﴿ إِنِّيۤ آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَٱسْمَعُونِ قِيلَ ٱدْخُلِ ٱلْجَنَّةَ قَالَ يٰلَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلْمُكْرَمِينَ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ يٰحَسْرَةً عَلَى ٱلْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلأَرْضُ ٱلْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ ٱلْعُيُونِ لِيَأْكُلُواْ مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ سُبْحَانَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ ٱلأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلَّيلُ نَسْلَخُ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ وَٱلشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ وَٱلْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَٱلعُرجُونِ ٱلْقَدِيمِ لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ ٱلقَمَرَ وَلاَ ٱلَّيلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ ﴾.
﴿ إِنِّيۤ آمَنتُ بِرَبِّكُمْ ﴾ أي الذي كفرتم به.﴿ فَٱسْمَعُونِ ﴾ أي اسمعوا قولي وأطيعون. والظاهر أن الخطاب هو لقومه والأمر على جهة والمبالغة والتنبيه.﴿ قِيلَ ٱدْخُلِ ٱلْجَنَّةَ ﴾ ظاهره أنه أمر حقيقي بدخول الجنة وقت البعث.﴿ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ ﴾ الآية أخبر تعالى بإِهلاك قوم حبيب بصيحة واحدة صاح بهم جبريل عليه السلام وأخبر تعالى أنه لم ينزل عليهم لإِهلاكهم.﴿ جُندٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ ﴾ كالحجارة والريح وغير ذلك وقوله من بعده يدل على ابتداء الغاية أي لم يرسل إليهم رسولاً ولا عابتهم بعد بقتله بل عاجلهم بالهلاك والظاهر أن ما في قوله:﴿ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ ﴾ نافية فالمعنى قريب من معنى الجملة قبلها أي وما كان يصح في حكمنا أن ننزل في إهلاكنا جنداً من السماء.﴿ صَيْحَةً وَاحِدَةً ﴾ كان ناقصة واسمها مضمر أي إن كانت الأخذة أو العقوبة إلا صيحة واحدة.﴿ فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ﴾ أي فاجأهم الخمود أثر الصيحة لم يتأخر وكني بالخمود عن سكونهم بعد حياتهم كنار خمدت بعد توقد ونداء الحسرة على معنى هذا وقت حضورك وظهورك هذا تقدير نداء مثل هذا عند سيبويه وهو منادى منكور قال ابن عطية: وكم هنا خبرية وانهم بدل منها والرؤية رؤية البصر " انتهى ". هذا لا يصح لأنها إذا كانت خبرية فهي في موضع نصب بأهلكنا ولا يسوغ فيها إلا ذلك وإذا كان كذلك امتنع أن تكون بدلاً منها لأن البدل على نية تكرار العامل ولو سلطت أهلكنا على أنهم لم يصح ألا ترى أنك لو قلت أهلكنا انتفاء رجوعهم أو أهلكنا كونهم لا يرجعون لم يكن كلاماً لكن ابن عطية توهم أن يروا مفعوله كم نتوهم أن يروا مفعوله كم فتوهم ان قوله انهم لا يرجعون بدل لأنه يسوغ أن يتسلط عليه فيقول الم يروا أنهم لا يرجعون هذا وأمثاله دليل على ضعفه في علم العربية وقرىء: لما بالتشديد والتخفيف فمن شدّد جعلها بمعنى الا وان نافية أي ما كل أي كلهم إلا.﴿ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴾ أي محشور ولا تستعمل لما بمعنى إلا في الأماكن المسموعة عن العرب فلا تقع في الاستثناء لا تقول قام القوم لما زيدا بمعنى إلا زيداً لأن هذا التركيب لم يسمع من العرب ومن خفف لما جعل أن المخففة من الثقيلة وكل مبتدأ وما زائدة واللام في لما هي الفارقة بين ان المخففة من الشديدة وبين ان النافية وجميع خبر عن كل هذا على مذهب البصريين وأما الكوفيون فإِن عندهم نافية واللام بمعنى إلا وما زائدة والضمير في لهم عائد على كفار قريش ومن يجري مجراهم في إنكار الحشر. و ﴿ أَحْيَيْنَاهَا ﴾ إستئناف بيان لكون الأرض الميتة آية وكذلك نسلخ قال الزمخشري: ويجوز أن توصف الأرض والليل بالفعل لأنه أريد بهما الجنسان مطلقين لا أرض وليل بأعيانهما فعوملا معاملة النكرات في وصفهما بالأفعال ونحوه.(ولقد أمر على اللئيم يسبني) انتهى هذا مدم لما استقر عند أئمة النحو من أن النكرة لا تنعت إلا بالنكرة والمعرفة لا تنعت إلا بالمعرفة ولا دليل لمن ذهب إلى ذلك واما يسبني فحال أي سابا وقد تبع الزمخشري ابن مالك على ذلك في التسهيل من تأليفه والضمير في من ثمره عائد على الماء لدلالة العيون عليه أو على حذف مضاف أي من ماء العيون.﴿ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ ﴾ ان كانت موصولة فتكون معطوفة على ثمره تقديره ومن الذي والضمير في عملت محذوف يعود على تقديره عملته وإن كانت ما نافية فالضمير يعود على الثمر.﴿ ٱلأَزْوَاجَ ﴾ الأنواع من جميع الأشياء.﴿ مِمَّا تُنبِتُ ٱلأَرْضُ ﴾ وكل صنف زوج مختلف لوناً وطعماً وشكلاً.﴿ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ أي أنواعاً مما لا يعلمون أعلموا بوجوده أو لم يعلموا ولما ذكر تعالى الإِستدلال بأحوال الأرض وهي المكان الكلي ذكر الإِستدلال بالليل والنهار وهو الزمان الكلي وبينهما مناسبة لأن المكان لا تستغني عنه الجواهر والزمان لا تستغني عنه الاعراض ونسلخ معناه نكشط ونقشر وهو استعارة لإِزالة الضوء وكشفه عن مكان الليل ومظلمون داخلون في الظلام ومستقر الشمس بين يدي العرش تسجد فيه كل ليلة بعد غروبها كما جاء في حديث أبي ذر" يقال لها اطلعي من حيث طلعت فإِذا كان يوم طلوعها من مغربها يقال لها اطلعي من حيث غربت فلذلك حين لا ينفع نفساً ايمانها "وقرىء:﴿ وَٱلْقَمَرَ ﴾ بالرفع على الابتداء وبالنصب على الاشتغال. و ﴿ قَدَّرْنَاهُ ﴾ على حذف مضاف أي قدرنا سيره. و ﴿ مَنَازِلَ ﴾ ظرف أي في منازل وهذه المنازل معروفة عند العرب وهي ثمانية وعشرون منزلاً ينزل القمر كل ليلة في واحد منها لا يتخطاه ولا يتقاصر عنه على تقدير مستو لا يتفاوت يسير فيها من ليلة المستهل إلى الثامنة والعشرين ثم يستتر ليلتين أو ليلة إذ نقص الشهر وهذه المنازل هي مواقع النجوم التي نسبت إليها العرب الإِنواء المستمطرة وهي السرطان إلخ. فإِذا كان في آخر منازلة دق واستقوس وأصفر فيشبه العرجون القديم.﴿ لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ ٱلقَمَرَ ﴾ ينبغي هنا مستعملة فيما لا يمكن خلافه أي لم يجعل لها قدرة على ذلك وهذا الإِدراك المنفي هو أن الله تعالى جعل لكل واحد من الليل والنهار وآيتيهما قسماً من الزمان وضرب له حداً معلوماً ودبر أمرهما على التعاقب قال ابن عباس: إذا طلعت الشمس لم يكن للقمر ضوء وإذا طلع القمر لم يكن للشمس ضوء شىء واحد فالمعنى أنه تعالى حمل ذريات هؤلاء وهم آباؤهم الأقدمون في سفينة نوح عليه السلام.﴿ ٱلْمَشْحُونِ ﴾ المملوء.﴿ وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ ﴾ يعني الإِبل والخيل والبغال والحمير والممثالة في أنه مركوب مبلغ للأوطان فقط والظاهر أن قوله:﴿ وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ إِلاَّ رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعاً إِلَىٰ حِينٍ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّقُواْ مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱلله قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلاَ إِلَىٰ أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ ٱلأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ قَالُواْ يٰوَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ ٱلرَّحْمـٰنُ وَصَدَقَ ٱلْمُرْسَلُونَ إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ فَٱلْيَوْمَ لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلاَ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ ٱليَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلاَلٍ عَلَى ٱلأَرَآئِكِ مُتَّكِئُونَ لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ وَٱمْتَازُواْ ٱلْيَوْمَ أَيُّهَا ٱلْمُجْرِمُونَ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يٰبَنِيۤ ءَادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ ٱلشَّيطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَأَنِ ٱعْبُدُونِي هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ هَـٰذِهِ جَهَنَّمُ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ٱصْلَوْهَا ٱلْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ٱلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ وَلَوْ نَشَآءُ لَطَمَسْنَا عَلَىٰ أَعْيُنِهِمْ فَٱسْتَبَقُواْ ٱلصِّرَاطَ فَأَنَّىٰ يُبْصِرُونَ وَلَوْ نَشَآءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَىٰ مَكَـانَتِهِمْ فَمَا ٱسْتَطَاعُواْ مُضِيّاً وَلاَ يَرْجِعُونَ وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّـسْهُ فِي ٱلْخَلْقِ أَفَلاَ يَعْقِلُونَ وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ ٱلْقَوْلُ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ ﴾.
﴿ فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ ﴾ أي لا مغيث لهؤلاء الذين شاء الله إغراقهم قال الزمخشري: فلا صريخ لهم أي فلا إغاثة " انتهى ". كأنه جعله مصدراً من أفعل ويحتاج إلى نقل أن صريخاً يكون مصدراً بمعنى إصراخ.﴿ وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ ﴾ أي ينجون من الموت بالغرق نفي ولا الصريخ وهو خاص ثم نفى ثانياً إنقاذهم بصريخ أو غيره وانتصب رحمة على الاستثناء المفرع للمفعول من أجله أي لرحمة منا والظاهر أن رحمة ومتاعاً إلى حين تكون للذين ينقدون فلا يفيد الدوام بل ينقذه الله رحمة له ويمتعه إلى حين ثم يميته.﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّقُواْ مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ ﴾ الآية الضمير في لهم لقريش وما بين أيديكم أي من عذاب الأمم قبلكم وما خلفكم عذاب الآخرة.﴿ وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ ﴾ أي من دأبهم الاعراض عن كل آية تأتيهم.﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُواْ ﴾ لما أسلم حواشي الكفار من أقربائهم ومواليهم من المستضعفين قطعوا عنهم ما كانوا يواسونهم به وكان ذلك بمكة اولا قبل نزول آيات القتال فندبهم المؤمنون إلى صلة قراباتهم فقالوا:﴿ أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ أَطْعَمَهُ ﴾ وجواب لو قوله أطعمه وورود الموجب بغير لام فصيح ومنه أن لو نشاء أصبناهم لو نشاء جعلناه أجاجا والأكثر مجيئه باللام والتصريح بالوصفين من الكفر والإِيمان دليل على أن المقول لهم هم الكافرون والقائل لهم هم المؤمنون وإن كل وصف حامل صاحبه على ما صدر منه: إذ كل إناء بالذي فيه يرشح ولما كانت هذه الصيحة لا بد من وقوعها جعلوا كأنهم منتظروها وهذه هي النفخة الأولى تأخذهم فيهلكون وهم يتخاصمون في معاملاتهم وأسواقهم في أماكنهم من غير إمهال لتوصية ولا رجوع إلى أهل وقرىء: يخصمون بكسر الخاء وشد الصاد. وقرئ: يخصمون اتباعاً لحركة الخاء ويخصمون بفتح الخاء وكسر الصاد وفي هذه القراءات هو مضارع خصم وكان أصله اختصم وقرئ: بإِسكان الخاء وتحفيف الصاد وهو مضارع خصم. و ﴿ مِّنَ ٱلأَجْدَاثِ ﴾ أي من القبور.﴿ إِلَىٰ رَبِّهِمْ ﴾ إلى جزاء ربهم.﴿ يَنسِلُونَ ﴾ أي يسرعون.﴿ قَالُواْ يٰوَيْلَنَا ﴾ الظاهر أن هذا ابتداء كلام فقيل من الله تعالى على سبيل التوبيخ والتوقيف على إنكارهم لما رأوا البعث الذي كانوا يكذبون به في الدنيا قالوا ذلك والاستفهام بمن سؤال عن الذي بعثهم وتضمن قوله:﴿ هَذَا مَا وَعَدَ ٱلرَّحْمـٰنُ ﴾ ذكر الباعث أي الرحمٰن الذي وعدكموه وما يجوز أن تكون مصدرية على تسمية الموعود المصدوق فيه بالوعد والصدق وبمعنى الذي أي هذا الذي وعده الرحمٰن والذي صدقه المرسلون.﴿ إِنَّ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ ﴾ الآية، لما ذكر أهوال يوم القيامة أعقب ذلك بحال السعداء والأشقياء والظاهر أن الشغل هو النعيم الذي قد شغلهم عن كل ما يخطر بالبال.﴿ هُمْ ﴾ مبتدأ.﴿ وَأَزْوَاجُهُمْ ﴾ معطوف عليه. و ﴿ فِي ظِلاَلٍ ﴾ الخبر ويجوز أن يكون هم تأكيداً للضمير المستكن في فاكهون وأزواجهم معطوف عليه وفي ظلال في موضع الحال.﴿ عَلَى ٱلأَرَآئِكِ ﴾ أي الأسرة.﴿ مُتَّكِئُونَ ﴾ صفة لفاكهون وعلى الأرائك متعلق به والأرائك جمع أريكة وهي الأسرة ويدعون مضارع ادعى وهو افتعل من دعا ومعناه ولهم ما يتمنون. قال أبو عبيدة العرب: تقول ادّع على ما شئت بمعنى تمنَّ على.﴿ سَلاَمٌ ﴾ قال ابن عباس: الملائكة يدخلون عليهم بالتحية من رب العالمين.﴿ وَٱمْتَازُواْ ٱلْيَوْمَ ﴾ أي انفردوا عن المؤمنين لأن المحشر جمع البر والفاجر فأمر المجرمون أن يكونوا على حدة من المؤمنين والظاهر أن ثم قولاً محذوفاً لما ذكر ما يقال للمؤمنين في قوله سلام قيل للمجرمين امتازوا ولما امتثلوا ما أمروا به قال لهم على جهة التوبيخ والتقريع.﴿ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ ﴾ وقفهم على عهده إليهم ومخالفتهم إياه وقرىء: جبلاً بكسرتين وتخفيف اللام وقرىء: بكسر الجيم والباء وتشديد اللام وقرىء: جبلاً بضم الجيم وإسكان الباء وقرىء: بكسر الجيم وفتح الباء وتخفيف اللام والجبل الأمة العظيمة. وقال الضحاك: أقله عشرة آلاف خاطب تعالى الكفار بما فعل معهم الشيطان تقريعاً لهم.﴿ ٱلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ ﴾ في الحديث" يقول العبد يوم القيامة إني لا أجيز عليّ إلا شاهداً من نفسي فيختم علي فيه ويقال لأركانه انطقي فتنطق بأعماله ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول بعداً لكنَّ وسحقاً فعنكن كنت أناضل "وقال ابن عباس: أراد أعين البصائر والمعنى ولو نشاء لختمنا عليهم بالكفر فلا يهتدي منهم أحداً أبداً والطمس إذهاب الشىء وأثره جملة متى كأنه لم يوجد فإِن أريد بألا تخفي الحقيقة فالظاهر أنه يطمس بمعنى يمسخ حقيقة وقرأ عيسى فاستبقوا على الأمر وهو على إضمار القول أي فيقال لهم استبقوا الصراط وهو أمر على سبيل التعجيز إذ لا يمكنهم الاستباق مع طمس الأعين.﴿ فَأَنَّىٰ يُبْصِرُونَ ﴾ أي كيف يبصر من طمس على عينه ولما ذكر تعالى الطمس والمسخ على تقدير المشيئة ذكر تعالى دليلاً على باهر قدرته في تنكيس المعمر وإن ذلك لا يفعله إلا هو تعالى وتنكيسه قبله وجعله على عكس ما خلقه أولاً وهو أنه خلقه على ضعف في جسد وخلو من عقل وعلم ثم جعله يتزايد وينتقل من حال إلى حال إلى أن بلغ أشده فإِذا انتهى نكسه في الخلق فتناقص في حال شيخوخته إلى الحال الأول وهي المنشأة.﴿ وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ ﴾ الضمير في علمناه للرسول عليه السلام كانوا يقولون فيه شاعر وكان صلى الله عليه وسلم لا يقول الشعر وإذا أنشد بيتاً أحرز المعنى دون الوزن.﴿ وَمَا يَنبَغِي لَهُ ﴾ أي ولا يمكن له ولا يصح ولا يناسب لأنه صلى الله عليه وسلم في طريق جد محض والشعر أكثره في طريق هزل وتحسين.