﴿ هَيْهَاتَ ﴾ اسم فعل لا يتعدى برفع الفاعل ظاهراً أو مضمراً مثال رفع الظاهر قول الشاعر: فهيهات العقيق وأهله وهيهات خل بالعقيق نواصلهومثال المضمر قوله في هذه لآية هيهات هو أي إخراجكم وفي هيهات لغات قال الزمخشري: فمن نونه نزله منزلة المصدر إلى آخره " انتهى " ليس هذا بواضح لأنهم قد نونوا أسماء الأفعال ولا نقول انها إذا نونت تنزلت منزلة المصدر * قال ابن عطية طوراً تلى الفاعل دون لام تقول هيهات مجيء زيد أي بعد وأحياناً يكون الفاعل محذوفاً وذلك عند اللام كهذه الآية التقدير بعد الوجود لما توعدون " انتهى " هذا ليس بجيد لأن فيه حذف الفاعل وفيه أنه مصدر حذف وأبقى معمولة ولا يجيز البصريون شيئاً من هذا وقالوا ان هي إن نافية وهي مبتدأ معناه أن الحياة إلا حياتنا الخبر ففسر الضمير بسياق المعنى * افترى نسبوه إلى افتراء الكذب على الله تعالى في أنه نبأه وأرسله إلينا وأخبره أنا نبعث.﴿ وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ أي بمصدقين والضمير في قائل عائد على الرب.﴿ عَمَّا قَلِيلٍ ﴾ ما زائدة للتوكيد وقليل نعت لمنعوت محذوف تقديره عن زمان قليل وعن تحتمل وجهين أحدهما أن تتعلق بفعل محذوف تقديره عما قليل أنصرك والثاني أن يكون متعلقاً بيصبحن وفيه دليل على أن ما بعد اللام المتلقى به القسم يجوز أن يتقدّم على اللام تقول والله لأضربن زيداً فيجوز تقديم المفعول على اللام فيقول: والله زيداً لأضربن ونادمين خبر ليصبحن والصيحة تقدّم الكلام عليها وشبههم في هلاكهم بالغثاء وهو حميل السيل ما بلي واسود من الورق والعيدان * وانتصب بعد الفعل متروك إظهاره أي بعد وأبعدا أي هلكوا هلاكاً والقوم الظالمون بيان لمن دعا عليه بالبعد.﴿ ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ ﴾ قال ابن عباس: هم بنو إسرائيل.﴿ مَا تَسْبِقُ ﴾ إلى آخر الآية تقدّم الكلام عليه في الحجر.﴿ ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا ﴾ أي لأمم آخرين أنشأناهم بعد أولئك والتاء الأولى في تترى بدل من الواو وأصله وقرىء: كما أبدلوا التاء من الواو في تخمة أصله وخمة ووزن الكلمة فعلى قرىء: منوناً فتكون الألف فيه للإِلحاق كهي في أرطا منوناً وقرىء: بغير تنوين فتكون الألف للتأنيث اللازمة كهي في أرطى في لغة من لم ينون. وانتصب على الحال أي متواترين واحداً بعد واحد وأضاف الرسل إليه تعالى وأضاف رسولاً إلى ضمير الأمة المرسل إليها لأن الإِضافة تكون بالملابسة والرسول يلابس المرسل والمرسل إليه فالأول كانت الإِضافة لتشريف الرسل والثاني كانت الإِضافة إلى الأمة حيث كذبته فلم ينجح فيهم إرساله إليهم فناسب الإِضافة إليهم.﴿ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضاً ﴾ في الهلاك الناشىء عن التكذيب.﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ ﴾ الظاهر أنه جمع أحدوثة وهو ما يتحدث به الناس على جهة الغرابة والتعجب، قال الزمخشري: الأحاديث يكون اسم جمع للحديث ومنه أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاعيل ليس من أبنية اسم الجمع وإنما ذكره أصحابنا فيما شذ من الجموع كقطيع وأقاطيع وإذا كان عباديد قد حكموا عليه بأنه جمع تكسير لا اسم جمع وهو لم يلفظ له بواحد وهو حديث فالصحيح أنه جمع تكسير لما ذكرنا.﴿ بِآيَاتِنَا ﴾ قال ابن عباس: هي التسع * والسلطان المبين قيل هي العصا واليد وهما اللتان اقترن بهما التحدي.﴿ قَوْماً عَالِينَ ﴾ أي رفيعي الحال في الدنيا.﴿ وَقَوْمُهُمَا ﴾ أي بنو إسرائيل.﴿ لَنَا عَابِدُونَ ﴾ أي خاضعون متذللون.﴿ مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ ﴾ أي قوم موسى والكتاب التوراة ولذلك عاد الضمير على ذلك المحذوف في قولهم لعلهم ولا يصح عود هذا الضمير في لعلهم على فرعون وقومه لأن الكتاب لم يؤته موسى إلا بعد هلاك بشرائعها ومواعظها.﴿ وَجَعَلْنَا ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ ﴾ أي قصتهما وهي آية عظمى بمجموعهما وهي آيات مع التفصيل * والربوة هنا قال ابن عباس: الغوطة بدمشق وصفتها أنها ذات قرار ومعين على الكمال.﴿ وَإِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ ﴾ تقدم تفسيرها في الأنبياء ويدل على أن النداء للرسل نودي كل واحد منهم في زمانه بقوله: وإن هذه أمتكم وقوله: فتقطعوا، وجاء هنا فاتقون، وهي أبلغ في التخويف والتحذير من قوله في الأنبياء: فاعبدون، لأن هذه جاءت عقب إهلاك طوائف كثيرين قوم نوح والأمم الذين من بعدهم وفي الأنبياء وان تقدمت أيضاً قصة نوح وما قبلها فإِنه جاء بعدها ما يدل على الإِحسان واللطف التام في قصة أيوب ويونس وزكريا ومريم فناسب الأمر بالعبادة لمن هذه صفته تعالى وجاء هنا فتقطعوا بالفاء إيذاناً أن التقطيع اعتقب الأمر بالتقوى وذلك مبالغة في عدم قبولهم ونفارهم عن توحيد الله وعبادته وجاء في الأنبياء بالواو فاحتمل معنى الفاء واحتمل تأخر تقطعهم عن الأمر بالعبادة وفرح كل حزب بما لديه دليل على تعمقه في ضلاله وأنه هو الذي ينبغي أن يعتقد وكأنه لا ريب عنده في أنه الحق.﴿ غَمْرَتِهِمْ ﴾ هذا وعيد لهم حيث تقطعوا في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقائل هو شاعر وقائل ساحر وقائل به جنة كما تقطع من قبلهم الأمم والغمرة الماء الذي يغمر القامة فضرب مثلاً لما هم مغمورون فيه من جهلهم.﴿ حَتَّىٰ حِينٍ ﴾ ينزل بهم الموت وما في قوله: إنما موصولة بمعنى الذي وهي اسم ان وصلتها نمدهم والضمير في به عائد على ما الموصولة. و ﴿ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ ﴾ تبيين وتوضيح لما أنبهم في ما الموصولة وخبر أن قوله:﴿ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي ٱلْخَيْرَاتِ ﴾ والمعنى نسارع لهم به وحذف لطول الكلام ودلالة به الأول عليه.﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ ﴾ لما فرغ من ذكر الكفرة وتوعدهم عقب ذلك بذكر المؤمنين ووعدهم وذكرهم بأبلغ صفاتهم والاشفاق أبلغ التوقع والخوف.﴿ أُوْلَـٰئِكَ يُسَارِعُونَ ﴾ مبتدأ وخبر والجملة خبر ان. و ﴿ وَلاَ نُكَلِّفُ نَفْساً ﴾ تقدّم الكلام عليه في البقرة.﴿ وَلَدَيْنَا كِتَابٌ ﴾ أي كتاب فيه إحصاء أعمال الخلق مشيراً إلى الصحف التي يقرؤون فيها ما ثبت لهم.﴿ بَلْ قُلُوبُهُمْ ﴾ أي قلوب الكفار في ضلال قد غمرها كما يغمر الماء.﴿ مِّنْ هَـٰذَا ﴾ أي من هذا العمل الذي وصف به المؤمنون.﴿ مِّن دُونِ ذٰلِكَ ﴾ أي من دون الغمرة والضلال المحيط بهم والمعنى: أنهم ضالون معرضون عن الحق وهم مع ذلك لهم سعايات فساد فوصفهم الله تعالى بحالتي شر والضمير في اذاهم عائد على مترفيهم وإذا الفجائية جواب لإِذا الشرطية يجأرون يجزعون عبر عن الصراخ بالجزع إذ الجزع بسببه.﴿ إِنَّكُمْ مِّنَّا لاَ تُنصَرُونَ * قَدْ كَانَتْ آيَاتِي ﴾ هي آيات القرآن.﴿ تَنكِصُونَ ﴾ ترجعون استعارة للإِعراض عن الحق والضمير في به عائد على المصدر الدال عليه تنكصون أي بالنكوص والتباعد عن سماع الآيات لأنها في معنى الكتاب وضمن مستكبرين معنى مكذبين فعدي بالباء أو تكون الباء للسبب أي يحدث لكم بسبب سماعه استكبار وعتو.﴿ سَامِراً ﴾ السامر مفرد بمعنى الجمع يقال: قوم سامر وسمر ومعناه سمر الليل مأخوذ من السمر وهو ما يقع على الشجر من ضوء القمر وكانوا يجلسون للحديث في ضوء القمر والسمير الرفيق بالليل في السمر ويقال له السمار أيضاً ويقال لا أفعله ما سمر ابنا سمير والسمير الدهر وابناه الليل والنهار وكانوا يسمرون حول البيت بذكر القرآن وغيره وقرىء: تهجرون بفتح التاء وضم الجيم قال ابن عباس: تهجرون الحق وذكر الله وتقطعونه من الهجر وقرىء: تهجرون بضم التاء وكسر الجيم مضارع أهجر وهو الفحش وفي قراءة التاء التفات من غيبة إلى خطاب وقرىء: بالياء فلا التفات.﴿ أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ ٱلْقَوْلَ ﴾ ذكر تعالى توبيخهم على إعراضهم عن اتباع الحق، والقول القرآن الذي أتى به محمد صلى الله عليه وسلم قرعهم أولاً بترك الانتفاع بالقرآن ثم ثانياً بأن ما جاءهم جاء آباءهم الأولين ثم ثالثاً بأنهم يعرفون محمداً صلى الله عليه وسلم وصحة نسبه وأمانته وصدقه ثم رابعاً نسبوه إلى الجن وقد علموا أنه أرجحهم عقلاً وأثقبهم ذهناً.﴿ وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ ﴾ أوقع التناقص باختلاف أهوائهم واضطرابها واختل نظام العالم بذكرهم أي بوعظهم والبيان لهم.﴿ أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً ﴾ هذا استفهام توبيخ أيضاً المعنى بل أتسألهم مالاً فقلقوا لذلك واستثقلوك من أجله وتقدم الكلام على قوله: خرجا في آخر الكهف ولما زيف طريقة الكفار اتبع ذلك ببيان صحة ما جاء به الرسول فقال: وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم وهو دين الإِسلام ثم أخبر أن من أنكر المعاد ناكب عن هذا الصراط لأنه لا يسلكه إلا من كان راجياً للثواب خائفاً من العقاب وهؤلاء غير مصدقين بالجزاء فهم مائلون عنه * من ضر وقيل هو الأسر بالعذاب قيل هو الأسر والقتل.﴿ بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ ﴾ روي" أنه لما أسلم ثمامة بن أثال الحنفي ولحق باليمامة منع الميرة من أهل مكة فأخذهم الله بالسنين حتى أكلوا العلهز فجاء أبو سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: أنشدك الله والرحم ألست تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين فقال: بلى، فقال: قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع "فنزلت الآية:﴿ مُبْلِسُونَ ﴾ أي آيسون من الشر الذي نالهم.﴿ وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنْشَأَ لَكُمُ ﴾ الآية، تقدم الكلام على نظيرها.﴿ مَّا تَشْكُرُونَ ﴾ ما زائدة للتأكيد.﴿ بَلْ قَالُواْ ﴾ بل إضراب أي ليس لهم عقل ولا نظر في هذه الآيات بل قالوا والضمير لأهل مكة ومن جرى مجراهم في إنكار البعث مثل ما قال آباؤهم عاد وثمود ومن يرجعون إليهم من الكفار.﴿ قُل لِّمَنِ ٱلأَرْضُ ﴾ لما اتخذوا من دونه آلهة ونسبوا إليه الولد نبههم على فرط جهلهم بكونهم مقرين بأنه تعالى له الأرض ومن فيها ملك له وأنه رب العالم العلوي وأنه مالك كل شىء وهم مع ذلك ينسبون إليه الولد ويتخذون له شركاء * قوله لله جواب مطابق لقوله: لمن الأرض كما تقول: لمن الدار فتقول لزيد:﴿ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ﴾ الثاني والثالث بلفظ الجلالة مرفوعاً وكذا هو في مصاحف أهل الحرمين والكوفة والشام وقرىء: لله فيهما بلام الجر فالقراءة الأولى فيها المطابقة لفظاً ومعنى والثانية جاءت على المعنى لأن قولك من رب هذا ولمن هذا في معنى واحد ولم يختلف في الأول أنه باللام وختم كل سؤال بما يناسبه فختم ملك الأرض ومن فيها بالتذكر أي أفلا تذكرون فتعلمون أن من له ملك الأرض ومن فيها حقيق أن لا يشرك به بعض خلقه في الربوبية وختم ما بعدها بالتقوى وهي أبلغ من التذكر وفيها وعيد شديد أي أفلا تخافونه فلا تشركون به وختم ما بعد هذه بقوله:﴿ فَأَنَّىٰ تُسْحَرُونَ ﴾ مبالغة في التوبيخ بعد إقرارهم والتزامهم ما يقع عليهم به الاحتجاج وأنى بمعنى كيف قرر أنهم مسحورون وسألهم عن الهيئة التي سحروا بها أي كيف تخدعون عن توحيده وطاعته والسحر هنا مستعار وهو تشبيه لما يقع منهم من التخليط ووضع الأفعال والأقوال غير مواضعها بما يقع من المسحور عبر عنهم بذلك.﴿ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ فيما ينسبون إليه من اتخاذ الولد والشركاء وغير ذلك مما هم فيه كاذبون ثم نفى اتخاذ الولد وهو نفي استحالة ونفي الشريك بقوله: وما كان معه من إله، أي: وما كان معه شريك في خلق العالم واختراعهم ولا في غير ذلك مما يليق فه من الصفات العلى فنفي الولد تنبيه على من قال الملائكة بنات الله ونفي الشريك في الألوهية تنبيه على من قال: الأصنام آلهة. و ﴿ مِنْ إِلَـهٍ ﴾ نفي عام يفيد استغراق الجنس ولهذا جاء.﴿ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ ﴾ ولم يأتي التركيب إذ الذهب الإِله * ومعنى لذهب أي لا نفرد كل إله بخلقه الذي خلق واستبد به وتميز كل ملك واحد عن ملك الآخر وغلب بعضهم بعضاً كحال ملوك الدنيا وإذا لم يقع الإِنفراد والتغالب فاعلموا أنه إله واحد واذن لم يتقدمه في اللفظ شرط ولا سؤال سائل ولا عدة قالوا: فالشرط محذوف تقديره ولو كان معه إله وإنما حذفت لدلالة قوله: وما كان معه من إله عليه وهذا قول الفراء زعم انه إذا جاء بعدها اللام كانت لو وما دخلت عليه محذوفة وقد قررنا تخريجه لها على غير هذا في وإذا لاتخذونك خليلاً في سورة سبحان والظاهر أن ما في خلق بمعنى الذي * وقال الإِمام فخر الدين محمد بن عمر الرازي في تقرير استحالة وجود إلهين ما نصه لو فرضنا موجودين واجبي الوجود لذاتهما فلا بد أن يشتركا في الوجود ولا بد أن يمتاز كل واحد منهما عن الآخر بعينه وما به الاشتراك غير ما به الممايزة فيكون كل واحد مشاركاً للآخر وكل مركب يفتقر إلى آخر ممكن لذاته فاذن واجب الوجود لذاته ممكن الوجود لذاته هذا خلف فاذن ليس واجب الوجود إلا واحداً وكل ما عداه محدث " انتهى ".﴿ سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ تنزيه عن الولد والشريك.