﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * طه * مَآ أَنَزَلْنَا ﴾ الآية هذه السورة مكية بلا خلاف كان عليه السلام يراوح بين قدميه يقوم على رجل فنزلت * ومناسبتها لما قبلها أنه تعالى لما ذكر تيسر القرآن بلسان الرسول أي بلغته وكان فيما علل به قوله لتبشر به المتقين وتنذر به قوماً لداً أكد ذلك بقوله: ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى والتذكرة هنا البشارة والنذارة وأن ما ادعاه المشركون من إنزاله شقاء ليس كذلك بل إنما أنزل تذكرة والظاهر أن طه من الحروف المقطعة نحو يس والروما أشبههما وتقدم الكلام في أوائل البقرة والظاهر أن قوله: إلا تذكرة استثناء منقطع تقديره لكن أنزلناه تذكرة فتذكرة مفعول من أجله والعامل فيه أنزلناه هذه المقدرة وفي البحر أعاريب متكلفة تنظر هناك وانتصب.﴿ تَنزِيلاً ﴾ على أنه مصدر لفعل محذوف أي نزل تنزيلاً * قال الزمخشري في نصب تنزيلاً: وجوه أن يكون بدلاً من تذكرة إذا جعل حالاً لا إذا كان مفعولاً له لأن الشىء لا يعلل بنفسه وأن ينصب بنزل مضمراً وأن ينصب بأنزلناه لأن معنى ما أنزلناه إلا تذكرة وأن ينصب على المدح والاختصاص وأن تنصب بيخشى مفعولاً له أي أنزله إليه تذكرة لمن يخشى تنزيل الله وهو معنى حسن وإعراب بين " انتهى " الأحسن ما قدمناه أولاً من أنه منصوب بنزل مضمرة وما ذكره الزمخشري من نصبه على غير ذلك متكلف أما الأول ففيه جعل تذكرة وتنزيلاً حالين وهما مصدران وجعل المصدر حالاً لا ينقاس وأيضاً فمدلول تذكرة ليس مدلول تنزيلاً ولا تنزيلاً بعض تذكرة وان كان بدلاً فيكون بدل اشتمال على مذهب سيبويه يرى أن الثاني مشتمل على الأول لأن التنزيل مشتمل على التذكرة وغيرها وأما قوله: لأن معنى ما أنزلناه إلا تذكرة أنزلناه تذكرة فليس كذلك لأن معنى الحصر يفوت في ذلك وأما نصبه على المدح فبعيد وأما نصبه بيخشى ففي غاية البعد لأن يخشى رأس آية فاصلة لا يناسب أن يكون تنزيلاً مفعولاً بيخشى * قال الزمخشري: ويجوز أن يكون أنزلناه حكاية لكلام جبريل والملائكة النازلين معه " انتهى " هذا تجويز بعيد بل الظاهر أنه إخبار من الله عن نفسه ممن خلق ومن الظاهر أنها متعلقة بتنزيل ويجوز أن يكون في موضع الصفة فتتعلق بمحذوف وفي قوله ممن خلق التفات إذ فيها خروج من ضمير المتكلم وهو نافي أنزلنا إلى الغيبة والعلا جمع العليا ووصف السماوات بالعلا دليل على عظم قدرة من اخترعها إذ لا يمكن وجود مثلها في علوها من غيره تعالى * قال ابن عطية: ويجوز أن يكون يعني الرحمن بدلاً من الضمير المستتر في خلق " انتهى " أرى أن مثل هذا لا يجوز لأن البدل يحل محل المبدل منه والرحمن لا يمكن أن يحل محل الضمير لأن الضمير عائد على من الموصولة وخلو صلته والرابط هو الضمير فلا يحل محله الظاهر لعدم الرابط * قال الزمخشري: روى جناح بن خنيس عن بعضهم أنه قرأ الرحمن بالكسر صفة لمن خلق ومذهب الكوفيين أن الأسماء النواقص التي لا تتم إلا بصلاتها نحو من وما لا يجوز نعتها إلا الذي والتي فيجوزهم نعتهما فعلى مذهبهم لا يجوز أن يكون الرحمن صفة لمن خلق فالأحسن أن يكون الرحمن بدلاً مِن مَن وقد جرى الرحمن في القرآن مجرى العلم في ولايته العوامل.﴿ لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ ﴾ ما غاية يشمل من يعقل ومن لا وأنه له ملك جميع ما حوت السماوات والأرض.﴿ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ ٱلثَّرَىٰ ﴾ أي تحت الأرض السابعة قاله ابن عباس والخطاب بقوله:﴿ وَإِن تَجْهَرْ ﴾ لرسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهراً والمراد أمّته، ولما كان خطاب الناس لا يتأتى إلا بالجهر بالكلام، جاء الشرط بالجهر وعلق على الجهر علمه بالسر لأن علمه بالسر يتضمن علمه بالجهر، أي: إذا كان يعلم السر فأحرى الجهر كما قال يعلم سركم وجهركم والظاهر ان أخفى أفعل تفضيل أي وأخفى من السر * قال ابن عباس: السر ما تسره إلى غيرك والأخفى ما تخفيه في نفسك.﴿ ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ﴾ الله مبتدأ ولا إله إلا هو الخبر. و ﴿ لَهُ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ ﴾ خبر ثاني ويجوز أن يكون مبتدأ محذوف كأنه قيل من الذي يعلم السر وأخفى فقيل هو الله. و ﴿ ٱلْحُسْنَىٰ ﴾ تأنيث الأحسن وصفة المؤنثة المفردة يجري على جمع التكسير وحسن ذلك كونها وقعت فاصلة والأحسنية كونها تضمنت المعاني التي هي في غاية الحسن من التقديس والتعظيم والربوبية والافعال التي لا يمكن صدورها إلا منه تعالى.﴿ وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ ﴾ مناسبتها لما قبلها أنه لما ذكر تعظيم كتابه وتضمن تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم اتبعه بقصة موسى لتتأسى به في تحمل أعباء النبوة وتكاليف الرسالة * وهل أتاك حديث موسى الآية هذا استفهام تقرير يحث على الإِصغاء لما يلقى إليه وكان من حديثه أنه لما قضى أكمل الأجلين استأذن شعيباً في الرجوع من مدين إلى مصر لزيارة والدته وأخيه فأذن له وقد طالت مدة جنايته بمصر ورجا خفاء أمره فخرج بأهله وماله وكان في فصل الشتاء وأخذ على غير الطريق مخافة ملوك الشام وامرأته حامل ولا يدري أليلاً تضع أم نهاراً فسار في البرية لا يعرف طريقها فألجأه المسير إلى جانب الطور الغربي الأيمن في ليلة مظلمة مثلجة شديدة البرد وأخذ امرأته الطلق فقدح زنده فلم يور والظاهر أن إذ ظرف للحديث لأنه حدث قال لأهله: امكثوا أي أقيموا في مكانكم وخاطب امرأته وولديه والخادم.﴿ إِنِّيۤ آنَسْتُ ﴾ أي أحسست والنار على بعد لا تحس إلا بالبصر فلذلك فسره بعضهم برأيت والايناس أعم من الرؤية لأنك تقول أآنست من فلان خبراً والظاهر أنه رأى ناراً حقيقة ولفظة على هنا على بابها من الاستعلاء ومعناه: أن أهل النار يستعلون المكان القريب منها وانتصب:﴿ هُدًى ﴾ على أنه مفعول له على تقدير محذوف أي ذا هدى وكان قد أضل الطريق فيرجى أن يجد من يهديه إلى الطريق والضمير في أتاها عائد على النار أتاها فإِذا هي مضطرمة في شجرة خضراء يانعة عناب قاله ابن عباس: فكأنه كلما قرب منها تباعدت فإِذا أدبر اتبعته فأيقن أن هذا أمر من أمور الله الخارقة للعادة ووقف متحيراً وسمع من السماء تسبيح الملائكة وألقيت عليه السكينة ونودي وهو تكليم الله إياه ونودي مبني للمفعول وحذف الفاعل للتعظيم ولما كان النداء بمعنى القول كسرت ان بعده فقيل: اني أنا كما يكسر بعد القول الصريح والظاهر أن أمره إياه تعالى بخلع النعلين لعظم الحال التي حصل فيها كما تخلع عند الملوك غاية في التواضع وقيل كانتا من جلد حمار ميت فأمر بطرحهما لنجاستهما وفي الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم" كان على موسى عليه السلام يوم كلمه ربه كساء صوف وجبة صوف وكمة صوف وسراويل صوف وكانت نعلاه من جلد حمار ميت * "قال الترمذي: هذا حديث غريب والكمة القلنسوة الصغيرة لكن أمره بخلعهما لينال بركة الوادي المقدس وتمس قدماه تربته والمقدس المطهر. و ﴿ طُوًى ﴾ اسم علم عليه فيكون بدلاً أو عطف بيان، وقرىء: منوناً لوحظ فيه معنى المكان وغير منون لوحظ فيه معنى البقعة فمنع من الصرف للعلمية والتأنيث وقرىء:﴿ وَأَنَا ٱخْتَرْتُكَ ﴾ فأنا مبتدأ أو اخترتك جملة في موضع الخبر وقرىء: وانا اخترناك أنا وان اسمها واخترناك في موضع الخبر لما يوحى متعلق باستمع وما موصولة بمعنى الذي يوحي وفيه ضمير يعود على ما تقديره يوحي هو * وقال أبو الفضل الجوهري لما قيل لموسى عليه السلام استمع لما يوحى وقف على حجر واستند إلى حجر ووضع يمينه على شماله وألقى ذقنه على صدره ووقف يستمع وكان كل لباسه صوفاً والموحى قوله:﴿ إِنَّنِيۤ أَنَا ٱللَّهُ ﴾ إلى آخر الجمل، جاء ذلك تبييناً وتفسيراً للإِبهام في قوله: لما يوحى ففي الاخبار الأول قال: أنا ربك أي مالكك والناظر في مصلحتك وفي الثاني أنا الله ذكر الاسم العلم المعظم العلم الدال على جميع الصفات العلية والظاهر أن فاعبدني لفظ يتناول ما كلفه به من العبادة وعطف عليه ما قد يدخل تحت ذاك المطلق فبدأ بالصلاة إذ هي أفضل الأعمال وأنفعها في الآخرة والذكر مصدر يحتمل أن يضاف إلى المفعول أي لتذكرني فإِن ذكري أن أعبد ويصلى لي لما ذكر تعالى الأمر بالعبادة وأقام الصلاة. ذكر الحامل على ذلك وهو البعث والمعاد أي الجزاء فقال:﴿ إِنَّ ٱلسَّاعَةَ آتِيَةٌ ﴾ وهي التي يظهر عندها ما عمله الإِنسان وجزاء ذلك إما ثواباً وإما عقاباً.﴿ أَكَادُ أُخْفِيهَا ﴾ أخفي من الأضداد بمعنى الإِظهار وبمعنى السر * قال أبو عبيدة خفيت وأخفيت بمعنى واحد وقد حكاه عن أبي الخطاب وأكاد من أفعال المقاربة لكنها هنا مجاز بالنسبة إلى الله ولتجزى متعلقة بآتية وأكاد أخفيها جملة اعتراض بينهما ويجوز أن يتعلق لتجزى بقوله: أخفيها إذا كان المعنى أظهرها والظاهر أن الضمير في عنها عائد على الساعة والمعنى عن اعتقاد صحتها ووقوعها لا محالة والحشر بعدها والجزاء والظاهر أن الخطاب في فلا يصدنك لموسى عليه السلام ولا يلزم من النهي عن الشىء إمكان وقوعه ممن سبقت له العصمة فينبغي أن يكون له لفظاً وللسامع غيره ممن يمكن وقوع ذلك منه.﴿ وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ ﴾ عطفاً على صلة من.﴿ فَتَرْدَىٰ ﴾ جواب للنهي وأن مقدرة بعد فاء الجواب وتردى علامة النصب فيه فتحة مقدرة في الألف ومثاله في جواب النهي قوله تعالى:﴿ وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ فَيَحِلَّ ﴾[طه: ٨١].
﴿ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰمُوسَىٰ ﴾ علم تعالى في الأول ما هي. وإنما سأله ليريه عظم ما يخترعه عز وعلا في الخشبة اليابسة من قلبها حية تسعى وليقرر في نفسه البعد بين المقلوب عنه والمقلوب إليه وتنبيه على قدرته الباهرة وما استفهام مبتدأ وتلك خبره وبيمينك في موضع الحال كقوله: وهذا بعلي شيخاً والعامل إسم الإِشارة * وقال الزمخشري: ويجوز أن يكون تلك إسماً موصولاً صلته بيمينك ولم يذكر ابن عطية غيره وليس ذلك مذهباً للبصريين وإنما ذهب إليه الكوفيون قالوا: يجوز أن يكون إسم الإِشارة موصولاً حيث يتقدر بالموصول كأنه قيل وما التي بيمينك وعلى هذا فيكون العامل في المجرور محذوفاً كأنه قيل وما التي استقرت بيمينك وفي هذا السؤال وما قبله من خطابه لموسى عليه السلام استئناس عظيم وتشريف كريم.﴿ قَالَ هِيَ عَصَايَ ﴾ قرأ ابن إسحاق والجحدري عصي وهي لغة هذيل * قال الشاعر: يطوف بي غلب في معد   ويضرب بالصلمة في قفينايريد في قفاي.﴿ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا ﴾ التوكؤ على الشىء التحامل عليه في المشي والوقوف ومنه الاتكاء توكأت واتكأت بمعنى واحد.﴿ وَأَهُشُّ ﴾ هش على الغنم يهش بضم الهاء خبط أوراق الشجر لتسقط وهش إلى الرجل يهش بالكسر قاله ثعلب إذا نش وأظهر الفرح به والأصل في هذه المادة الرخاوة يقال: رجل هش وقوم في الجواب مصلحة نفسه في قوله: أتوكأ عليها ثم ثنى بمصلحة رعيته في قوله: وأهش بها على غنمي. و ﴿ مَآرِبُ ﴾ ذكر المفسرون أنها كانت ذات شعبتين ومحجن فإِذا طال الغصن حناه بالمحجن وإذا طلب كسره لواه بالشعبتين وإذا سار ألقاها على عاتقه فعلق بها أدواته من القوس والكنانة والحلاب وإذا كان في البرية وكزها وعرض الزندين على شعبتها وألقى عليها الكساء واستظل وإذا قصر رشاؤه وصله بها وكان يقاتل بها السباع عن غنمه والمآرب الحاجات وعامل المآرب وان كانت جمعاً معاملة الواحدة المؤنثة فاتبعها صفتها في قوله: أخرى ولم يقل أخر رعياً للفواصل وهو جائز من غير الفواصل فكان أجوز وأحسن في الفواصل.﴿ قَالَ أَلْقِهَا ﴾ الظاهر أن القائل هو الله تعالى ومعنى ألقها أطرحها على الأرض.﴿ فَإِذَا هِيَ ﴾ التي للمفاجأة والحية ينطلق على الصغير والكبير والذكر والأنثى والجان الرقيق من الحيات والثعبان العظيم منها ولا ينافي بين تشبيهها بالجان في قوله:﴿ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ ﴾[النمل: ١٠، القصص: ٣١] وبين كونها ثعباناً لأن تشبيهها بالجان هو أول حالها ثم تزيدت حتى صارت ثعباناً أو شبهت بالجان وهي ثعبان في سرعة حركتها واهتزازها مع عظم خلقها قيل كان له عرف كعرف الفرس وصارت شعبتا العصا لها فما وبين لحييها أربعون ذراعاً وعن ابن عباس انقلبت ثعباناً يتبلع الصخر والشجر المحجن عنقاً وعيناها يقدان فلما رأى هذا الأمر العجيب الهائل لحقه ما يلحق البشر عند رؤية الأهوال والمخاوف لا سيما هذا الأمر الذي يذهل العقول ومعنى تسعى تمشي وتنتقل بسرعة وحكمة انقلابها وقت مناجاته تأنيسه بهذا المعجز الهائل حتى يلقيها لفرعون فلا يلحقه ذعر منها في ذلك الوقت إذ قد جرت له بذلك عادة وتدريبه في تلقي تكاليف النبوة ومشاق الرسالة ثم أمره تعالى بالاقدام على أخذها ونهاه عن أن يخاف منها والسيرة من السير وهي الهيئة كالركبة والجلبية يقال سار فلان سيرة حسنة ثم اتسع فيها فتقلب إلى معنى المذهب والطريقة وقيل سير الأولين أي طريقة الأولين وانتصب:﴿ سِيَرتَهَا ﴾ على أنه بدل اشتمال من الضمير المنصوب في سنعيدها أي سنعيد سيرتها الأولى وهي كونها كانت عصا.﴿ وَٱضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ ﴾ الجناح حقيقة في الطائر ثم أطلق على العضد مجاز أو في الكلام حذف إذ لا يترتب الخروج على الضم وإنما يترتب على الإِخراج والتقدير واضمم يدل إلى جناحك ينضم وأخرجها تخرج فحذف من الأول وأبقى مقابله ومن الثاني وأبقى مقابله وهو اضمم لأنه معنى ادخل كما تبين في الآية الأخرى.﴿ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ ﴾ قيل خرجت بيضاء تضيء وتشف كأنها شمس وكان آدم اللون وانتصب بيضاء على الحال. و ﴿ سُوۤءٍ ﴾ الرداءة والقبح في كل شىء وقوله: من غير سوء متعلق ببيضاء لأنه لو قال بيضاء لأوهم ذلك من برص أو بهق وانتصب:﴿ آيَةً ﴾ على الحال * وقال الزمخشري: يجوز أن يكون منصوباً على إضمار خذ ودونك وما أشبه ذلك يحذف لدلالة الكلام كذا قال: " انتهى " * أما تقديره فشائع وأما دونك فلا يسوغ لأنه اسم فعل من باب الإِغراء ولا يجوز حذفه لأنه حذف منه في الأصل العامل فيه وناب منابه فلا يجوز أن يحذف النائب والمنوب منه ولذلك لم يجر مجراه في جميع أحكامه. و ﴿ أُخْرَىٰ ﴾ أي غير الآية الأولى التي هي قلب العصا حية واللام في لنريك لام كي. و ﴿ ٱلْكُبْرَىٰ ﴾ صفة لقوله: آياتنا فوصف الجمع بما يوصف به المفرد ولو كان ذلك في الكلام لكان الوصف مطابقاً في الجمع للموصوف فكان يكون الكبر لكن حسن هذا كون الكبرى فاصلة * قال الزمخشري: لنرينك أي حد هذه الآية أيضاً بعد قلب العصا حية لنريك بهاتين بعض آياتنا الكبرى أو لنريك بهما الكبرى من آياتنا أو لنرينك من آياتنا الكبرى فعلنا ذلك يعني أنه أجاز أن يكون مفعول لنريك الثاني الكبرى أو يكون من آياتنا في موضع المفعول الثاني ويكون الكبرى صفة لآياتنا على حد الأسماء الحسنى ومآرب أخرى مجريان مثل هذا الجمع مجرى الواحدة المؤنثة وأجاز هذين الوجهين من الإِعراب الحوفي وابن عطية وأبو البقاء والذي نختاره أن يكون من آياتنا في موضع المفعول الثاني والكبرى صفة لآياتنا لأنه يلزم من ذلك أن تكون آياته تعالى كلها هي الكبرى لأن ما كان بعض الآيات الكبرى صدق عليه أنه آية الكبرى فإِذا جعلت الكبرى مفعولاً فلا يمكن أن يكون صفة للعصا واليد معاً لأنهما كانا يلزم التثنية في وصفهما وكان يكون التركيب الكبريين ولا يمكن أن يخص أحدهما لأن كلاً منهما فيها معنى التفضيل ويبعد ما قال الحسن من أن اليد أعظم في الإِعجاز من العصا لأنه ذكر عقيب اليد لنريك من آياتنا الكبرى لأنه جعل الكبرى مفعولاً ثانياً لنريك وجعل ذلك راجعاً إلى الآية القريبة وهي إخراج اليد بيضاء من غير سوء وقد ضعف قوله هذا لأنه ليس في اليد إلا تغير اللون وأما العصا ففيها تغير اللون وخلق الزيادة في الجسم وخلق الحياة والقدرة والأعضاء المختلفة وابتلاع الحجر والشجر ثم عادت عصا بعد ذلك فقد وقع التغيير مراراً فكانت أعظم من اليد ولما أراه الله تعالى هاتين المعجزتين العظيمتين في نفسه وفيما يلابسه وهو العصا أمره بالذهاب إلى فرعون رسولاً من عنده تعالى وعلل حكمه الذهاب إليه بقوله: انه طغى وخص فرعون وإن كان مبعوثاً إليهم كلهم لأنه رأس الكفر ومدعي الإِلهية وقومه تباعه.﴿ قَالَ رَبِّ ٱشْرَحْ لِي صَدْرِي ﴾ الآية سأل ربه ورغب في أن يشرح صدره ليحتمل ما يرد عليه من الشدائد التي يضيق لها الصدر * والعقدة استعارة للثقل الذي كان في لسانه خلقة وقيل كان من الجمرة التي أدخلها فاه في قصة حكيت في البحر قال الزمخشري: وفي تنكيره العقدة ولم يقل واحلل عقدة لساني أنه طلب حل بعضها إرادة أن يفهم عنه فهماً جيداً ولم يطلب الفصاحة الكاملة ومن لساني صفة للعقدة كأنه قيل عقدة من عقد لساني " انتهى " يظهر أن من لساني متعلق باحلل لا في موضع الصفة لعقدة وكذا قال الحوفي وأجاز أبو البقاء الوجهين * والوزير المعين القائم بوزر الأمور أي بثقلها فوزير الملك يتحمل عنه أوزاره ومؤنه وقيل من الوزر وهو الملجأ يلتجىء إليه الإِنسان ويجوز أن يكون وزيراً مفعولاً أول والمفعول الثاني من أهلي ويجوز أن يكون هارون مفعولاً أول ووزيراً مفعولاً ثانياً ويجوز في الوجه الأول أن يكون هارون مفعولاً أول ووزيراً مفعولاً ثانياً ويجوز في الوجه الأول أن يكون هارون بدلاً من وزيراً بدل معرفة من نكرة ولا يجوز أن يكون عطف بيان للتخالف لكون وزيراً نكرة وهارون معرفة قال الزمخشري: وإن جعل يعني أخي عطف بيان جاز وحسن " انتهى " يبعد فيه عطف البيان لأن الأكثر أن يكون الأول دونه في الشهرة والأمر هنا بالعكس وقرىء: أشدد بهمزة قطع جواباً لقوله: اجعل وقرىء: بوصل الهمزة وهو طلب من موسى عليه السلام لربه أن يشد أزره به * وأشركه على معنى الدعاء في شد الأزر فكان هارون أكبر من موسى عليه السلام بأربعة أعوام وجعل موسى ما رغب فيه وطلبه من نعم سبباً يلزم فيه العبادة والاجتهاد في أمر الله والتظافر على العبادة والتعاون فيها مثير للرغبة والتزيد من الخير.


الصفحة التالية
Icon