﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * وَٱلصَّافَّاتِ صَفَّا ﴾ الآية هذه السورة مكية ومناسبة أولها لآخر يس أنه تعالى لما ذكر المعاد وقدرته على إحياء الموتى وأنه هو منشئهم وإذا تعلقت إرادته بشىء كان ذكر تعالى وحدانيته إذ لا يتم ما تعلقت به الإِرادة وجوداً وعدماً إلا بكون المريد واحداً وأقسم تعالى بأشياء من مخلوقاته والصافات. قال ابن مسعود: هم الملائكة تصف في السماء في العبادة والذكر صفوفاً.﴿ فَٱلزَّاجِرَاتِ ﴾ قال مجاهد: الملائكة تزجر السحاب وغيرها من مخلوقات الله تعالى.﴿ فَٱلتَّٰلِيَٰتِ ﴾ القارئات قال مجاهد: الملائكة تتلو ذكره وذكر المشارق لأنها مطالع الأنوار والأبصار بها أللف وذكرها يغني عن ذكر المغارب إذ ذاك مفهوم من المشارق والمشارق ثلاثمائة وستون مشرقاً وكذلك المغارب تشرق الشمس كل يوم في مشرق منها وتغرب في مغرب ولا تطلع ولا تفرق في واحد يومين وقرأ الجمهور بزينة الكواكب بالإِضافة فاحتمل المصدر مضافاً للفاعل أي بأن زانت السماء الكواكب أو مضافاً للمفعول أي بأن زين الله الكواكب وقرىء: بزينة منوناً الكواكب بالخفض بدلاً من زينة وقرىء: بزينة منوناً الكواكب بالنصب فاحتمل أن تكون بزينة مصدراً والكواكب مفعولاً به واحتمل أن تكون الكواكب بدلاً من السماء أي زينا كواكب السماء.﴿ وَحِفْظاً ﴾ مصدر منصوب بإضمار فعل تقديره وحفظناها حفظاً.﴿ مَّارِدٍ ﴾ إسم فاعل وفي النساء مريداً للمبالغة وموافقة الفواصل هناك.﴿ لاَّ يَسَّمَّعُونَ إِلَىٰ ٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ ﴾ كلام منقطع اقتصاصاً لما عليه حال المسترقة للسمع وأنهم لا يقدرون أن يتسمعوا أو يسمعون وهم مقذوفون بالشهب مبعدون عن ذلك إلا من أمهل حتى خطف الخطفة واسترق استراقة فعندها تعاجله الملائكة بالشهاب الثاقب وقرىء: لا يسمعون مضارع سمع وتعدى بإِلى ضمن معنى لا ينتهون بالسمع إلى الملأ وقرىء: يسمعون مضارع تسمع أرادوا إدغام التاء في السين وسكنوا التاء وأبدلوها سيناً كما أبدلوها في الناس فقالوا النات واجتلبوا همزة الوصل لأنه لا يمكن الإِدغام إلا بسكون التاء فصار إسمع وصار المضارع يسمع بإِدغام التاء في السين.﴿ وَيُقْذَفُونَ ﴾ يرجمون.﴿ مِن كُلِّ جَانِبٍ ﴾ جهة يصعدون إلى السماء منها والمرجوم بها هي التي يراها الناس تنقض وليست بالكواكب الجارية في السماء لأن تلك لا ترى حركتها وهذه الراجمة ترى حركتها لقربها ودحوراً مصدر في موضع الحال أي مطرودين والواصب الدائم والثاقب هو النافذ بضوئه وشعاعه المنير.﴿ فَٱسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً ﴾ الاستفتاء نوع من السؤال والهمزة في أهم وإن خرجت إلى معنى التقرير فهي في الأصل لمعنى الاستفهام أي فاستخبرهم والضمير لمشركي مكة وقيل نزلت في أبي الأشد بن كلدة وكني بذلك لشدة بطشه وقوته وعادل في هذا الاستفهام التقريري في الأشدية بينهم وبين ما خلق من غيرهم من الأمم من الجن والملائكة والأفلاك والأرضين.﴿ مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ ﴾ اللازب اللازم ما جاوره واللاصق به.﴿ بَلْ عَجِبْتَ ﴾ خطاب للرسول عليه الصلاة والسلام وقرىء: عجبت وعجبت والظاهر أن ضمير المتكلم هو لله تعالى والعجب لا يجوز على الله تعالى.﴿ وَيَسْخَرُونَ ﴾" روي أن ركانة رجلاً من المشركين من أهل مكة لقيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في جبل خال يرعى غنماً له وكان من أقوى الناس فقال له: يا ركانة أرأيت أن صرعتك أتؤمن بالله. قال: نعم فصرعه صلى الله عليه وسلم ثلاثاً ثم عرض عليه آيات من دعاء شجرة وإقبالها فلم يؤمن وجاء إلى أهل مكة فقال يا بني هاشم ساحروا بصاحبكم أهل الأرض فنزلت فيه وفي نظرائه ".﴿ وَإِذَا رَأَوْاْ آيَةً ﴾ الآية، قال الزمخشري: أو آباؤنا معطوف على محل ان واسمها أو على الضمير في مبعوثون والذي جوز العطف عليه الفصل بهمزة الاستفهام والمعنى أيبعث أيضاً آباؤنا على زيادة الاستبعاد يعنون أنهم أقدم فبعثهم أبعد وأبطل " انتهى ". أما قوله معطوف على محل ان واسمها فمذهب سيبويه خلافه لأن قولك أن زيداً قائم وعمرو مرفوع على الابتداء وخبره محذوف وأما قوله أو على الضمير في مبعوثون الخ فلا يجوز عطفه على الضمير لأن همزة الاستفهام لا تدخل إلا على الجمل لا على المفرد لأنه إذا عطف على المفرد كان الفعل عاملاً في المفرد بوساطة حرف العطف وهمزة الاستفهام لا يعمل ما قبلها فيما بعدها وقوله أو آباؤنا مبتدأ خبره محذوف تقديره مبعوثون ويدل عليه ما قبله فإِذا قلت أقام زيد أو عمر وفعمر ومبتدأ محذوف الخبر واستفهامهم تضمن إنكاراً واستبعاداً فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يجيبهم بنعم.﴿ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ ﴾ أي صاغرون وهي جملة حالية العامل فيها محذوف تقديره نعم تبعثون وزادهم في الجواب ان بعثهم وهم ملتبسون بالصغار والذل وهي كناية عن البعثة أي فإِنما بعثتهم زجرة أي صيحة وهي النفخة الثانية لما كانت بعثتهم ناشئة عن الزجرة جعلت إياها مجازاً.﴿ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ ﴾ أي ينظرون ما يفعل بهم وما يؤمرون به والظاهر أن قوله وقالوا: يا ويلنا من كلام بعض الكفار لبعض إلى آخر الجملتين أقروا بأنه يوم الجزاء وأنه يوم الفصل وخاطب به بعضهم بعضاً ويوم الدين يوم الجزاء والمعاوضة ويوم الفصل يوم الفرق بين فرق الهدى وفرق الضلال.﴿ ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴾ توبيخ لهم وتقريع.﴿ ٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ ﴾ الآية، هو خطاب من الله للملائكة أو خطاب الملائكة بعضهم لبعض أي اجمعوا الظالمين ونساءهم الكافرات قاله ابن عباس: فاهدوهم أي عرفوهم وقودوهم إلى طريق النار حتى يسلكوها والجحيم طبقة من طبقات جهنم.﴿ وَقِفُوهُمْ ﴾ وقوف توبيخ لهم.﴿ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ ﴾ قال الجمهور عن أعمالهم وفي الحديث" لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن خمس شبابه فيما أبلاه وعمره فيما أفناه وعن ماله كيف اكتسبه وفيما أنفقه وعن ما عمل فيما علم ".﴿ مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ ﴾ جواب أبي جهل حين قال في بدر نحن جميع منتصر.﴿ بَلْ هُمُ ٱلْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ ﴾ أي قد أسلم بعضهم بعضاً وخذله عن عجز فكل واحد مستسلم غير منتصر.﴿ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ﴾ هم جن وإنس وتساؤلهم على معنى التقريع والندم والسخط.﴿ قَالُوۤاْ ﴾ أي قالت الإِنس للجن أو ضعفة الإِنس الكفرة لكبرائهم وقادتهم واليمين الجارحة وليست مرادة هنا فقيل استعيرت لجهة الخير أو للشدة والقوة.﴿ فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَآ ﴾ أي لزمنا قول ربنا أي وعيده لنا بالعذاب والظاهر أن قوله: إنا لذائقون اخبار منهم انهم ذائقون العذاب جميعهم الرؤساء والأتباع.﴿ فَأَغْوَيْنَاكُمْ ﴾ دعوناكم إلى الغي وكانت فيكم قابلية له فغويتم.﴿ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ ﴾ فأردنا أن تشاركونا في الغي.﴿ فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ ﴾ أي يوم إذ يتساءلون ويتراجعون في القول وهذا اخبار منه تعالى أنهم كما اشتركوا في الغي اشتركوا فيما ترتب عليه من العذاب.﴿ إِنَّا كَذَلِكَ ﴾ أي مثل هذا الفعل بهؤلاء نفعل بكل مجرم فيترتب على إجرامه عذابه ثم أخبر عنهم بأكبر إجرامهم وهو الشرك بالله تعالى واستكبارهم عن توحيده وإفراده بالألوهية ثم ذكر عنهم ما قدحوا به في الرسول صلى الله عليه وسلم وهو نسبته إلى الشعر وغير ذلك ثم أضرب تعالى عن كلامهم وأخبر بأنه عليه السلام جاء بالحق وهو الثابت الذي لا يلحقه إضمحلال فليس ما جاء به شعراً بل هو الحق الذي لا شك فيه ثم أخبر أنه صدق من تقدمه من المرسلين إذ هو عليه السلام وهم على طريقة واحدة في دعوى الأمم الضالة إلى التوحيد وترك عبادة غير الله تعالى.