في الخبر أي لا تثريب مستقر عليكم اليوم قال الزمخشري: فإِن قلت بم تعلق اليوم قلت بالتثريب أو المقدر عليكم من معنى الاستقرار أو بيغفر والمعنى لا أثربكم اليوم وهو اليوم الذي هو مظنة التثريب فما ظنكم بغيره من الأيام ثم ابتدأ فقال:﴿ يَغْفِرُ ٱللَّهُ لَكُمْ ﴾ فدعا لهم بمغفرة ما فرط منهم يقال: غفر الله لك ويغفر الله لك على لفظ الماضي والمضارع جميعاً ومنه قول المشمت: يغفر الله لكم ويصلح بالكم أو اليوم يغفر الله لكم بشارة بعاجل الغفران لما تجدد يومئذٍ من توبتهم وندمهم على خطيئتهم " انتهى ". أما قوله: ان اليوم متعلق بالتثريب فهذا لا يجوز لأن التثريب مصدر وقد فصل بينه وبين معموله بقوله: عليكم وعليكم اما أن يكون خبراً أو صفة لتثريب ولا يجوز الفصل بينهما لأن معمول المصدر من تمامه وأيضاً لو كان اليوم متعلقاً بتثريب لم يجز بناؤه وكان يكون من قبيل المشبه بالمضاف وهو الذي يسمى الممطول ويسمى المطول وكان يكون معرباً منوناً واما تقديره الثاني فتقدير حسن ولذلك وقف على قوله اليوم أكثر القراء وابتدؤا بيغفر الله لكم على جهة الدعاء وهو تأويل ابن إسحاق والطبري. واما تقديره الثالث وهو أن يكون اليوم متعلقاً بيغفر فقول وقد وقف بعض القراء على عليكم وابتدأ اليوم يغفر الله لكم ولما دعا لهم بالمغفرة أخبر عن الله تعالى بالصفة التي هي سبب الغفران وهو أنه تعالى أرحم الراحمين فهو يرجو منه قبول دعائه لهم بالمغفرة والباء في بقميص الظاهر أنها للحال أي مصحوبين أو ملتبسين به والظاهر أنه قميص من ملبوس يوسف عليه السلام بمنزلة قميص كل أحد، قال ابن عطية: وهكذا نبين الغرابة في أن وجد يعقوب ريحه من بعد ولو كان من قمص الجنة كما قيل ما كان في ذلك غرابة ولوجده كل أحد وقوله: فألقوه على وجه أبي يأت بصيراً، يدل على أنه علم أنه عمي من الحزن اما باعلامهم واما بوحي من الله تعالى، وقوله: يأت بصيراً يظهر أنه بوحي من الله تعالى وأهلوه الذين أمر أن يؤتى بهم سبعون وقيل غير ذلك وفي واحد من هذا العدد حلوا بمصر ونموا حتى خرج من ذريتهم مع موسى ستمائة ألف مع قرب المدة عجب عظيم ومعنى يأت يأتيني وانتصب بصيراً على الحال ثم أمرهم بأمرين أحدهما الذهاب بقميصه إذ كان أسر إليه ارتداد بصر أبيه بإِلقاء قميصه على وجهه. والأمر الثاني إتيانهم بأهلهم جميعاً لتكمل مسرته بذلك.﴿ وَلَمَّا فَصَلَتِ ٱلْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ﴾ الآية، يقال فصل من البلد يفصل فصولاً انفصل منه وجاوز حيطانه وهو لازم وفصل الشىء فصلاً فرق وهو متعد ومعنى فصلت العير انفصلت من عريش مصر قاصدة مكان يعقوب عليه السلام وكان قريباً. من بيت المقدس وهو الصحيح لأن آثارهم وقبورهم هناك إلى الآن وقرأ ابن عباس ولما انفصلت قال ابن عباس: وجد ريحه من مسيرة ثمانية أيام هاجت ريح فحملت عرقه وقيل غير ذلك ومعنى لأجد لأشم فهو وجود حاسة الشم وقال الشاعر: واني لأستشفي بكل غمامة يهب بها من نحو أرضك ريحومعنى: ﴿ تُفَنِّدُونِ ﴾ قال ابن عباس تسفهون وتجهلون وقال منذر بن سعيد البلوطي: يقال شيخ مفند أي: قد فسد رأيه ولا يقال عجوز مفندة لأن المرأة لم يكن لها قط رأي أصيل فيدخله التفنيد ولولا هنا حرف امتناع لوجود وأن تفندون في موضع المبتدأ تقديره لولا تفنيدكم وجوبها محذوف قال الزمخشري: المعنى لولا تفنيدكم إياي لصدقتموني " انتهى ". وقد يقال تقديره لولا أن تفندون لأخبرتكم بكونه حياً لم يمت لأن وجدان ريحه دال على حياته والمخاطب بقوله: تفندون الظاهر أنه من تناسق الضمائر أنه عائد على من كان بقي عنده من أولاده غيره الذين راحوا يمتارون إذ كان أولاده جماعة وقيل المخاطب ولد ولده ومن كان بحضرته من قرابته والضلال هنا لا يراد به ضد الهدى والرشاد قال ابن عباس: المعنى إنك لفي خطاك وكان حزن يعقوب قد تجدد بقصة بنيامين.