﴿ أَفَأَمِنُوۤاْ ﴾ استفهام إنكار في معنى التوبيخ والتهديد.﴿ غَاشِيَةٌ ﴾ نقمة تغشاهم أي تغطيهم كقوله تعالى:﴿ يَوْمَ يَغْشَاهُمُ ٱلْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ﴾[العنكبوت: ٥٥] وقال الضحاك يعني الصواعق والقوارع " انتهى " وإتيان الغاشية يعني من الدنيا وذلك لمقابلته بقوله:﴿ أَوْ تَأْتِيَهُمُ ٱلسَّاعَةُ ﴾ أي يوم القيامة.﴿ بَغْتَةً ﴾ فجأة في الزمان ومن حيث لا يتوقع.﴿ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ تأكيد لقوله بغتة، قال الكرماني: لا يشعرون بإِتيانها، أي وهم غير مستعدين لها قال ابن عباس: تأخذهم الصيحة وهم على أسواقهم ومواصفهم.﴿ قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ أَدْعُو ﴾ الآية لما تقدم من قول يوسف صلى الله عليه وسلم توفني مسلماً وكان قوله وما أكثر الناس لو حرصت بمؤمنين دالاً على أنه حارص على إيمانهم مجتهد في ذلك داع إليه مثابر عليه وذكر وما تسألهم عليه من أجر إشارة إلى ما فهم من ذلك وهو شريعة الإِسلام والإِيمان وتوحيد الله تعالى فقال: قل يا محمد هذه الطريقة والدعوة طريقتي التي سلكتها وأنا عليها ثم فسر تلك السبيل، فقال: ادعوا إلى الله تعالى يعني لا إلى غيره من ملك أو إنسان أو كوكب أو صنم إنما دعاتي إلى الله وحده قال الجمهور: سبيلي ديني ومفعول أدعوا هو محذوف تقديره أدعو الناس والظاهر تعلق على بصيرة بأدعوا وأنا توكيد للضمير المستكن في أدعو ومن معطوف على ذلك الضمير والمعنى أدعو أنا إليها أو يدعو إليها من اتبعني ويجوز أن يكون على بصيرة خبرا مقدماً وأنا مبتدأ ومن معطوف عليه ويجوز أن يكون على بصيرة حالاً من ضمير أدعو فيتعلق بمحذوف ويكون انا فاعلاً بالجار والمجرور النائب على ذلك المحذوف.﴿ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي ﴾ معطوف على أنا وأجاز أبو البقاء أن يكون ومن اتبعني مبتدأ خبره محذوف تقديره كذلك أي داع إلى الله على بصيرة ومعنى بصيرة حجة واضحة وبرهان متيقن من قوله:﴿ قَدْ جَآءَكُمْ بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ ﴾[الأنعام: ١٠٤].
﴿ وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ ﴾ داخل تحت قوله: قل أي قل وتنزيه الله من الشركاء أي براءة الله من أن يكون له شريك ولما أمر بأن يخبر عن نفسه صلى الله عليه وسلم أنه يدعو وهو ومن اتبعه إلى الله وأمر أن يخبر أنه تنزه الله تعالى عن الشركاء أمر أيضاً أن يخبر أنه في خاصة نفسه منتف عن الشرك وأنه ليس ممن أشرك وهو نفي عام في الأزمان لم يكن منه ولا في وقت من الأوقات.﴿ إِلاَّ رِجَالاً ﴾ حصر في المرسل دعاة إلى الله فلا يكون ملكاً قال ابن عباس: رجالاً يعني لا نساء فلا رسول إمرأة والقرى المدن.﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ ﴾ الضمير في أفلم يسيروا عائد على من أنكر إرسال الرسل من البشر ومن عاند الرسول وأنكر رسالته وكفر أي هلا يسيرون في الأرض فيعلمون بالتواتر اخبار الرسل السابقة ويرون مصارع الأمم المكذبة فيعتبرون بذلك.﴿ وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ ﴾ هذه حض على العمل لدار الآخرة والاستعداد لها واتقاء المهلكات ومن هذه الاضافة تخريجان أحدهما أنها من إضافة الموصوف إلى صفته وأصله وللدار الآخرة خير وهو تخريج كوفي والثاني أن يكون من حذف الموصوف وإقامة صفته مقامه وأصله ولدار المدة الأخيرة أو النشأة الأخيرة خير وهو تخريج بصري وحتى غاية لما قبلها وليس في اللفظ ما يكون له غاية فاحتيج إلى تقدير فقدره الزمخشري وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً فتراخى نصرهم حتى إذا استيئسوا عن النصر، وقال ابن عطية: ويتضمن قوله: أفلم يسيروا، إلى من قبلهم أن الرسل الذين بعثهم الله من أهل القرى دعوهم فلم يؤمنوا بهم حتى نزلت بهم الثلاث فصاروا من حيز من يعتبر بعاقبته فلهذا المضمر حسن أن يدخل حتى في قوله: حتى إذا استيأس الرسل، " انتهى ". ولم يتلخص لنا من كلامه شىء يكون ما بعد حتى غاية له لأنه علق الغاية بما ادعى أنه فهم ذلك من قوله: أفلم يسيروا الآية، وقال أبو الفرج بن الجوزي: المعنى متعلق بالآية الأولى فتقديره وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً فدعوا قومهم فكذبوهم وصبروا وطال دعاؤهم وتكذيب قومهم حتى إذا استيأس الرسل وهو نوع من كلام الزمخشري، وقال القرطبي في تفسيره: المعنى وما أرسلنا من قبلك يا محمد إلا رجالاً ثم لم نعاقب أممهم بالعقاب حتى إذا استيأس الرسل وقرىء: كذبوا بالتشديد مبنياً للمفعول والضمير في وظنوا أو في أنهم عائد على الرسل والظن بمعنى اليقين والمعنى وأيقنت الرسل أنهم قد كذبهم قومهم وقرىء: كذبوا بالتخفيف في الذال مبنياً للمفعول أيضاً والضمائر في ظنوا وفي أنهم عائدة على المرسل إليهم والمعنى وظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبهم من جاءهم بالوحي، وقرىء: فنحن بنونين مضارع أنجى، وقرىء: فنجى بنون واحدة وشد الجيم وفتح الباء مبنياً للمفعول وقرأت فرقة فننجي بنونين مضارع أنجى وفتح الباء قال ابن عطية: رواها هبيرة عن حفص عن عاصم وهي غلط من هبيرة انتهى وليست غلطاً ولها وجه في العربية وهو أن الشرط والجزاء يجوز أن يأتي بعدهما المضارع منصوباً بإضمار أن بعد الفاء كقراءة من قرأ﴿ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ فَيَغْفِرُ ﴾[البقرة: ٢٨٤] بإِضمار أن بعد الفاء ولا فرق في ذلك بين أن تكون أداة الشرط جازمة أو غير جازمة ومفعول نشاء محذوف تقديره ننجيه.﴿ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْمُجْرِمِينَ ﴾ والبأس هنا الهلاك وهذه الجملة فيها وعيد وتهديد لمعاصري رسول الله صلى الله عليه وسلم.﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ ﴾ الآية، الضمير في قصصهم عائد على الرسل والمرسل إليهم واندرجت فيه قصة يوسف وغيره وقرأ في قصصهم بكسر القاف أحمد بن جبير الأنطاكي عن الكسائي والقصي عن عبد الوارث عن أبي عمرو جمع قصة والعبرة الدلالة التي يعبر بها إلى العلم والعبرة الاتعاظ والظاهر أن اسم كان مضمر يعود على القصص أي ما كان القصص حديثاً مختلقاً بل هو حديث صدق ناطق بالحق جاء به من لم يقرأ الكتب ولا تتلمذ لأحد ولا خالط العلماء وانتصب تصديق على أنه خبر كان المحذوفة تقديره ولكن كان أي الحديث المشتمل على قصص الأنبياء تصديق الذي بين يديه أي بين يدي الحديث ومعنى بين يديه أي الكتب المنزلة الإِلهية وتفصيل كل شىء مما يحتاج إليه في الشريعة وقرأ حمدان بن أعين وعيسى الكوفي تصديق وتفصيل وهدى ورحمة برفع الأربعة أي ولكن هو تصديق والجمهور بنصب الأربعة وقال ذو الرمة: وما كان لي من تراث ورثته   ولا دية كانت ولا كسب مأثمولكن عطاء الله من كل رحلة   إلى كل محجوب السرادق خضرمبرفع إعطاء على إضمار هو ونصبه على إضمار كان وهدى ورحمة أي سبب هداية في الدنيا وسبب حصول الرحمة في الآخرة وحض المؤمنون بذلك لأنهم هم الذين ينتفعون بذلك كما قال تعالى:﴿ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ﴾[البقرة: ٢] وتقدم أول السورة قوله تعالى:﴿ إِنَّآ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً ﴾[يوسف: ٢] وقوله:﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ ﴾[يوسف: ٣] وفي آخرها ما كان حديثاً يفترى فلذلك احتمل أن يعود الضمير على القرآن وأن يعود على القصص والله تعالى أعلم.


الصفحة التالية
Icon