﴿ وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحاً ﴾ أخبر تعالى عن تقلب ابن آدم في أنه بعد الاستبشار بالمطر بعث الله ريحاً فاصفر بها النبات فظلوا يكفرون قلقاً منهم والريح الذي يصفر بها النبات صرصور أو هما مما يصبح به النبات هشيماً والحرور جنب الشمال إذا عصفت والضمير في فرأوه عائد على ما يفهم من سياق الكلام وهو النبات واللام في ولئن مؤذنة بقسم محذوف وجوابه لظلوا وهو مما وضع فيه الماضي موضع المستقبل إتساعاً تقديره ليظللن والضمير في بعده عائد على الإِصفرار أي من بعد إصفرار النبات يجحدون نعمته وتقدم الكلام على قوله: ﴿ فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ ﴾ إلى قوله: ﴿ فَهُمْ مُّسْلِمُونَ ﴾ في أواخر النمل إلا أن هنا الربط بالفاء في قوله: فإِنك.﴿ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ ﴾ الآية لما ذكر من دلائل الآفاق ما ذكر ذكر شيئاً من دلائل الأنفس وجعل الخلق من ضعف لكثرة ضعف الإِنسان أول نشأته وطفوليته كقوله تعالى:﴿ خُلِقَ ٱلإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ﴾[الأنبياء: ٢٧] والقوة التي تلت الضعف هي رعرعته ونماؤه وقوته إلى فصل الاكتهال والضعف الذي بعد القوة هو حال الشيخوخة والهرم وقرىء: ضعف بضم الضاد وفتحها ما لبثوا في الدنيا استقلوها لما عاينوا من أمر الآخرة واخبارهم بذلك هو على جهة التقول بغير علم أي على جهة النسيان والكذب.﴿ يُؤْفَكُونَ ﴾ أي يصرفون عن قول الحق والنطق بالصدق. و ﴿ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ ﴾ هم الملائكة والأنبياء والمؤمنون.﴿ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ ﴾ فيما وعد به في كتابه من الحشر والبعث والعلم يعم الإِيمان وغيره ولكن نص على هذا الخاص تشريفاً وتنبيهاً على محله من العلم وقيل في كتاب الله في اللوح المحفوظ.﴿ فَيَوْمَئِذٍ ﴾ أي يوم إذ يقع ذلك من أقسام الكفار وقول أولي العلم لهم.﴿ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ﴾ في إزالة ما سألوه مما هم فيه.﴿ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا ﴾ إشارة إلى إزالة الأعذار والإِتيان بما فوق الكناية من الإِنذار.﴿ كَذَلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ ﴾ أي مثل هذا الطبع يطبع الله أي يختم على قلوب الجهلة الذين قد حتم عليه بالكفر في الأزل وأسند الطبع إلى ذاته تعالى إذ هو فاعل ذلك ومقدره ثم أمره تعالى بالصبر عليهم وعلى عداوتهم وقواه بتحقيق الوعد بأنه لا بد من إيجاده والوفاء به ونهاه عن الإِهتزاز لكلامهم والتحرك فإِنهم لا يقين لهم ولا بصيرة.


الصفحة التالية
Icon