﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * طسۤمۤ * تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ ﴾ الآية هذه السورة مكية كلها وقيل غير ذلك * ومناسبة أول هذه السورة لآخر ما قبلها أنه تعالى أمر نبيه بحمده ثم قال سيريكم آياته وكان مما فسر به آياته تعالى معجزات الرسول عليه الصلاة والسلام وأنه أضافها تعالى إليه إذ كان هو المجري بها على يديه فقال: تلك آيات الكتاب المبين فأضافها إلى الكتاب إذ الكتاب هو أعظم المعجزات وأكثر الآيات البينات والكتاب هو القرآن.﴿ نَتْلُواْ ﴾ أي نقرأ عليك بقراءة جبريل عليه السلام ومفعول نتلو.﴿ مِن نَّبَإِ ﴾ أي بعض نبأ. و ﴿ بِٱلْحَقِّ ﴾ متعلق بنتلو أي محقين أو في موضع الحال من نبأ أي متلبساً بالحق وخص المؤمنين لأنهم هم المنتفعون بالتلاوة.﴿ عَلاَ فِي ٱلأَرْضِ ﴾ أي تجبروا واستكبر حتى ادعى الربوبية والإِلهية والأرض أرض مصر * والشيع الفرق ملك القبط واستعبد بني إسرائيل.﴿ وَنُرِيدُ ﴾ حكاية حال ماضية والجملة معطوفة على قوله ان فرعون لأن كلتيهما تفسير للبناء.﴿ أَن نَّمُنَّ ﴾ أي بخلاصهم من فرعون وإغراقه.﴿ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً ﴾ أي مقتدى بهم في الدين والدنيا.﴿ وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَارِثِينَ ﴾ أي يرثون فرعون وقومهم ملكهم وما كان لهم * والتمكين التوطئة في الأرض وهي أرض مصر والشام بحيث ينفذ أمرهم ويتسلطون على من سواهم وقرىء: ونرى مضارع أرى ونصب ما بعده ويرى مضارع رأى ورفع ما بعده.﴿ وَهَامَانَ ﴾ وزير فرعون. و ﴿ يَحْذَرُونَ ﴾ أي من زوال ملكهم وإهلاكهم على يدي مولود من بني إسرائيل.﴿ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ﴾ الآية الظاهر أن الإِيحاء هنا هو إرسال ملك إليها لقوله بعد إنا رادوه إليك وأجمعوا على أنها لم تكن نبية والظاهر أن هذا الإِيحاء هو بعد الولادة فيكون ثم جملة محذوفة أي وضعت موسى أمه في زمن الذبح وخافت عليه فأوحينا وأن تفسيرية أو مصدرية.﴿ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ ﴾ من جواسيس فرعون ونقبائه الذي يقتلون الأولاد.﴿ فَأَلْقِيهِ فِي ٱليَمِّ ﴾ واليم هنا نيل مصر.﴿ وَلاَ تَخَافِي ﴾ أي من غرقه وضياعه ومن التقاطه فيقتل ولا تحزني لمفارقتك إياه.﴿ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ ﴾ وعد صادق بتسكين قلبها وتبشيرها وجعله رسولاً وقد تقدّم طرف من هذا الكلام في طه واستفصح الأصمعي امرأة من العرب أنشدت شعراً فقالت: أبعد قوله تعالى: ﴿ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ ﴾ الآية فصاحة وقد أجمع أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين.﴿ فَٱلْتَقَطَهُ ﴾ في الكلام حذف تقديره ففعلت ما أمرت به من إرضاعه ومن إلقائه في اليم واللام في ليكون للتعليل المجازي لما كان مآل التقاطه وتربيته إلى كونه عدواً لهم وحزناً وإن كانوا لم يلتقطوه إلا للتبني وكونه حبيباً يكون لهم ويعبر عن هذه اللام بلام العاقبة وبلام الصيرورة وقرة خبر مبتدأ محذوف هو قرة وتقدّم شرح القرة.﴿ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ جملة حالية أي لا يشعرون أنه الذي يفسد ملكهم على يديه.﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ ﴾ جملة اعتراضية واقعة بين المعطوف والمعطوف عليه مؤكدة لمعنى خطئهم.﴿ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغاً ﴾ الآية وأصبح أي صار فارغاً من الصبر وذلك حين بلغها أنه وقع في يد فرعون قد همها الأمر فطاش لبها وغلب عليها ما يغلب على البشر عند مفاجأة الخطب العظيم ثم استكانت بعد ذلك لموعود الله تعالى وجواب لولا محذوف تقديره لأبدت به والظاهر أن الضمير في به عائد على موسى فالباء زائدة أي لتظهره وقيل مفعول تبدي محذوف أي لتبدي القول به أي بسببه وأنه ولدها.﴿ وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ ﴾ أي اتبعي أثره وتتبعي خبره فروي أنها خرجت في سكك المدينة مختفية فرأته عند قوم من حاشية إمرأة فرعون يتطلبون له إمرأة ترضعه حين لم يقبل المراضع وفي الكلام حذف تقديره فقصت أثره.﴿ فَبَصُرَتْ بِهِ ﴾ أي أبصرته.﴿ عَن جُنُبٍ ﴾ أي عن بعد.﴿ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ بطلبها إياه ولا بإِبصارها وعن جنب عن شوق إليه.﴿ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ ﴾ التحريم هنا بمعنى المنع أي منعناه أن يرضع ثدي إمرأة والمراضع جمع مرضع وهي المرأة التي ترضع.﴿ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ ﴾ تقدم الكلام عليه والظاهر أن الضمير في له عائد على موسى ولما قالت لهم هل أدلكم فقالوا لها: إنك قد عرفتيه فأخبرينا من هو فقالت: ما أردت إلا أنهم ناصحون للملك فتخلصت منهم بهذا التأويل وفي الكلام حذف تقديره فمرت بهم إلى أمه وكلموها في إرضاعه ولما أخبر الله تعالى وعده في الرد ثبت عندها أنه سيكون رسولاً نبياً.﴿ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ ﴾ فعلنا ذلك.﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ ﴾ تقدم الكلام عليه في يوسف.﴿ وَدَخَلَ ٱلْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا ﴾ الآية المدينة قال ابن عباس: هي منف ركب فرعون يوماً وسار إليها فعلم موسى بركوبه فلحق بتلك المدينة في وقت القائلة.﴿ يَقْتَتِلاَنِ ﴾ في الدين إذ أحدهما إسرائيلي مؤمن والآخر قبطي كافر.﴿ فَٱسْتَغَاثَهُ ٱلَّذِي مِن شِيعَتِهِ ﴾ وهو الإِسرائيلي.﴿ عَلَى ٱلَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ ﴾ وهو القبطي وقيل اسمه فاتون وهذا حكاية حال ماضية والظاهر أن فاعل فقضى ضمير عائد على موسى وكان موسى لم يتعمد قتله ولكن وافقت وكزته الأجل فندم موسى عليه السلام. و ﴿ قَالَ هَـٰذَا مِنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ ﴾ وهو ما لحقه من الغضب حتى أدى إلى الوكزة التي قضت على القبطي وجعله من عمل الشيطان وسماه ظلماً لنفسه واستغفر منه لأنه أدى إلى قتل من لم يؤذن له في قتله.﴿ فَأَصْبَحَ فِي ٱلْمَدِينَةِ خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ ﴾ أي من قتل القبطي أن يؤخذ به يترقب وقوع المكروه به.﴿ فَإِذَا ٱلَّذِي ٱسْتَنْصَرَهُ بِٱلأَمْسِ ﴾ أي الإِسرائيلي الذي كان قتل القبطي بسببه وإذا هنا للمفاجأة وبالأمس يعني اليوم الذي قبل يوم الاستصراخ.﴿ يَسْتَصْرِخُهُ ﴾ يصبح به مستغيثاً من قبطي آخر.﴿ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ ﴾ الظاهر أن الضمير في له عائد على الإِسرائيلي.﴿ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ ﴾ لكونك كنت سبباً في قتل القبطي بالأمس قال له ذلك على سبيل العتاب والتأنيب.﴿ فَلَمَّآ أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ ﴾ الظاهر أن الضمير في أراد وأن يبطش هو لموسى.﴿ بِٱلَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا ﴾ أي للمستصرخ وموسى هو القبطي قال القبطي:﴿ أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِٱلأَمْسِ ﴾ دفعاً لما ظن منه.﴿ جَبَّاراً فِي ٱلأَرْضِ ﴾ وشأن الجبار أن يقتل بغير حق.﴿ وَجَآءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى ٱلْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ ﴾ قيل هو مؤمن آل فرعون وكان ابن عم فرعون قال الكلبي واسمه جبريل بن شمعون * يسعى أي يشتد في مشيه ولما أمر فرعون بقتله وخرج الجلاوزة من الشارع الأعظم لطلبه فسلك هذا الرجل طريقاً أقرب إلى موسى عليه السلام ومن أقصى ويسعى صفتان ومعنى يأتمرون يتشاورون.﴿ فَٱخْرُجْ ﴾ امتثل موسى عليه السلام ما أمره به ذلك الرجل وعلم صدقه ونصحه وخرج وقد أقبل طالبوه فلم يجدوه وكان موسى لا يعرف الطريق ولم يصحب أحداً فسلك مجهلاً واثقاً بالله تعالى داعياً راغباً إلى ربه في تنجيته من الظالمين.﴿ وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ ﴾ الآية توجه رد وجهه تلقاء تقدم الكلام عليه في يونس أي ناحية وجهة استعمل المصدر استعمال الظرف وكان هناك ثلاث طرق فأخذ موسى في أواسطها وأخذ طالبوه في الآخرين وقالوا المريب لا يأخذ في أعظم الطرق ولا يسلك إلا في بنياتها فبقي في الطريق ثماني ليال وهو خاف لا يطعم الأوراق الشجر والظاهر من قوله عسى ربي أنه كان لا يعرف الطريق فسأل ربه أن يهديه أقصر الطريق بحيث أنه لا يضل إذا لو سلك ما لا يوصله إلى المقصود لتاه وعن ابن عباس قصد مدين وأخذ يمشي من غير معرفة فأوصله الله إلى مدين.﴿ وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ ﴾ أي وصل إليه والورد يكون بمعنى الوصول أي الشىء وبمعنى الدخول فيه قيل وكان هذا بئراً والأمة الجمع الكثير ومعنى عليه أي على شفيره وحاشيته.﴿ يَسْقُونَ ﴾ يعني مواشيهم.﴿ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ﴾ أي من الجهة التي وصل إليها قبل أن يصل إلى الأمة.﴿ ٱمْرَأَتَينِ تَذُودَانِ ﴾ قال ابن عباس تذودان غنمهما عن الماء خوفاً من الرعاة الأقوياء وكانتا تكرهان المزاحمة على الماء واسم الصغرى عبرا والكبرى صبورا ولما رآهما موسى واقفتين لا يتقدمان للسقي سألهما فقال ما خطبكما والسؤال بالخطب إنكا يكون في مصاب أو مضطهد أو من يشفق عليه أو يأتي بمكروه من الأمر وفي سؤاله عليه السلام دليل على جواز مكالمة الأجنبية فيمن يعنّ ولم يكن لأبيهما أجير فكانتا تسوقان الغنم إلى الماء ولم يكن لهما قوة الاستسقاء وكان الرعاة يسقون من البئر فيسقون مواشيهم فإِذا صدروا فإِن بقي في الحوض شىء سقتا فوافى موسى عليه السلام ذلك اليوم وهما يمنعنان غنمهما عن الماء فرق عليهما وقال ما خطبكما وقرىء يصدر من صدر وقرىء يصدر من أصدر والرعاء فاعل والتقدير فيمن قرأ يصدر أن يكون المعنى حتى يصدر الرعاء عن الماء بغنمهم والمعنى على من قرأ يصدر أي يصدر الرعاء عن الماء غنمهم وجمع راع على رعاء شاذ في القياس وبابه أن يجمع على فعلة كقاض وقضاة خلافاً للزمخشري إذا زعم أن جمع راع على فعال قياس وقرىء الرعاء بضم الراء وهو اسم جمع كالرجال.﴿ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ﴾ اعتذار لموسى عن مباشرتهما السقي بأنفسهما وتنبيه على أن أباهما لا يقدر على السقي لشيخه وكبره واستعطاف لموسى عليه السلام في إعانتهما.


الصفحة التالية
Icon