﴿ وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ ﴾ يندرج في عموم هذا الخير الصلاة والزكاة.﴿ تَجِدُوهُ ﴾ أي ثوابه.﴿ عِندَ ٱللَّهِ ﴾ وكني بقوله:﴿ بَصِيرٌ ﴾ عن علمه بحيث أنه لا يخفى عليه شيء وبصير من بصر أو فعيل من أفعل. اختصم يهود المدينة ونصارى نجران وتناظروا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فحكى الله عنهم ما قالوه ولفوا في الضمير في وقالوا لأن القول صدر من الجميع ثم جيء (با) والتي للتفصيل فعاد هودا لمن قال: كونوا هوداً ونصارى، لمن قال: كونوا نصارى، وهذه كقوله:﴿ كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُواْ ﴾[البقرة: ١٣٥].
ومعلوم أن اليهوي لا يأمر بالنصرانية ولا النصراني يأمر باليهودية وهود جمع هائد كعائد وعود وهو جمع لا ينقاس في فاعل وحمل الضمير في من كان على لفظ من، فأفرد وحمل الخبر على معنى من فجمع وفي هذا وقول الشاعر:* وأيقظ من كان منكم نياماً * رد على من زعم أنه لا يجوز الجمع بين الجملتين في مثل هذه الصورة. ولن في النفي أبلغ من لا.﴿ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ﴾ جملة معترضة بين قولهم وبين طلب الدليل على صحة دعواهم أي تلك المقالة أمانيهم فإِن حمل على ظاهره فذلك من الأماني التي لا تقع بل يستحيل وقوعها والا فأمانيهم أكاذيبهم وتلك يشار بها إلى الوحدة المفردة وإلى الجمع غير المسلم من المذكر والمؤنث فحمله الزمخشري على الجمع قال: أشير بها إلى الأماني المذكورة وهي أمنيتهم أن لا ينزل على المؤمنين خير من ربهم وأمنيتهم أن يردوهم كفاراً وأمنيتهم أن لا يدخل الجنة غيرهم، أي تلك الأماني الباطلة. " انتهى ". وما ذهب إليه في الوجه الأول ليس بظاهر لأن كل جملة ذكر فيها ودّهم لشيء قد انقطعت وكملت واستقلت في النزول فيبعد أن يشار إليها وما ذهب إليه في الوجه الثاني فيه مجاز الحذف وفيه قلب الوضع إذ الأصل أن تكون تلك مبتدأ، وأمانيهم خبراً، فقلب هذا الوضع إذ قال: أمانيهم في البطلان مثل أمنيتهم هذه، وفيه أنه متى كان الخبر مشبهّاً به المبتدأ فلا يجوز تقديمه، مثل: زيد زهير. نص على ذلك النحويون. فإِن تقدم ما هو أصل في أن يشبّه به كان من عكس التشبيه ومن باب المبالغة إذ جعل الفرع أصلاً، والأصل فرعاً، كقولك: الأسد زيد شجاعة.﴿ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ ﴾ إذا ادّعى شيء طولب المدعي بالدليل على صدق دعواه وهات فعل متصرف. يقال: هاتي يهاني مهاناة. ويتصل بها الضمائر يقلل: هاتي وهايتا وهاتوا وهاتين، يتصرف تصرف راعي، والبرهان مشتق من البره وهو القطع، أو من البرهنة وهي البيان.﴿ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ في دعواكم فهاتوا البرهان.