﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * طسۤ تِلْكَ آيَاتُ ٱلْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾ هذه السورة مكية بلا خلاف * ومناسبة أول هذه السورة لآخر ما قبلها واضحة لأنه قال وما تنزلت به الشياطين وقبله وأنه لتنزيل رب العالمين وقال هنا طس تلك آيات القرآن أي الذي هو تنزيل رب العالمين وأضاف الآيات إلى القرآن والكتاب المبين على سبيل التفخيم لها والتعظيم لأن المضاف إلى العظيم عظيم والمبين تقدّم الكلام عليه.﴿ هُدًى ﴾ قيل إلى الجنة.﴿ وَبُشْرَىٰ ﴾ بالثواب ولما كان الإِيقان بالآخرة مما هو ثابت عندهم مستقر الديمومة جاءت الجملة إسمية وأكد المسند إليه فيها بتكراره فقيل:﴿ هُمْ يُوقِنُونَ ﴾ وجاء خبر المبتدأ أفعلاً ليدل على الديمومة واحتمل أن تكون تلك الجملة استئناف اخبار * قال ابن عطية: والأخسرون جمع أخسر لأن أفعل صفة لا يجمع إلا أن يضاف فيقوى ويثبت في الأسماء وفي هذا نظر " انتهى " لا نظر في كونه يجمع جمع سلامة أو جمع تكسير إذا كان بال بل لا يجوز فيه إلا ذلك إذا كان قبله ما يطابقه في الجمعية فتقول الزيدون هم الأفضلون والأفاضل والهندات هن الفضليات والفضل وأما قوله لا يجمع إلا أن يضاف فلا يتعين إذ ذاك جمعه بل إذا أضيف إلى نكرة فلا يجوز جمعه وإن أضيف إلى معرفة جاز فيه الجمع والإِفراد على ما قرر ذلك في كتب النحو.﴿ وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلْقُرْآنَ ﴾ لما تقدّم تلك آيات القرآن خاطب نبيه عليه الصلاة والسلام بقوله: وإنك أي هذا القرآن الذي تلقيته هو من عند الله وهو الحكيم العليم لا كما ادعاه المشركون من أنه إفك وأساطير وكهانة وشعر وغير ذلك من تقولاتهم وبني الفعل للمفعول وحذف الفاعل وهو جبريل عليه السلام للدلالة عليه في قوله:﴿ نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ ﴾[الشعراء: ١٩٣] ولقي مخفضاً يتعدى إلى واحد والتضعيف فيه للتعدية فيتعدى به إلى اثنين وكأنه كان غائباً عنه فلقيه فتلقاه. و ﴿ إِذْ قَالَ مُوسَىٰ ﴾ تقدم الكلام عليه.﴿ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ ﴾ على الإِضافة وبشهاب منوناً قبس بدلاً منه والظاهر أن الضمير في جاءها عائد على النار ونودي المفعول الذي لم يسم فاعله ضمير عائد على موسى عليه السلام وان على هذا يجوز أن تكون مفسرة لوجود شرطها ويجوز أن تكون مصدرية إما الثنائية التي تنصب المضارع وبورك صلة لها والأصل حرف الجر أي بأن بورك وبورك الخبر وإما المخففة من الثقيلة وأصلها بحرف الجر ومن مفعول لم يسم فاعله قال الزمخشري فإِن قلت هل يجوز أن تكون يعني أن في قوله ان بورك المخففة من الثقيلة وتقديره أنه بورك والضمير ضمير الشأن والقصة قلت لا لأنه لا بد من قد فإِن قلت فعلى إضمارها قلت لا يصح لأنها علامة ولا تحذف " انتهى " يجوز أن تكون المخففة من الثقيلة وبورك فعل دعاء كما تقول بارك الله فيك وإذا كان دعاء لم يجز دخول قد عليه فيكون كقوله تعالى: والخامسة إن غضب الله عليها في قراءة من جعله فعلاً ماضياً وكقول العرب إما أن جزاك الله خيراً وإما أن يغفر الله لك وكان الزمخشري بنى ذلك على أن بورك خبر لادعاء فلذلك لم يجز أن تكون المخففة من الثقيلة. و ﴿ مَن فِي ٱلنَّارِ ﴾ موسى عليه السلام ومن حولها هم الملائكة وجعلت النار ظرفاً له عليه السلام. لما كان طالباً لها وجائياً إليها والظاهر أن الضمير في أنه ضمير الشأن. و ﴿ أَنَا ٱللَّهُ ﴾ جملة في موضع الخبر. و ﴿ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ ﴾ صفتان قال الزمخشري: يجوز أن يكون الضمير في أنه راجعاً إلى ما دل عليه ما قبله يعني مكلمك أنا والله بيان لأنا والعزيز الحكيم صفتان للبيان " انتهى " إذا حذف الفاعل وبني الفعل للمفعول فلا يجوز أن يعود الضمير على ذلك المحذوف إذ قد غير الفعل عن نائبه له وعزم على أن لا يكون محدثاً عنه فعود الضمير إليه مما ينافي ذلك إذ قد يصير معنى به مقصوداً.﴿ وَأَلْقِ عَصَاكَ ﴾ تقدم الكلام عليه وهنا شبهها حالة اهتزازها بالجان قيل وهو صغار الحيات شبهها بها في سرعة اضطرابها وحركتها مع عظم جثتها * ولما رأى موسى عليه السلام هو الأمر الهائل.﴿ وَلَّىٰ مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ ﴾ أي لم يرجع.﴿ إِلاَّ مَن ظَلَمَ ﴾ إستثناء منقطع والمعنى لكن من ظلم من غيرهم.﴿ وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ ﴾ تقدم الكلام عليه.﴿ فِي تِسْعِ آيَاتٍ ﴾ أي في جملة تسع آيات وتقدم الكلام على الآيات في الأعراف.﴿ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ ﴾ أي ذاهباً إلى فرعون.﴿ وَجَحَدُواْ بِهَا ﴾ ضمن جحدوا معنى كفروا فلذلك عداه بالباء وانتصب.﴿ ظُلْماً ﴾ على أنه مفعول من أجله والعامل فيه جحدوا.﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً ﴾ هذا ابتداء قصص وإخبار بمغيبات وغير منكر علماً لأنه طائفة من العلم * ومنطق الطير استعاره لما يسمع منها من الأصوات وهو حقيقة في بني آدم لما كان سليمان يفهم منه ما يفهم من كلام بني آدم كما يفهم بعض الطير من بعض أطلق عليه منطق.﴿ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ ﴾ ظاهره العموم المراد الخصوص أي من كل شىء يصلح لنا ونتمناه وأريد به كثرة ما أوتي فكأنه مستغرق لجميع الأشياء.﴿ فَهُمْ يُوزَعُونَ ﴾ يحشر أولهم على آخرهم أي يوقفوا متقدمو العسكر حتى يأتي آخرهم فيجتمعون لا يتخلف منهم أحد وذلك للكثرة العظيمة.﴿ حَتَّىٰ إِذَآ أَتَوْا ﴾ هذه غاية لشىء مقدر أي وساروا حتى إذا أتوا أو يضمن يوزعون معنى فعل يقتضي أن تكون حتى غاية له أي فهم يسيرون منكوفاً بعضهم من مفارقة بعض وعدي أتوا بعلى أما لأن إتيانهم كان من فوق واما أن يراد قطع الوادي وبلوغ آخره من قولهم أتى على الشىء إذا أتى على آخره وأنفذه وذكروا اختلافاً كثيراً في صغر هذه النملة وكبرها وفي اسمها العلم ما لفظه وليت شعري من الذي وضع لفظاً يحضها أبنو آدم أم النمل وقالوا كانت نملة عرجاء ولحوق التاء في قالت لا يدل على أن النملة مؤنثة بل يصح أن يقال في المذكر قالت نملة لأن نملة وإن كانت بالتاء وهو مما لا يتميز فيه المذكر من المؤنث وما كان كذلك كالنملة والقملة مما بينه في الجمع وبين واحده من الحيوان تاء التأنيث فإِنه يخبر عنه إخبار المؤنث ولا يدل كونه يخبر عنه إخبار المؤنث على أنه ذكر أو أنثى لأن التاء دخلت فيه للفرق لا دالة على التأنيث الحقيقي بل دالة على الواحد من هذا الجنس والضمير في أدخلوا ضمير جمع من يعقل وكذلك ضمير الخطاب في مساكنكم لما كان النمل قابلاً لفعل ما أمروا به نزلوا منزلة جمع من يعقل ووادي النمل قيل بالشام وقيل بأقصى اليمن وفي الكلام حذف تقديره فسمع سليمان قولها:﴿ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ ﴾ أي اجعلني أزع شكر نعمتك وارتبطه حتى لا ينفلت مني حتى لا أنفك شاكراً لك.﴿ وَتَفَقَّدَ ٱلطَّيْرَ فَقَالَ مَالِيَ لاَ أَرَى ٱلْهُدْهُدَ ﴾ الآية الظاهر أنه تفقد جميع الطير وذلك بحسب ما تقتضيه العناية بأمور الملك والاهتمام بالرعايا قيل وكان يأتيه من كل صنف واحد وفي الكلام حذف تقديره ففقد الهدهد حين تفقد الطير.﴿ أَمْ ﴾ هنا هي المنقطعة تتقدّر ببل والهمزة ودل قوله من الغائبين أنه كان في عسكر سليمان من كان يغيب عنه.


الصفحة التالية
Icon