﴿ فَتُصْبِحَ صَعِيداً ﴾ أي أرضا بيضاء لا نبات فيها لا من كرم ولا نخل ولا زرع قد اصطلم جميع ما فيها فبقيت يبابا قفراً يزلق عليها لإملاسها والزلق الذي لا يثبت عليه قدم ذهبت غراسه ونباته وسلب المنافع حتى منفعة المشي فيه فهو وحل لا ينبت ولا يثبت فيه قدم فترجى المؤمن بجنة هذا الكافر آفة علوية من السماء أو آفة سفلية من الأرض وهو غور مائها فيتلف كل ما فيها من الشجر والزرع وغوراً مصدر خبر عن اسم أصبح على سبيل المبالغة وأو تصبح معطوف على قوله: ويرسل والضمير في له عائد على الماء أي: لن تقدر على طلب لكونه ليس مقدوراً على رد ماء غوره الله تعالى وبلغ الله المؤمن ما ترجاه من هلاك ما بيد صاحبه الكافر وإبادته على خلاف ما ظن في قوله ما أظن أن تبيد هذه أبداً فأخبر الله تعالى أنه أحيط بثمره وهوعبارة عن الإِهلاك وأصله الإِحاطة. و ﴿ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ ﴾ ظاهره أنه يقلب كفيه ظهراً لبطن ندماً ولما كان هذا الفعل كناية عن الندم عداه تعدية فعل الندم فقال:﴿ عَلَى مَآ أَنْفَقَ فِيهَا ﴾ كأنه قال: لا أصبح نادماً على ذهاب ما أنفق في عمارة تلك الجنة.﴿ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا ﴾ تقدم الكلام عليه في أواخر البقرة وتمينه انتفاء الشرك الظاهر أنه صدر منه ذلك في حالة الدنيا على جهة التوبة بعد حلول المصيبة وفي قوله: ترني دليل على إيمانه ولما افتخر بكثرة ماله وعز نفره أخبر تعالى أنه لم يكن له فئة أي جماعة تنصره ولا كان هو منتصراً بنفسه وجمع الضمير في ينصرونه على المعنى كما أفرده على اللفظ في قوله: تقاتل والحقيقة في هنالك أن يكون ظرف مكان للبعد وتقدم في الكلام ما يدل على الدار الآخرة فالظاهر أنه أشير به لدار الآخرة أي في تلك الدار الولاية لله كقوله تعالى:﴿ لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ ﴾[غافر: ١٦] والولاية مبتدأ وهنالك الخبر وقرىء: الولاية بكسر الواو وفتحها، وقرىء: الحق بكسر القاف صفة لله، وقرىء: الحق بالرفع صفة للولاية هو خبر مبتدأ وخبر. و ﴿ ثَوَاباً ﴾ تمييز ولما كان هنالك إشارة إلى الدار الآخرة ناسبة ذكر الخيرية الثواب فيها. و ﴿ عُقْباً ﴾ بمعنى العاقبة.﴿ وَٱضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ ٱلْحَيَاةِ ﴾ الآية لما بين تعالى في المثل الأول حال الكافر والمؤمن وما آل إليه ما افتخر به الكافر من الهلاك بين في هذا المثل حال الحياة الدنيا واضمحلالها ومصير ما فيها من النعيم والترفه إلى الهلاك وكما تقدم الكلام على تفسير نظير هذه الحملة يونس والهشيم اليابس قاله الفراء واحده هشيمة وقال الشاعر: ولكن البلاء إذا اقشعرت وصوح نبتها رعي الهشيمذرى وأذرى لغتان فرق قاله أبو عبيدة.﴿ وَٱلْبَاقِيَاتُ ٱلصَّالِحَاتُ ﴾ قال الجمهور هي الكلمات المأثور فضلها وهي سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.﴿ وَخَيْرٌ أَمَلاً ﴾ أي رجاء ولما ذكر تعالى ما يؤول إليه حال الدنيا من النفاد أعقب ذلك بأوائل أحوال يوم القيامة فقال:﴿ وَيَوْمَ نُسَيِّرُ ٱلْجِبَالَ ﴾ والمعنى أنه ينفك نظام هذا العالم الدنيوي ويؤتى بالعالم الأخروي وانتصب يوم على إضمار اذكر وقرىء: تسير مبنياً للمفعول ونسير بنون العظمة مبنياً للفاعل.﴿ وَتَرَى ٱلأَرْضَ ﴾ وقرىء: وترى مبنياً للمفعول.﴿ بَارِزَةً ﴾ حال أي منكشفة ظاهرة لذهاب الجبال والظراب والشجر والعمارة أو على حذف مضاف تقديره وترى الأرض بارزين من بطنها.﴿ وَحَشَرْنَاهُمْ ﴾ أي أقمناهم من قبورهم وجمعناهم لعرصة القيامة وقال الزمخشري: فإِن قلت لم جيء بحشرناهم ماضياً بعد نسير وترى قلت للدلالة على أن حشرهم قبل التسيير وقبل البروز ليعاينوا بذلك الأهوال والعظائم وكأنه قيل وحشرناهم قبل ذلك " انتهى ". والأولى أن يكون الواو واو الحال لا واو العطف والمعنى وقد حشرناهم أي أوقع التسيير في حالة حشرهم وقيل وحشرناهم وعرضوا ووضع الكتاب مما وضع فيه الماضي موضع المستقبل لتحقق وقوعه ولم نغادر أي: لم نترك وانتصب صفاً على الحال وهو مفرد تنزل منزلة الجمع أي صفوفاً وفي الحديث الصحيح" يجمع الأولين والآخرين في صعيد واحد صفوفاً يسمعهم الداعي وينفذهم البصر "الحديث صحيح بطوله:﴿ لَّقَدْ جِئْتُمُونَا ﴾ معمول لقول محذوف تقديره وقلنا وكما خلقناكم نعت لمصدر محذوف أي: مجيئنا مثل مجيء خلقكم أي حفاة عراة غرلاً كما في الحديث وخالين من المال والولد وان هنا مخففة من الثقيلة وفصل بينهما وبين الفعل بحرف النفي وهو لن كما فصل في قوله﴿ أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ ﴾[القيامة: ٣] وبل للإِضراب بمعنى الانتقال من خبر إلى خبر ليس بمعنى الابطال والمعنى أن لن نجعل لإِعادتكم وحشركم موعداً أي: مكان وعد أو زمان وعد لإِنجاز ما وعدتم على ألسنة الأنبياء عليهم السلام من البعث والنشور والخطاب من لقد جئتمونا للكفار المنكرين البعث على سبيل تقريعهم وتوبيخهم.﴿ وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ ﴾ الكتاب اسم جنس أي كتب أعمال الخلق وإشفاقهم خوفهم من كشف أعمالهم السيئة وفضيحتهم وما يترتب على ذلك من العذاب السرمدي.﴿ يٰوَيْلَتَنَا ﴾ نادوا هلكتهم التي هلكوا خاصة من بين الهلكات فقالوا: يا ويلتنا والمراد من بحضرتهم كأنهم قالوا يا من بحضرتنا أنظروا هلكتنا وكذا ما جاء من نداء ما لا يعقل ما استفهامية مبتدأ ولهذا في موضع الخبر تقديره أي شىء ولهذا الكتاب ولا يغادر جملة حالية.﴿ صَغِيرَةً ﴾ أي مثل القبلة.﴿ وَلاَ كَبِيرَةً ﴾ مثل الزنا وقدمت الصغيرة اهتماماً بها وإذا أحصيت الصغيرة فالكبيرة أخرى.﴿ إِلاَّ أَحْصَاهَا ﴾ ضبطها وحفظها.﴿ وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً ﴾ في الصحف عتيداً.﴿ وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ﴾ فيكتب عليه ما لم يعمل أو يزيد في عقابه.﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ ﴾ الآية ارتباطها بالتي قبلها هو أنه لما ذكر يوم القيامة والحشر وذكر خوف المجرمين مما سطر في ذلك الكتاب وكان إبليس هو الذي حمل المجرمين على معاصيهم واتخاذ شركاء مع الله ناسب ذكر إبليس والنهي عن اتخاذ ذريته أولياء من دون الله تبعيداً عن المعاصي وعن امتثال ما يوسوس به وتقدم الكلام في استثناء إبليس أهو استثناء متصل أو منقطع وهل هو من الملائكة أم ليس منهم في أوائل البقرة والظاهر أن معنى ففسق فخرج عما أمره به ربه من السجود والهمزة في أتتخذونه للتوبيخ والإِنكار والتعجب أي: أبعد ما ظهر منه الفسق والعصيان أتتخذونه وذريته أولياء من دوني مع ثبوت عدوانه لكم تتخذونه ولياً وهو لكم عدوّ جملة حالية وعدو مفرد أريد به الجمع المقابل به الجمع وهو أولياء والمخصوص بالذم محذوف أي بئس للظالمين بدلاً من الله إبليس وذريته وقال للظالمين لأنهم اعتاضوا من الحق بالباطل وجعلوا مكان ولايتهم الله ولايتهم إبليس وذريته وهذا نفس الظلم لأنه وضع الشىء في غير موضعه.﴿ مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ ﴾ الذي يظهر أن المعنى إخبار من الله تعالى عن نبيه صلى الله عليه وسلم وخطاب منه تعالى في انتفاء كينونته متخذ عضد من المضلين بل هو مذ كان ووجد صلى الله عليه وسلم في غاية التبري منهم والبعد عنهم ليعلم أمته أنه لم يزل محفوظاً من أول نشأته لم يعتضد بمضل ولا مال إليه صلى الله عليه وسلم وقرأ علي بن أبي طالب متخذاً المضلين أعمل اسم الفاعل.﴿ وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَكَآئِيَ ﴾ ليس المعنى أنه تعالى أخبر أنهم شركاؤه ولكن ذلك على زعمكم والإِضافة تكون بأدنى ملابسة ومفعولاً زعمتم محذوفان لدلالة المعنى عليهما إذ التقدير زعمتموهم شركائي والنداء بمعنى الاستغاثة أي استغيثوا بشركائكم والمراد نادوهم لدفع العذاب عنكم أو للشفاعة لكم والظاهر أن الضمير في بينهم عائد على الداعين والمدعوين وهم المشركون والشركاء.﴿ مَّوْبِقاً ﴾ الموبق المهلك يقال وبق يوبق ووبق يبق وبوقاً إذا هلك فهو وابق وأوبقته ذنوبه أهلكته.