﴿ وَقَالَ ٱللَّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـٰهَيْنِ ٱثْنَيْنِ ﴾ الآية، ولما كان الاسم الموضوع للأفراد والتثنية قد يتجوز فيه فيراد به الجنس نحو نعم الرجل زيد ونعم الرجلان الزيدان. وقال الشاعر: فإِن النار بالعودين تذكى وإن الحرب أولها الكلام. أكد الموضوع لهما بالوصف فقال إلهين اثنين ولما نهى عن اتخاذ الإِلهين واستلزم النهي عن اتخاذ آلهة أخبر تعالى أنه إله واحد كما قال تعالى:﴿ وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ ﴾[البقرة: ١٦٣] بأداة الحصر وبالتأكيد بالوحدة ثم أمرهم بأن يرهبوه والتفت من الغيبة إلى الحضور لأنه أبلغ في الرهبة وانتصب إياي بفعل محذوف مقدّر التأخير عنه يدل عليه فارهبون وتقديره وإياي ارهبوا وتقدم نظيره في البقرة. وقال ابن عطية: وإياي منصوب بفعل مضمر تقديره فارهبوا إياي فارهبون " انتهى ". هذا ذهول عن القاعدة النحوية أنه إذا كان المفعول ضميراً منفصلاً والفعل متعد إلى واحد وهو الضمير وجب تأخير الفعل كقوله تعالى:﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾[الفاتحة: ٥].
ولا يجوز أن يتقدم إلا في ضرورة نحو قوله: إليك حتى بلغت إياكا ثم التفت من التكلم إلى ضمير الغيبة فأخبر تعالى أن له ما في السماوات والأرض.﴿ وَلَهُ ٱلدِّينُ ﴾ أي الطاعة والملك.﴿ وَاصِباً ﴾ أي دائماً يقال وصب الشىء دام قال أبو الأسود الدؤلي: لا أبتغي الحمد القليل بقاؤه يوماً بذم الدهر أجمع واصباًقال تعالى: ﴿ أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ ﴾ استفهام تضمن التوبيخ والتعجب أي بعدما عرفتم وحدانيته وان ما سواه له ومحتاج إليه كيف تتقون وتخافون غيره ولا نفع ولا ضرر يقدر عليه وما موصولة وصلتها بكم والعامل فعل الاستقرار أي وما استقر بكم ومن نعمة تفسير لما والخبر فمن الله على إضمار مبتدأ محذوف تقديره فهي من الله ودخلت الفاء في جملة الخبر لتضمن الموصول معنى اسم الشرط ولما ذكر تعالى أن جميع النعم منه ذكر حالة افتقار العبد إليه وحده حيث لا يدعو ولا يتضرع لسواه وهي حالة الضر والضر عام في جميع ما يتضرر به وإليه متعلق يتجأرون والجؤار رفع الصوت بالدعاء. قال الأعشى يصف راهباً: يداوم من صلوات المليك طوراً سجوداً وطوراً جؤاراً. وإذا الثانية للفجاءة وفي ذلك دليل على أن إذا الشرطية ليس العامل فيها الجواب لأنه لا يعمل ما بعد إذا الفجائة فيما قبلها ومنكم خطاب للذين خوطبوا بقوله: وما بكم من نعمة إذ بكم خطاب عام وفريق مبتدأ ومنكم في موضع الصفة وخبره يشركون وبربهم متعلق به والفريق هنا هم المشركون المعتقدون حالة الرجاء أن آلهتهم تنفع وتضر وتشقي وتسعد اللام في ليكفروا ان كانت للتعليل كان المعنى أن إشراكهم بالله شبيه كفرهم به أي جحودهم أو كفران نعمته وبما آتيناهم من النعم أو من كشف الضر أو من القرآن المنزل إليهم وإن كانت للضرورة فالمعنى صار أمرهم ليكفروا وهم لم يقصدوا بأفعالهم تلك أن يكفروا وابل آل أمر ذلك الجؤار والرغبة إلى الكفر بما أنعم عليهم أو إلى الكفر الذي هو جحوده والشرك به وان كانت للأمر فمعناه التهديد والوعيد.﴿ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ مبالغة في التهديد.﴿ وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ الآية، الضمير في يجعلون عائد على الكفار وفي لا يعلمون عائد على ما التي هي الأصنام إذ هي جماد لا علم لها ولا شعور والنصيب هو ما جعلوه لها من الحرث والانعام قبح الله تعالى فعلهم ذلك أن يجعلوا مما رزقهم نصيباً للأصنام ثم أقسم تعالى على أنه يسألهم عن افترائهم واختلافهم في إشراكهم مع الله آلهة وانها أهل للتقرب إليها بجعل النصيب إليها ولما ذكر تعالى أنه يسألهم عن افترائهم ذكر أنهم مع اتخاذهم آلهة نسبوا إلى الله التوالد وهو مستحيل ونسبوا ذلك إليه فيما لم يرتضوه لأنفسهم وتربد وجوههم من نسبته إليهم ويكرهونه أشد الكراهة وكانت خزاعة وكنانة تقول الملائكة بنات الله.﴿ سُبْحَانَهُ ﴾ تنزيه له سبحانه وتعالى عن نسبة الولد إليه.﴿ وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ ﴾ وهم الذكور وهي جملة من مبتدأ وخبر. وأجاز الزمخشري وتبع فيه الفراء والحوفي أن يكون ولهم ما يشتهون معطوفاً على قوله لله بنات وذهلوا عن قاعدة في النحو وهي ان الفعل إذا رفع ضميراً وجاء بعده ضمير منصوب لا يجوز أن ينصبه الفعل إلا إذا كان من باب الظن أو فقد وعدم فلو قلت زيد ظنه قائماً تريد ظن نفسه جاز ولو قلت زيد ضربه فجعل في ضرب ضمير رفع عائداً على زيد وقد تعدى للضمير المنصوب لم يجر والمجرور يجري مجرى المنصوب فلو قلت زيد غضب عليه لم يجز كما لم يجز زيد ضربه فلذلك امتنع أن يكون قوله لهم متعلقاً بيجعلون.﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ ﴾ المشهور أن البشارة أول خبر يسر وهنا قد يراد به مطلق الأخبار أو تغير البشرة وهو القدر المشترك بينهما.﴿ بِٱلأُنْثَىٰ ﴾ أي بولادة الأنثى.﴿ ظَلَّ وَجْهُهُ ﴾ بمعنى صار وأصل ظل اتصاف اسمها بالخبر الذي يجيء بعدها.﴿ مُسْوَدّاً ﴾ خبر ظل واسوداد الوجه كناية عن العبوس والغم والتكره والنفرة التي لحقته.﴿ وَهُوَ كَظِيمٌ ﴾ أي ممتلىء القلب حزناً وغماً وكظيم يحتمل أن يكون للمبالغة من كاظم ويحتمل أن يكون بمعنى مفعول كما قال تعالى﴿ وَهُوَ مَكْظُومٌ ﴾[القلم: ٤٨] ويقال: سقاء مكظوم أي مملوء مسدود الفم.﴿ يَتَوَارَىٰ ﴾ يختفي من القوم متعلق به من سوء من للتعليل أي لسوء ما بشر به وقوله: به ذكره حملاً على لفظ ما وان كان أريد به الأنثى ولذلك ذكره في قوله:﴿ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ ﴾ أي على هوان وأيمسكه قبله حال محذوفة التقدير مفكراً أيمسكه أم يدسه معطوف فكرت أزيد في الدار أم عمرو والظاهر من قوله الاساء ما يحكمون رجوعه إلى قوله ويجعلون لله بنات الآية، أي ساء ما يحكمون في نسبتهم إلى الله ما هو مستكره عندهم نافر عنهن طبعهم لا يحتملون نسبتهن إليهم وما في قوله ما يحكمون مصدرية تقديره ساء حكمهم.﴿ مَثَلُ ٱلسَّوْءِ ﴾ أي صفة السوء من الكفر بالله وإشراكهم معه أصناماً ونسبة الولد إليه وإنكارهم البعث.﴿ وَلِلَّهِ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ ﴾ أي الصفة العليا من تنزيهه تعالى عن الولد والصاحبة وجميع ما تنسب الكفرة إليه مما لا يليق به تعالى كالتشبيه والانتقال وظهوره تعالى في صورة وناسب الختم بالعزيز وهو الذي لا يوجد نظيره الحكيم الذي يضع الأشياء في مواضعها.﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ ﴾ لما حكى تعالى عن الكفار عظيم ما ارتكبوه من الكفر ونسبة التوالد إليه بين تعالى أنه يمهلهم ولا يعاجلهم بالعقوبة إظهار الفضلة ورحمته ويؤاخذ مصارع آخذ والظاهر أنه بمعنى المجرد الذي هو أخذ والضمير في عليها عائد على غير مذكور ودل على أنه الأرض قوله من دابة لأن الدبيب من الناس لا يكون إلا في الأرض والظاهر عموم من دابة فيهلك الصالح بالطالح فكان يهلك جميع ما يدب على الأرض حتى الجعلان في جحرها.﴿ وَلٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ ﴾ تقدم نظيره في الأعراف وما في ما يكرهون لمن يعقل وأريد بها النوع كقوله تعالى:﴿ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ ﴾[النساء: ٣] ومعنى ويجعلون يصفونه بذلك ويحكمون به وان لهم الحسنى بدل من الكذب أو على إسقاط الحرف أي بأن لهم وتقدم الكلام في لا جرم مفرطون قال الفراء: تقول العرب: أفرطت منهم ناساً أي خلفهم ونسيتهم وقيل يخلفون متركون في النار ثم أخبر تعالى بإِرسال الرسل إلى أمم من قبل أمتك مقسماً على ذلك ومؤكداً بالقسم وبقد التي تقتضي تحقيق الأمر على سبيل التسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان يناله بسبب جهالات قومه ونسبتهم إلى الله ما لا يجوز.﴿ فَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ ﴾ من تماديهم على الكفر.﴿ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ ٱلْيَوْمَ ﴾ حكاية حال ماضية أي لا ناصر لهم في حياتهم إلا هو أو عبر باليوم عن وقت الإِرسال ومحاورة الرسل لهم أو حكاية حال آتية وهو يوم القيامة وأل في اليوم للعهد وهو اليوم المشهور فهو وليهم في ذلك اليوم أي قرينهم وبئس القرين والظاهر عود الضمير في وليهم إلى أمم قيل ويجوز أن يرجع الضمير إلى مشركي قريش وأنه زين للكفار قبلهم أعمالهم فهو ولي هؤلاء لأنهم منهم ويجوز أن يكون على حذف المضاف أي فهو وليهم أي ولي أمثالهم اليوم " انتهى ". وهذا فيه بعد لاختلاف الضمائر من غير ضرورة تدعو إلى ذلك ولا إلى حذف المضاف بل الضمير في الظاهر عائد إلى أمم واللام في لتبين لام التعليل والكتاب القرآن والذين اختلفوا فيه من الشرك والتوحيد والجبر والقدر وإثبات المعاد ونفيه وغير ذلك مما يعتقدون من الاحكام كتحريم البحيرة وتحليل الميتة والدم وغير ذلك من الأحكام.