﴿ وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ الآية، لما نزلت هذه الآية في مشركي مكة طلبوا مثل آيات الأنبياء والملتمس ذلك هو عبد الله بن أبي أمية وأصحابه رد تعالى على مقترحي الآيات من كفار قريش ان الأمر بيد الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء ومفعول يشاء محذوف تقديره من يشاء إضلاله وإليه متعلق بيهدي أي إلى طاعته. و ﴿ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ بدل من اناب واطمئنان القلوب سكونها بعد الاضطراب من خشيته وذكر تعالى ذكر مغفرته ورحمته.﴿ ٱلَّذِينَ ﴾ بدل من الذين أو خبر مبتدأ محذوف تقديره هم الذين أو مبتدأ خبره ما بعده. و ﴿ طُوبَىٰ ﴾ فعلى من الطيب قلبت ياؤه والضمة ما قبلها كما قلبت في موسى وطوبى مبتدأ خبره لهم.﴿ وَحُسْنُ مَآبٍ ﴾ معطوف عليه وطوبى تأنيث إلا طيب وكان القياس أن يكون بالألف واللام وقد جاء نظيرها بغير ألف ولام كقولهم: في سعي دنيا طال ما قد مدت   وقول الآخر: وان دعوت إلى جلي ومكرمة   يوماً إليك كرام الناس فادعيناوتأنيث الأفعل مما عينه ياء أن يأتي على فعلى فتارة تبدل ياؤه واواً قالوا: الحوراء وتارة يقرونها ياء، قالوا: الحيرى فطوبى جاءت على أحد الوجهين.﴿ كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِيۤ أُمَّةٍ ﴾ الآية، الكاف للتشبيه وذلك إشارة لإِرسال من تقدم من الرسل أي مثل إرسالهم أرسلناك ويدل على ذلك قوله فدخلت من قبلها أم أي رسل أمم ولتتلوا متعلق بأرسلناك وهم يكفرون بالرحمن جملة حالية أي أرسلناك في أمة رحمة لها مني وهم يكفرون بي أي وحال هؤلاء أنهم يكفرون بالرحمن بالبليغ الرحمة والظاهر أن الضمير في قوله: وهم عائد على أمة المرسل إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم أعاد على المعنى إذ لو أعاد على اللفظ لكان التركيب وهي تكفر والمعنى أرسلناك إليهم وهم يدينون دين الكفر فهدى الله تعالى بك من أراد هدايته والمعنى الاخبار بأن الأمم السالفة المرسل إليهم الرسل والأمة التي أرسلت إليها جميعهم جاءتهم الرسل وهم يدينون دين الكفر فيكون في ذلك تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أمته مثل الأمم السالفة ونبه على الوصف الموجب لإِرسال الرسول صلى الله عليه وسلم وهو الرحمة الموجبة لشكر الله على إنعامه عليهم ببعثة الرسول صلى الله عليه وسلم والإِيمان به.﴿ وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَالُ ﴾ الآية، قال ابن عباس وغيره أن الكفار قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم سير جبلي مكة فقد ضيقا علينا واجعل لنا أرضاً قطعاً غراسه وأحيي لنا آباءنا وأجدادنا وفلاناً وفلاناً فنزلت معلمة أنهم لا يؤمنون ولو كان ذلك كله ولما ذكر تعالى علة إرساله وهي تلاوته ما أوحاه إليه ذكر تعظيم هذه الموحى وأنه لو كان قرآناً تسير به الجبال عن مقارها أو تقطع به الأرض حتى تتزايل قطعاً قطعاً أو تكلم به الموتى فتسمع وتجيب لكان هذا القرآن لكونه غاية في التذكير ونهاية في الإِنذار والتخويف كما قال تعالى:﴿ لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ ﴾[الحشر: ٢١].
الآية. فجواب لو محذوف وهو ما قدرناه ويجوز أن يكون جواب لو ما آمنوا.﴿ بَل للَّهِ ٱلأَمْرُ جَمِيعاً ﴾ بل هنا الانتقال أي أن الإِيمان والكفر بيد الله يخلقهما فيمن يشاء واليأس القنوط من الشىء وهو هنا في قول الأكثرين بمعنى العلم كأنه قيل أفلم يعلم الذين آمنوا قال القاسم بن معن هي لغة هوازن. وقال ابن الكلبي هي لغة حي من النخع وأنشد: والسحيم بن وثيل الرياحي   أقول لهم بالشعب إذ يسروننيألم تيأسوا أنى ابن فارس زهدم   وان لو يشأ قبله قسم محذوف تقديره وأقسم ان لو يشاء الله وقد صرح بالقسم قبل أن ولو في قول الشاعر: وأقسم ان لو التقينا وأنتم   لكان لنا يوم من الشر مظلموان زائدة في هذا التركيب نص على ذلك سيبويه ومفعول يشاء محذوف تقديره الهداية وجواب لو لهدى الناس.﴿ وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ ﴾ من كفرهم وسوء أعمالهم.﴿ قَارِعَةٌ ﴾ داهية تقرعهم بما يحل الله تعالى بهم في كل وقت من صنوف البلايا والمصائب في نفوسهم وأولادهم أو تحل القارعة قريباً منهم فيفزعون ويضطربون ويتطاير إليهم شرارها ويتعدى إليهم شرورها.﴿ حَتَّىٰ يَأْتِيَ وَعْدُ ٱللَّهِ ﴾ وهو موتهم أو القيامة.﴿ وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ ﴾ تقدم الكلام عليه.﴿ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ ﴾ استفهام معناه التعجب مما حل بهم والتقرير وفي ضمنه وعيد معاصري الرسول صلى الله عليه وسلم من الكفار.﴿ أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ ﴾ الآية، من موصولة صلة ما بعدها وهي مبتدأ والخبر محذوف تقديره كمن ليس كذلك من شركائهم التي لا تضر ولا تنفع كما حذف من قوله:﴿ أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ ﴾[الزمر: ٢٢]، تقديره كالقاسي قلبه الذي هو في ظلمة ودل عليه قوله: وجعلوا لله شركاء كما دل على كالقاسي قوله:﴿ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ ﴾[الزمر: ٢٢]، ويحسن حذف هذا الخبر كون المبتدأ يكون مقابله الخبر المحذوف وقد جاء مثبتاً كثيراً كقوله تعالى:﴿ أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ ﴾[النحل: ١٧]﴿ أَفَمَن يَعْلَمُ ﴾[الرعد: ١٩] ثم قال:﴿ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ ﴾[الرعد: ١٩] والظاهر أن قوله: وجعلوا لله شركاء، استئناف اخبار عن سوء صنيعهم وكونهم أشركوا مع الله ما لا يصلح للألوهية نعى عليهم هذا الفعل القبيح هذا والباري تعالى محيط بأحوال النفوس جليها وخفيها ونبه على بعض حالاتها وهو الكسب ليتفكر الإِنسان فيما يكسب من خير وشر وما يترتب على الكسب من الجزاء وعبر بقائم عن الإِحاطة والمراقبة التي لا يغفل عنها ثم أمره تعالى أن يقول لهم سموهم أي اذكروهم بأسمائهم والمعنى أنهم ليسوا ممن يذكر ولا يسمى إنما يذكر ويسمى من ينفع ويضر وأم في قوله: أم تنبئونه منقطعة تتقدر ببل والهمزة تقديره بل أتنبئونه والضمير في أتنبئونه عائد على الله تعالى وما في بما موصولة والعائد محذوف تقديره يعلمه والضمير في يعلم عائد على الله والمعنى اتنبئون الله لشركة الأصنام التي لا تتصف بعلم البتة وذكر نفي العلم في الأرض إذ الأرض هي مقر تلك الأصنام فإِذا انتفى علمها في المقر التي هي فيه فانتفاؤه في السماوات أحرى وعلى هذا التأويل يكون الفاعل بيعلم ضمير يعود على ما وعلى الأول ذكرنا أنه عائد على الله تعالى والمعنى على هذا استفهام التوبيخ على أنهم عندهم لا يكون علمه في السماوات ولا في الأرض بل علمه تعالى محيط بجميع الأشياء والظاهر في أم من قوله أم بظاهر أنها منقطعة أيضاً أي بل أتسمونهم شركاء بظاهر من القول من غير أن يكون لذلك حقيقة أي أنكم تنطقون بتلك الأسماء وتسمونها آلهة ولا حقيقة لها إذ أنتم تعلمون أنها لا تتصف بشىء من أوصاف الإِله لقوله تعالى:﴿ مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَآءً ﴾[يوسف: ٤٠] والظاهر أن قوله: أم بظاهر معطوف على قوله: بما لا يعلم والعذاب في الدنيا هو ما يصيبهم بسبب كفرهم من القتل والأسر والنهب والذلة والحروب والبلايا في أجسامهم وغير ذلك مما يمتحن به الكفار وكان عذاب الآخرة أشق على النفوس لأنه إحراق بالنار دائماً كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ومن واق من ساتر يحفظهم عن العذاب ويحميهم ولما ذكر ما أعد للكفار في الآخرة ذكر ما أعد للمؤمنين فقال:﴿ مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ﴾ أي صفتها التي هي في غرابة المثل وارتفع مثل على الابتداء في مذهب سيبويه والخبر محذوف أي فيما قصصنا عليكم مثل الجنة.﴿ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ ﴾ تفسير لذلك المثل وتقول مثلت الشىء إذا وصفته وقربته للفهم وليس هنا ضرب مثل فهو كقوله:﴿ وَلَهُ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ ﴾[الروم: ٢٧]، أي الصفة العليا والأكل ما يؤكل فيها ومعنى دوامه أنه لا ينقطع أبداً كما قال:﴿ لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ ﴾[الواقعة: ٣٣] تلك أي تلك الجنة عاقبة الذين اتقوا الشرك.﴿ وَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ ﴾ نزلت في مؤمني أهل الكتاب من أسلم من اليهود كعبد الله بن سلام وكعب وأصحابهما ومن أسلم من النصارى وهم ثمانون رجلاً أربعون بنجران واثنان وثلاثون بأرض الحبشة.﴿ وَمِنَ ٱلأَحْزَابِ ﴾ يعني ومن أحزابهم وهم كفرتهم الذين تحزبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعداوة نحو كعب بن الأشرف وأصحابه والسيد والعاقب اسقفي نجران وأشياعها.﴿ مَن يُنكرُ بَعْضَهُ ﴾ لأنهم كانوا لا ينكرون الأقاصيص وبعض الأحكام والمعاني مما هو ثابت في كتبهم غير محرف وكانوا ينكرون ما هو نعت الإِسلام ونعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وغير ذلك مما حرفوه وبدلوه.﴿ إِلَيْهِ أَدْعُو ﴾ أي إلى شرعه ودينه وإليه مرجعي عند البعث يوم القيامة أو إليه مرجعي في جميع الأحوال في الدنيا والآخرة.


الصفحة التالية
Icon