﴿ وَلَمَّآ جَآءَهُمْ ﴾ أي اليهود.﴿ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ ﴾ هو محمد صلى الله عليه وسلم ففيه التفات إذ خرج من خطاب إليك إلى اسم الغائب ووصف بأنه من عند الله تفخيماً لشأنه إذ الرسول على قدر المرسل ووصفه بأنه:﴿ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ ﴾ وتصديقه كونه على الوصف الذي ذكر في التوراة وعلى ما جاء في الكتب الالهية وكونه مصدّقاً لما معهم من الكتب الالهية. وقرىء مصدقاً على الحال.﴿ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ ﴾ وهو التوراة.﴿ كِتَٰبَ ٱللَّهِ ﴾ وهو القرآن.﴿ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ ﴾ هو مثل يضرب لمن أعرض عن الشيء جملة تقول العرب: جعل هذا الأمر وراء ظهره ودُبَرَ أذنه. و ﴿ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ جملة حالية. أي لا يعلمون أنه كتاب الله لا يداخلهم فيه شك لثبوته عندهم وإنما نبذه على سبيل المكابرة والعناد أو لا يعلمون ما أمروا به من اتباع الرسول عليه السلام.﴿ وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَـٰطِينُ ﴾ قتلوا أي تتبع أو تقرأ وهو مضارع في معنى الماضي أي ما قلت والظاهر أن الشياطين هم الجن وقرىء الشياطون. وقالت العرب: بستان فلان حوله بساتون.﴿ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَـٰنَ ﴾ أي على شرعه ونبوته وحاله كتبت الشياطين السحر واختلقته ونسبته إلى سليمان وآصف.﴿ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَـٰنُ ﴾ تنزيه له عليه السلام من الكفر. أي ليس ما اختلقته الجن تعاطاه سليمان لأنه كفر. وفيه نفي الشيء عن من لا يمكن وقوعه منه. وفي الحديث لما ذكر الرسول عليه السلام سليمان في الأنبياء قال بعض اليهود: انظروا إلى محمد يذكر سليمان في الأنبياء وما كان إلا ساحراً.﴿ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّيَـٰطِينَ كَفَرُواْ ﴾ وقرىء ولكن بالتشديد ونصب الشياطين وبالتخفيف والرفع ووقعت لكن بين نفي وإثبات وهي بسيطة وجهة الاستدراك أنه لما نفي الكفر عن سليمان وكان الشياطين قد سخرت له بحيث يستعلمهم فيما يشاء فقد يتوهم أنهم لا يكفرون إذ هم في خدمة نبي فاستدرك أنهم كفروا.﴿ يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحْرَ ﴾ وهو الظاهر والأقرب أو اليهود العائد عليهم ضمير واتبعوا وهي استئناف اخبار واختلفوا في حقيقة السحر على أقوال ونص القرآن والحديث أنه تخييل ولا شك في وجوده في زمان الرسول عليه السلام وأما في زماننا الآن فكلما وقفنا عليه من كتبه فهو كذب وافتراء لا يترتب عليه شيء ولا يصح منه شيء البتة.﴿ وَمَآ أُنْزِلَ عَلَى ٱلْمَلَكَيْنِ ﴾ وما أنزل معطوف على السحر قيل أو على ما تتلو أو على ملك سليمان وهما ضعيفان للفصل بينهما بثلاث جمل والذي قال: ما نافية ينافي قوله.﴿ وَمَا يُعَلِّمَانِ ﴾ وقرىء الملكين - بفتح اللام وكسرها - وقال ابن عباس: هما رجلان ساحران كانا ببابل لأن الملائكة لا تعلم الناس السحر." انتهى ". وعلى فتح اللام إطلاق الملكين عليهما مجاز وجه المجاز أنهما يعلمان ما قذف في قلوبهما وعبر عنه بالانزال فكأنهما ملكان يلقيان للناس ما ليس معهوداً لهم.﴿ بِبَابِلَ ﴾ قال ابن مسعود: هي في سواد الكوفة.﴿ هَـٰرُوتَ وَمَـٰرُوتَ ﴾ عطف بيان أو بدل وهما أعجميان وقول من قال مشتقان من الهرت والمرت خطأ.﴿ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ ﴾ قرىء بالتشديد والتخفيف واحد هنا المستعمل في النفي لا بمعنى واحد.﴿ حَتَّىٰ يَقُولاَ ﴾ غاية أي إلى أن يقولا.﴿ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ ﴾ قال علي كرم الله وجهه: كانا يعلمان تعليم إنذار لا تعليم دعاء إليه كأنهما يقولان لا تفعل كذا فيكون منه كذا.﴿ فَيَتَعَلَّمُونَ ﴾ أي فهم يتعلمون أو هو معطوف على يعلمان المنفية لكونها موجبة في المعنى.﴿ مِنْهُمَا ﴾ أي من هاروت وماروت.﴿ مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ﴾ أي يفرقون الالفة والمحبة بحيث تقع البغضاء أو تفريق الذين بحيث إذا تعلم فقد كفر. وقرىء المرء بتثليث الميم وبالهمز والمر بكسر الراء وبشدها من غير همز فيهما.﴿ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ ﴾ أي بما يفرقون.﴿ مِنْ أَحَدٍ ﴾ وقرىء بضاري وخرج على حذف النون من اسم الفاعل وإن لم يكن فيه ألْ وله نظير في نثر العرب ونظمها وقيل حذفت لأجل الاضافة إلى أحد وفصل فيه بين المتضايفين كقوله: هما إخواني في الحرب من لا أخاله إذا خاف يوماً بنوه فدعاهما. وهذا اختيار الزمخشري ثم استشكل ذلك لأن أحداً مجرور بمن فكيف يمكن أن يعتقد فيه أنه مجرور بالاضافة فقال: فإِن قلت: كيف يضاف إلى أحد وهو مجرور بمن قلت جعل الجار جزأ من المجرور. " انتهى ". وهذا التخريج ليس بجيد لأن الفصل بين المتضايفين بالظرف والجار والمجرور من ضرائر الشعر وأقبح من ذلك أن لا يكون ثم مضاف إليه لأنه مشغول بعامل آخر فهو المؤثر فيه لا الاضافة وأما جعل حرف الجر جزأً من المجرور فهذا ليس بشيء لأنه يؤثر فيه وجزء الشيء لا يؤثر في الشيء. ومن في من أحد زائدة وقياسها أن تزاد في المفعول المعمول للفعل الذي يباشره حرف النفي نحو: ما ضربت من أحد وهنا حملت الجملة من غير الفعل والفاعل على الجملة منهما لأن المعنى وما يضرون من أحد.﴿ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ ﴾ استثناء مفرع من الأحوال فهو حال من فاعل بضارين.﴿ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ ﴾ لم يقتصر على ضرر من يفعل به ذلك بل يحصل الضرر لمن يفرق بينهما.﴿ وَلاَ يَنفَعُهُمْ ﴾ معطوف على جملة ما يضرهم والضمير في علموا عائد على من عادت عليه الضمائر. قيل: وعلموا معلقة فإِن كانت متعدية لواحد كانت الجملة في موضعه أو لاثنين كانت في موضعهما ويظهر الفرق في العطف واللام في:﴿ وَلَقَدْ ﴾ جواب قسم محذوف. ومن، موصولة، واللام فيهما معلقة، ويبعد أن تكون من شرطاً، ولمن: جواب قسم وضمن فعل الشرط لفظاً ومعنى والضمير المنصوب في:﴿ لَمَنِ ٱشْتَرَاهُ ﴾ عائد على السحر.﴿ مَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلَٰـقٍ ﴾ الجملة خبر من أن كانت موصولة وجواب القسم إن كانت شرطاً. والخلاق: النصيب.﴿ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ ﴾ تقدم الكلام في بئسما. شروا: باعوا.﴿ بِهِ ﴾ أي بالسحر.


الصفحة التالية
Icon