﴿ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً ﴾ أي القيامة لن تخلفه أي لن تستطيع الروغان عنه والحيدة فتزل عن موعد العذاب.﴿ وَٱنظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ ﴾ خاطبه وحده إذ كان هو رأس الضلال وهو ينظر لقولهم لن نبرح عليه عاكفين وأقسم لنحرقنه وهو أعظم فساد الصورة.﴿ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي ٱلْيَمِّ ﴾ حتى تتفرق أجزاؤه فلا تجتمع وانتصب علماً على التمييز المنقول من الفاعل تقديره وسع علمه كل شىء.﴿ كَذٰلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ ﴾ الآية ذلك إشارة إلى نبأ موسى وبني إسرائيل وفرعون أي كقصنا هذا النبأ الغريب نقص عليك من أنباء الأمم السابقة وهذا فيه ذكر نعمة عظيمة وهي الاعلام باخبار الأمم السالفة ليتسلى بذلك ويعلم أن ما صدر من الأمم السالفة لرسلهم وما قامت الرسل منهم والظاهر أن الذكر هنا القرآن امتن تعالى عليه بإِيتائه الذكر المشتمل على القصص والاخبار الدال ذلك على معجزات أوتيها.﴿ مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ ﴾ أي عن القرآن بكونه لم يؤمن به ولم يتبع ما فيه وقرىء: يحمل مضارع حمل وقرىء: يحمل مشدداً والظاهر أنه عبر عن العقوبة بالوزر لأنه سببها ولذلك قال: خالدين فيه أي في العذاب والعقوبة وجمع خالدين والضمير في لهم حملاً على معنى من بعد الحمل على لفظها في أعرض وفي فإِنه يحمل والمخصوص بالذم محذوف تقديره وزرهم ولهم للبيان كهي في هيت لك لا متعلقة بساء وساء هنا التي جرت مجرى بئس لا ساء التي بمعنى أحزن وأهم لفساد المعنى.﴿ يَوْمَ يُنفَخُ ﴾ بدل من يوم القيامة أسند النفخ إلى الآمر به والنافخ هو إسرافيل ولكرامته أسند ما يتولاه إلى ذاته المقدسة * والصور تقدم الكلام عليه في سورة الأنعام والظاهر أن المراد هنا بالزرقة زرقة العيون والزرقة أبغض الألوان للعرب وكانت تتشاءم به.﴿ يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ ﴾ أي يتسارون بينهم لهول المطلع وشدة ذهاب أذهانهم عزب عنهم قدر المدة التي لبثوا فيها.﴿ إِن لَّبِثْتُمْ ﴾ أي في الدار الدنيا أو في البرزخ أو بين النفختين ثلاثة أقوال ووصف ما لبثوا فيه بالقصر.﴿ إِلاَّ يَوْماً ﴾ إشارة لقصر مدة لبثهم وإلا عشراً يحتمل أن يكون عشر ليال أو عشرة أيام لأن المذكر إذا حذف وأبقى عدده قد لا يأتي بالتاء وحكى الكسائي عن أبي الجراح صمنا من الشهر خمساً يريد خمسة أيام وما جاء ثم اتبعه بست من شوال يريد ستة أيام وحسن الحذف هنا كون ذلك فاصله رأس آية ذكر أولاً منتهى أقل العدد وهو العشر وذكر أعد لهم طريقة أقل العدد وهو اليوم الواحد ودل ظاهر قوله إلا يوماً على أن المراد بقولهم عشراً عشرة أيام * وضمير الغائب في ويسئلونك عائد على قريش منكري البعث والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم والظاهر وجود السؤال وكأنه تضمن معنى الشرط ولذلك دخلت الفاء في قوله: فقل بخلاف السؤالات في القرآن فليس فيها الفاء بل لفظ قل وروي أن الله تعالى يرسل على الجبال ريحاً فتدكدكها حتى تكون كالعهن المنفوش ثم تتوالى عليها حتى تعيدها كالهباء المنبث فذلك هو النسف والظاهر عود الضمير في فيذرها على الجبال أي بعد النسف تبقى قاعاً أي مستوياً من الأرض معتدلاً.﴿ عِوَجاً ﴾ قال ابن عباس: ميلاً.﴿ وَلاۤ أَمْتاً ﴾ أثراً مثل الشراك.﴿ يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِيَ ﴾ التنوين فيه للعوض من الجملة المحذوفة التقدير يوم إذ ينسف الله الجبال.﴿ يَتَّبِعُونَ ﴾ أي الخلائق داعي الله إلى المحشر نحو قوله: مهطعين إلى الداع وهو إسرافيل يقوم على صخرة بيت المقدس يدعو الناس فيقبلون من كل جهة يضع الصور في فيه ويقول أيتها العظام البالية والجلود المتمزقة واللحوم المتفرقة هلم إلى العرض على الرحمن والظاهر أن الضمير في له عائد على الداعي نفي عنه العوج أي لا عوج له غاية بل يسمع جميعهم فلا يميل إلى ناس دون ناس.﴿ وَخَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ ﴾ هو على حذف مضاف أي أصحاب الأصوات * والهمس الصوت الخفي.﴿ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ﴾ هو على حذف مضاف تقديره إلا شفاعة من أذن له الرحمن أي في الشفاعة ومن في موضع رفع بدلاً من قوله الشفاعة على حذف المضاف الذي قلناه.﴿ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً ﴾ هو لا إله إلا الله قاله ابن عباس: والظاهر أن الضمير في أيديهم وما خلفهم عائد على الخلق المحشورين وهم متبعو الداعي والضمير في به عائد على الله أي لا يحيط علم أحد بالله إذ ليس داخلاً تحت تحديد وعلماً تمييز منقول من الفاعل أي ولا يحيط علمهم به والظاهر عموم الوجوه أي وجوه الخلائق وخص الوجوه لأن آثار الذل إنما تظهر أولاً في الوجوه.﴿ ٱلْقَيُّومِ ﴾ تقدم الكلام عليه في البقرة.﴿ وَقَدْ خَابَ ﴾ أي لم ينجح ولم يظفر بمطلوبه والظلم يعم الشرك والمعاصي وخيبة كل حامل بقدر ما حمل من الظلم.﴿ وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ ﴾ من للتبعيض.﴿ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ﴾ جملة في موضع الحال وقرىء: فلا يخاف على الخبر والتقدير فهو لا يخاف فهو مبتدأ ولا يخاف جملة في موضع الخبر وقرأ ابن محيصن وحميد فلا يخف على النهي والهضم نقص من الحسنات قاله ابن عباس: * وكذلك عطف على كذلك نقص أي ومثل ذلك الإِنزال أو كما أنزلنا عليك هذه الآيات المتضمنة الوعيد أنزلنا القرآن كله على هذه الوتيرة.﴿ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ أي يتخذون وقاية من وعيد الله بالعذاب.﴿ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً ﴾ عظة بما حل بالأمم السالفة.﴿ فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ ﴾ لما كان فيما سبق تعظيم القرآن في قوله وقد آتيناك من لدنا ذكراً وكذلك أنزلناه قرآناً عربياً ذكر عظم منزله تعالى ثم ذكر هاتين الصفتين وهي صفة الملك التي تضمنت القهر والسلطنة والحق وهي الصفة الثابتة له.﴿ وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْآنِ ﴾ أي تأن حتى يفرغ الملقى إليك الوحي ولا تساوق في قراءتك قراءته والقاه كقوله تعالى:﴿ لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ﴾[القيامة: ١٦].
﴿ وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىٰ ءَادَمَ ﴾ الآية، لما تقدّم كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق كان من هذه الأنباء قصة آدم عليه السلام ليتحفظ بنوه من وسوسة الشيطان وعهده نهيه عن قربان تلك الشجرة وأكله منها والظاهر أن النسيان هنا الترك أي ترك ما وصى به من الاحتراس عن الشجرة وأكل ثمرتها والعزم التصميم والمضي.﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ ﴾ الآية وأبى جملة مستأنفة مبنية أن امتناعه من السجود إنما كان عن إباء منه وامتناع، الظاهر حذف متعلق أي وأنه يقدر هنا ما صرح به في الاية الأخرى أي أن يكون من الساجدين وهذا إشارة إلى إبليس وعدو يطلق على الواحد والمثنى والمجموع عرف تعالى آدم عداوة إبليس له ولزوجه ليحذراه فلم يغن الحذر من القدر.﴿ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا ﴾ الظاهر أنه نهي لإِبليس عن إخراجهما والمعنى أنه لا تتعرضا لمخالفتكما إياي بالقربان والأكل فيخرجكم من الجنة فاقتصر بقوله فتشقى على شقاء آدم فقط لأن زوجته تابعة له ولأن لكلمة رأس آية.﴿ إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَىٰ ﴾ لما كان الشبع والري والكسوة والكن هي الأمور الضرورية للإِنسان اقتصر عليها لكونها كافية له وما أحسن المقابلة في هذه الأربعة فقابل الجوع بخلو الباطن والتعري بخلو الظاهر والظمأ بإِحراق الباطن والصخو بإِحراق الظاهر فقابل الخلو بالخلو والإِحراق بالإِحراق وأورد ذلك مورد النفي وقرىء: وإنك معطوفاً على أن لا تجوع وقرىء: وإنك على الاستئناف أو عطفاً على أن لك وتقدم الكلام في فوسوس وتعدى وسوس هنا بإِلى وفي الأعراف باللام فالتعدي إلى معناه أنهى الوسوسة إليه والتعدي بلام الجر قيل معناه لأجله ولما وسوس إليه ناداه باسمه ليكون أقبل عليه وأمكن للاستماع ثم عرض عليه ما يلقى بقوله:﴿ هَلْ أَدُلُّكَ ﴾ على سبيل الاستفهام الذي يشعر بالنصح ويؤثر قبول من يخاطبه كقول موسى لفرعون: هل لك إلى تزكى وهو عرض فيه مناصحة وكان آدم صلى الله عليه وسلم قدر عنه الله في دوام الراحة وانتظام المعيشة بقوله تعالى: ﴿ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا ﴾ الآية ورغبة إبليس في دوام الراحة وانتظام المعيشة بقوله: هل أدلك فجاءه إبليس من الجهة التي رغبه الله تعالى فيها وفي الأعراف ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة الآية وهنا هل أدلك والجمع بينهما أن قوله هل أدلك يكون سابقاً على قوله: ما نهاكما لما رأى إصغاءه وميله إلى ما عرض عليه انتقل إلى الاخبار والحصر ومعنى عن شجرة الخلد أي الشجرة التي من أكل منها خلد وحصل له ملك لا يخلق.﴿ وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ ﴾ قال القاضي أبو بكر بن العربي: لا يجوز لأحدنا اليوم أن يخبر بذلك عن آدم صلى الله عليه وسلم إلا إذا تلاه في أثناء كلامه تعالى أو قول نبيه صلى الله عليه وسلم فأما أن نبتدىء ذلك من قبل أنفسنا فليس بجائز لنا في أبائنا الأدنين لنا المماثلين لنا فكيف بأبينا الأقدم الأعظم الأكرم البني المقدم الذي اجتباه الله تعالى تاب عليه وغفر له والضمير في اهبطا ضمير تثنية وهو أمر لآدم وحواء وجعل هبوطهما عقوبتهما جميعاً حال منهما وبعضكم لبعض جملة حالية.﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي ﴾ الذكر يقع على القرآن وعلى سائر الكتب الإِلهية * وضنكاً مصدر يوصف به المذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والمجموع والمعنى النكد الشاق من العيش والمنازل ومواطن الحرب وغيرها والظاهر أن قوله:﴿ أَعْمَىٰ ﴾ المراد به عمى البصر كما قال تعالى:﴿ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْياً ﴾[الإسراء: ٩٧].
﴿ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِيۤ أَعْمَىٰ ﴾ سأل العبد ربه عن السبب الذي استحق به أن يحشر أعمى لأنه جهله فظن أنه لا ذنب له فقال له جل ذكره:﴿ كَذٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذٰلِكَ ٱلْيَوْمَ تُنْسَىٰ ﴾ أي مثل ذلك فعلت أنت ثم فسر بأن آياتنا أتتك واضحة مستنيرة فلم تنظر إليها بعين المعتبر ولم تتبصر وتركتها وعميت عنها فكذلك اليوم نتركك على عماك ولا نزيل غطاءه عن عينيك والنسيان هنا بمعنى الترك لا بمعنى الذهول ومعنى تنسى تترك في العذاب.


الصفحة التالية
Icon