﴿ وَبَرَزُواْ ﴾ أي ظهروا من قبورهم إلى جزاء الله وحسابه والذين استكبروا هم رؤساؤهم وقادتهم استتبعوا الضعفاء واستغووهم واستكبروا تكبروا وأظهروا تعظيم أنفسهم أو استكبروا عن اتباع الرسل وعبادة الله تعالى وتبعاً يحتمل أن يكون اسم جمع لتابع كخادم وخدم وغائب وغيب ويحتمل أن يكون مصدراً كقوم عدل ورضا وهل أنتم مغنون عنا استفهام معناه توبيخهم إياهم وتقريعهم وقد علموا أنهم لن يغنوا شيئاً والمعنى انا تبعناكم فيما كنتم فيه من الضلال كما أمرتمونا وما أغنيتم عنا شيئاً ولذلك جاء جوابهم لو هدانا الله لهديناكم أجابوا بذلك على سبيل الاعتذار والخجل ورد الهداية إلى الله تعالى وهو كلام حق في نفسه. قال الزمخشري: من الأولى للتبيين والثانية للتبعيض كأنه قيل هل أنتم مغنون عنا بعض الشىء الذي هو عذاب الله ويجوز أن يكون للتبعيض معاً أي هل أنتم مغنون عنا بعض شىء هو بعض عذاب الله أي بعض بعض عذاب الله. " انتهى " هذا التوجيهان اللذان وجههما الزمخشري في المكانين يقتضي أولهما التقديم في قوله من شىء على قوله من عذاب الله لأنه جعل من شىء هو المبين بقوله: من عذاب الله ومن التبيينية يتقدم عليها ما نبينه ولا يتأخر والتوجيه الثاني وهو بعض شىء هو بعض العذاب يقتضي أن يكون بدلاً فيكون بدل عام من خاص لأن من شىء أعم من قوله من عذاب الله وان عنى بشىء شيئاً من العذاب فيؤول المعنى إلى ما قدر وهو بعض عذاب الله وهذا لا يقال لأن بعضية الشىء مطلقة فلا يكون لها بعض والظاهر أن قوله: سواء علينا أجزعنا أم صبرنا إلى آخره داخل تحت قول المستكبرين جاءت جملاً بلا واو عطف كأن كل جملة أنشئت مستقلة غير معطوفة وان كانت مرتبطاً بعضها ببعض من جهة المعنى لأن سؤالهم هل أنتم مغنون عنا إنما كان لجزعهم مما هم فيه فقالوا لهم في ذلك سووا بينهم في ذلك لاجتماعهم في عقاب الضلالة التي كانوا مجتمعين فيها يقولون ما هذا الجزع والتوبيخ ولا فائدة في الجزع كما لا فائدة في الصبر أو لما قالوا: لو هدانا الله اتبعوا ذلك بالاقناط من النجاة فقالوا ما لنا من محيص أي منجى ومهرب جزعنا أم صبرنا وتقدم الكلام في مثل هذه التسوية في البقرة والظاهر أن هذه المحاورة بين الضعفاء والرؤساء هي في موضع العرض وقت البروز بين يدي الله تعالى.﴿ وَقَالَ ٱلشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ ٱلأَمْرُ ﴾ مناسبة هذه لما قبلها أنه لما ذكر محاورة الاتباع لرؤسائهم الكفرة ذكر محاورة الشيطان واتباعه من الانس وذلك لاشتراك الرؤساء والشيطان في التلبس بالاضلال والشيطان هنا إبليس وهو رأس الشياطين ومعنى قضي الأمر تعين قوم للجنة وقوم للنار وذلك كله في الموقف ووعد الحق يحتمل أن يكون من إضافة الموصوف إلى صفته أي الوعد الحق وان يكون الحق صفة الله أي وعده وأن يكون الحق الشىء الثابت وهو البعث والجزاء على الاعمال أي يوفى لكم بما وعدكم.﴿ وَوَعَدتُّكُمْ ﴾ خلاف ذلك.﴿ فَأَخْلَفْتُكُمْ ﴾ وإلا ان دعوتكم الظاهر أنه استثناء منقطع لأن دعاءه إياهم إلى الضلالة ووسوسته ليس من جنس السلطان وهو الحجة البينة.﴿ مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ ﴾ أي مغيثكم.﴿ وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ﴾ أي بمغيثي وقرأ الجمهور بمصرخي بفتح الياء وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة بكسر الياء وقد طعن ناس في هذه القراءة وما ذهبوا إليه لا يلتفت إليه لأن هذه قراءة متواترة نقلها السلف واقتفى آثارهم فيها الخلف وقد نقل جماعة من أهل العربية انها لغة لكنه قل استعمالها ونص قطرب على أنها لغة في بني يربوع وأنشدوا للأغلب العجلي: قال لها هل لك يا تافي قالت له ما أنت بالمرضيوما في بما أشركتموني مصدرية ومن قبل متعلق بأشركتموني أي كفرت اليوم بإِشراككم أياي من قبل هذا اليوم أي في الدنيا.﴿ إِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ الظاهر أنه من تمام كلام إبليس حكى الله عنه ما سيقوله في ذلك الوقت ليكون تنبيهاً للسامعين على النظر في عاقبتهم والاستعداد لما بد منه وان يتصور في أنفسهم ذلك المقام الذي يقول فيه الشيطان ما يقول فيخافوا ويعملوا ما يخلصهم منه وينجيهم.﴿ وَأُدْخِلَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ ﴾ الآية، لما جمع الفريقين في قوله وبرزوا لله جميعاً وذكر شيئاً من أحوال الكفار ذكر ما آل إليه أمر المؤمنين من إدخالهم الجنة قال الزمخشري: فإِن قلت فبم يتعلق يعني بإِذن ربهم في القراءة الأخرى وقولك فأدخلهم أنا بإِذن ربهم كلام غير ملتئم. قلت الوجه في هذه القراءة أن يتعلق قوله: بإِذن ربهم بما بعده أي تحيتهم فيها سلام بإِذن ربهم يعني أن الملائكة يحيونهم بإِذن ربهم انتهى ظاهر كلامه أن بإِذن ربهم معمول لقوله تحيتهم ولذلك قال يعني ان الملائكة يحيونهم بإِذن ربهم وهذا لا يجوز لأن تقديم معمول المصدر المنحل لحرف مصدري والفعل عليه هو غير جائز وتقدم تفسير تحيتهم فيها سلام في أوائل يونس.﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً ﴾ تقدم الكلام في ضرب مع المثل في أوائل البقرة فأغني عن إعادته والكلمة الطيبة بالشجرة لا إله إلا الله قاله ابن عباس.﴿ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي ٱلسَّمَآءِ ﴾ يريد بالفرع أعلاها ورأسها وإن كان المشبه به ذا فروع فيكون من باب الاكتفاء بلفظ الجنس ومعنى في السماء في جهة العلو والصعود لا المظلة ولما شبهت الكلمة الطيبة كانت الكلمة أصلها ثابت في قلوب أهل الإِيمان وما يصدر عنها من الأفعال الزكية والأعمال الصالحة هو فرعها يصعد إلى السماء إلى الله تعالى كما قال إليه يصعد الكلم الطيب وما يترتب على ذلك العمل وهو ثواب الله تعالى هو جناها ووصف هذه الشجرة بأوصاف. الأول: قوله: طيبة كريمة المنبت والأصل في الشجرة لذيذة في المطعم. الثاني: رسوخ أصلها وذلك يدل على تمكنها وان الرياح لا تقصفها. الثالث: علو فرعها وذلك يدل على تمكن الشجرة ورسوخ عروقها وعلى بعدها من عفونات الأرض وعلى صفائها من الشوائب. الرابع: ديمومة وجود ثمرتها وحضورها في كل الأوقات والحين في اللغة قطعة من الزمان والكلمة الخبيثة وهي كلمة الكفر. والظاهر أن التشبيه وقع بشجرة غير معينة إذا وجدت منها هذه الأوصاف ومعنى اجتثت أي اقتلعت جثتها بنزع الأصول وبقيت في غاية الوهي والضعف فيقلبها أقل ريح فالكافر يرى أن بيده شيئاً وهو لا يستقر ولا يغني عنه شيئاً.﴿ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ ﴾ أي استقرار، يقال: قرار الشىء اثبت ثباتاً وهذا النوع من المجاز هو من تشبيه المعقول بالمحسوس.