﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتْلُونَ ﴾ ظاهره يقرؤون كتاب الله أي يداومون تلاوته ولما ذكر تعالى وصفهم بالخشية وهي عمل القلب ذكر أنهم يتلون كتاب الله وهو عمل اللسان ويقيمون الصلاة وهي عمل الجوارح وينفقون وهو العمل المالي.﴿ يَرْجُونَ ﴾ خبر ان وهذا إشارة إلى الإِخلاص أي يفعلون تلك الأفعال يقصدون بذلك وجه الله تعالى لا للرياء والسمعة.﴿ لَّن تَبُورَ ﴾ ولن تكسد ولا يتعذر الربح فيها بل ينفق عند الله تعالى.﴿ لِيُوَفِّيَهُمْ ﴾ متعلق بيرجون.﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا ﴾ وثم للمهلة في الاخبار لا في الزمان. قال ابن عباس: هم هذه الأمة أورثت أمة محمد صلى الله عليه وسلم كل كتاب أنزله الله تعالى.﴿ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ ﴾ وهو العاصي المسرف والمقتصد متقي الكبائر والسابق المتقي على الإِطلاق والظاهر أن الإِشارة بذلك إلى إيراث الكتاب واصطفاء هذه الأمة وجنات على هذا مبتدأ ويدخلونها الخبر والظاهر أن الضمير المرفوع في يدخلونها عائد على الأصناف الثلاثة وقرأ عمر رضي الله عنه هذه الآية ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" سابقنا سابق ومقتصدنا ناج وظالمنا مغفور له والحزن جمع الأحزان من أحزان الدنيا والدين حتى هذا ".﴿ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ ﴾ فيه إشارة إلى دخول الظالم لنفسه الجنة وشكور فيه إشارة إلى السابق وأنه كثير الحسنات والمقامة في الإِقامة أي الجنة لأنها دار إقامة دائماً لا يرحل عنها.﴿ مِن فَضْلِهِ ﴾ من عطائه.﴿ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ ﴾ أي تعب بدن.﴿ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ ﴾ أي تعب نفس وهو لازم عن تعب البدن.﴿ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ ﴾ لما ذكر حال المؤمنين ومقرهم ذكر حال الكافرين.﴿ لاَ يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ ﴾ أي لا يجهز عليهم فيموتوا لأنهم لو ماتوا لبطلت حواسهم فاستراحوا وهو في جواب النفي وهو على أحد معنى النصب فالمعنى انتفاء القضاء عليهم فانتفى مسببه لا يقضي عليهم ولا يموتون.﴿ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ ﴾ بني من الصراخ يفتعل وأبدلت من التاء طاء.﴿ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا ﴾ أي قائلين ربنا أخرجنا منها أي من النار وردنا إلى الدنيا نعمل صالحاً قال ابن عباس: نقل لا إله إلا الله.﴿ غَيْرَ ٱلَّذِي كُـنَّا نَعْمَلُ ﴾ أي من الشرك.﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ﴾ هو استفهام توبيخ وتوقيف وتقرير وما مصدرية ظرفية أي مدة تذكره.﴿ خَلاَئِفَ فِي ٱلأَرْضِ ﴾ تقدم الكلام عليه والمقت أشد الاحتقار والبغض والغضب والخسار خسار العمر.﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ ﴾ تقدم الكلام عليه قال الزمخشري: أروني بدل من أرأيتم لأن معنى أرأيتم أخبروني كأنه قال: أخبروني عن هؤلاء الشركاء عن ما استحقوا به الإِلهية والشركة أروي أي جزء من أجزاء الأرض استبدوا بخلقه دون الله أم لهم مع الله تعالى شركة في خلق السماوات أو معهم كتاب من عند الله ينطق بأنهم شركاؤه فهم على حجة وبرهان من ذلك الكتاب أو يكون الضمير في آتيناهم للمشركين كقوله:﴿ أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً ﴾[الزخرف: ٢١].
﴿ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً مِّن قَبْلِهِ ﴾[الروم: ٣٥].
﴿ بَلْ إِن يَعِدُ ٱلظَّالِمُونَ بَعْضُهُم ﴾ وهم الرؤساء.﴿ بَعْضاً ﴾ وهم الأتباع.﴿ إِلاَّ غُرُوراً ﴾ وهو قولهم هؤلاء شفعاؤنا عند الله " انتهى " أما قوله: ان أروني بدل من أرأيتم فلا يصح لأنه إذا أبدل مما دخل عليه الاستفهام فلا بد من دخول الأداة على البدل وأيضاً فإِبدال الجملة من الجملة لم يعهد في لسانهم ثم البدل على نية تكرار العامل ولا يتأتى ذلك هنا لأنه عامل في أرأيتم فيستحيل دخوله على أروني والذي أذهب إليه هنا ان أرأيتم بمعنى أخبروني وهي تطلب مفعولين أحدهما منصوب والآخر مشتمل على الاستفهام كقول العرب أرأيت زيداً ما صنع فالأول هنا شركاءكم. والثاني: ماذا خلقوا، وأروني جملة اعتراضية فيها تأكيد للكلام وتسديد ويحتمل أن يكون ذلك من باب الأعمال لأنه توارد على ماذا خلقوا أرأيتم وأروني لأن أروني قد تعلق عن مفعولها الثاني كما علقت رأي التي لم تدخل عليها همزة النقل عن مفعولها في قولهم: أما ترى أي فرق ها هنا ويكون قد أعمل الثاني على المختار عند البصريين ولما بين تعالى فساد أمر الأصنام ووقف على الحجة في بطلانها عقب بذكر عظمته وقدرته ليبين الشىء بضده وتتأكد حقارة الأصنام بذكر عظمة الله فقال: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ أَن تَزُولاَ ﴾ والظاهر أن معناه أن تنتقلا عن أماكنهما وتسقط السماوات عن علوها. وقال الزمخشري: وإن أمسكهما جواب القسم في ولئن زالتا سدّ مسدّ الجوابين " انتهى ". يعني أنه دل على الجواب المحذوف وان أخذ كلامه على ظاهره لم يصح لأنه لو سدّ مسدّهما لكان له موضع من الإِعراب باعتبار جواب الشرط ولا موضع له من الإِعراب باعتبار جواب القسم والشىء الواحد لا يكون معمولاً غير معمول ومن في من أحد لتأكيد الاستغراق وفي من بعده لابتداء الغاية أي من ترك إمساكه وان نافية في جواب القسم المحذوف.﴿ وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ﴾ الضمير في وأقسموا لقريش ولما بين إنكارهم للتوحيد بين تكذيبهم للرسل قيل وكانوا يلعنون اليهود والنصارى حيث كذبوا رسلهم وقالوا: لئن أتانا رسول لنكونن أهدى من إحدى الأمم فلما بعث محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبوه.﴿ لَئِن جَآءَهُمْ ﴾ حكاية لمعنى كلامهم لا لفظهم إذ لو كان اللفظ لكان التركيب لئن جاءنا نذير من إحدى الأمم أي من واحدة مهترية من الأمم أو من الأمة التي يقال فيها إحدى الأمم تفضيلاً لها على غيرها كما قالوا هو أحد الأحدين وهي إحدى الأحد يريدون التفضيل في الدهاء والعقل بحيث لا نظير له.﴿ فَلَمَّا جَآءَهُمْ نَذِيرٌ ﴾ هو محمد صلى الله عليه وسلم.﴿ مَّا زَادَهُمْ ﴾ أي مجيئه.﴿ إِلاَّ نُفُوراً ﴾ بعداً من الحق وهرباً منه وإسناد الزيادة إليه مجاز لأنه هو السبب وإن زادوا أنفسهم نفوراً والظاهر أن استكباراً مفعول من أجله أي سبب النفور هو الاستكبار ومكر السيىء معطوف على استكباراً فهو مفعول من أجله أيضاً من الحامل لهم على الابتعاد من الحق هو الاستكبار والمكر السيىء هو الخداع الذي يرومونه بالرسول صلى الله عليه وسلم والكيد له واستكباراً بدل من نفوراً ومكر السيىء من إضافة الموصوف إلى صفته ولذلك جاء على الأصل.﴿ وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ ﴾ وقرأ حمزة السيىء بإِسكان الهمزة أجرى الوصل مجرى الوقف.﴿ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعْجِزَهُ ﴾ أي ليفوته من شىء ومن الاستغراق الأشياء.﴿ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً ﴾ فبعلمه تعالى يعلم جميع الأشياء فلا يغيب عن علمه شىء وبقدرته لا يتعذر عليه شىء ثم ذكر تعالى حلمه عن عباده في تعجيل العقوبة فقال:﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ ﴾ أي من الشرك وتكذيب الرسل وهو المعنى في الآية التي في النحل وهو قوله بظلمهم وتقدم الكلام عليها في النحل وهناك عليها وهنا على ظهرها والضمير عائد على الأرض إلا أن هناك يدل عليه بسياق الكلام وهنا يمكن أن يعود على ملفوظ به وهو قوله في السماوات ولا في الأرض ولما كانت حاملة لمن عليها استعير لها الظهر كالدابة الحاملة للأثقال ولأنه أيضاً هو الظاهر بخلاف باطنها.﴿ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً ﴾ توعد للمكذبين أي فيجازيهم بأعمالهم.


الصفحة التالية
Icon