﴿ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ ﴾ أي في الباقين غابر الدهر ومفعول تركنا محذوف تقديره ثناء حسناً جميلاً إلى آخر الدهر قاله ابن عباس وسلام رفع بالابتداء مستأنف سلم الله تعالى عليه ليقتدي بذلك البشر فلا يذكره أحد من العالمين بسوء وقيل جملة في موضع نصب بتركنا وهذا هو المتروك عليه فكأنه قال: وتركنا على نوح تسليماً يسلم به عليه إلى يوم القيامة.﴿ وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ ﴾ الظاهر عود الضمير في من شيعته على نوح عليه السلام أي ممن شايعه في أصول الدين والتوحيد وإن اختلفت شرائعها إذا اتفق أكثرها قال الزمخشري: فإِن قلت: بم تعلق الظرف قلت: بما في الشيعة من معنى المشايعة يعني وإن ممن شايعه على دينه وتقواه حين جاء ربه بقلب سليم لإِبراهيم أو بمحذوف وهو أذكر " انتهى ". أما التخريج الأول فلا يجوز لأن فيه الفصل بين العامل والمعمول بأجنبي وهو قوله لإِبراهيم لأنه أجنبي من شيعته ومن إذ وزاد المنع إذ قدرته ممن شايعه حين جاء ربه لإِبراهيم لأنه يقدر ممن شايعه فجعل العامل صلة الموصول وفصل بينه وبين إذ بأجنبي وهو قوله لإِبراهيم وأيضاً فلام التأكيد تمنع أن يعمل ما قبلها فيما بعدها لو قلت أن ضارباً لقادم علينا زيداً لم يجز وأما تقديره أذكر فهو المعهود عند المعربين وأجازوا في نصف أئفكا وجوهاً. أحدهما أن يكون مفعولاً بتريدون وآلهة بدلاً منه هو استفهام تقرير ولم يذكر ابن عطية غير هذا الوجه وذكر الزمخشري فقال فسر الإِفك بقوله: آلهة من دون الله على أنها أفك في أنفسها والثاني أن يكون مفعولاً من أجله أي أتريدون آلهة من دون الله إفكاً وآلهة مفعول به وقدّمه عناية وقدم المفعول له على المفعول به لأنه كان الأهم عنده أن يكافحهم بأنهم على إفك وباطل في شركهم وبدأ بهذا الوجه الزمخشري والثالث: أن يكون حالاً أي أتريدون آلهة من دون الله أفكين قاله الزمخشري وجعل المصدر حالاً لا يطرد إلا مع اما نحو اما علماً فعالم.﴿ فَمَا ظَنُّكُم ﴾ استفهام توبيخ وتحذير وتوعد أي أي شىء ظنكم بمن هو مستحق لأن تعبدون إذ هو رب العالمين حتى تركتم عابدته وعدلتم به الأصنام.﴿ فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي ٱلنُّجُومِ ﴾ الظاهر أنه أراد علم الكواكب وما يعزي إليها من التأثيرات التي جعلها الله تعالى لها والظاهر أن نظره كان فيها أي في علمها قيل وكانوا يعانون ذلك فأتاهم من الجهة التي يعانونها وأوهمهم به لأنه استدل بإِمارات في علم النجوم أنه سقيم وقيل وهو الطاعون قيل وكان أغلب الاسقام عليهم إذ ذاك وخافوا العدوى فهربوا منه إلى عيدهم ولذلك قال:﴿ فَتَوَلَّوْاْ عَنْهُ مُدْبِرِينَ * فَرَاغَ إِلَىٰ آلِهَتِهِمْ ﴾ أي أصنامهم التي هي في زعمهم آلهة وعرض الأكل عليها واستفهامها عن النطق هو على سبيل الهزء لأنها منحطة عن رتبة عابديها إذ هم يأكلون وينطقون وروي أنهم كانوا يضعون عندها طعاماً ويعتقدون أنها تصيب منه شيئاً وإنما يأكله خدمتها.﴿ فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِٱلْيَمِينِ ﴾ أي أقبل عليهم مستخفياً ضارباً باليمين وقرىء يزفون من زف أي أسرع وقرىء: يزفون بضم الياء وبين قوله فراغ عليهم وبين قوله: فأقبلوا إليه جمل محذوفة مذكورة في سورة الأنبياء.﴿ قَالَ أَتَعْبُدُونَ ﴾ إستفهام توبيخ وإنكار عليهم كيف هم يعبدون صوراً صوروها بأيديهم وشكلوها على ما يريدون من الأشكال.﴿ وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ﴾ الظاهر أن ما موصولة بمعنى الذي معطوفة على الضمير في خلقكم أي أنشأ ذواتكم وذوات ما تعملون من الأصنام والعمل هنا التصوير والتشكيل كما تقول عمل الصائغ الخلخال وقيل ما مصدرية أي خلقكم وعملكم.﴿ قَالُواْ ٱبْنُواْ لَهُ بُنْيَاناً ﴾ أي في موضع إيقاد النار.﴿ فَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً ﴾ فأبطل الله مكرهم وجعلهم الأذلين الأسفلين.﴿ وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ الآية، لما سلمه الله تعالى منهم ومن النار التي ألقوه فيها عزم على ما مفارقتهم وعبر بالذهاب عن هجرته إلى أرض الشام فهاجر من أرض بابل من مملكة نمروذ إلى أرض الشام سيهدين يوفقني إلى ما فيه صلاحي هب لي أي ولداً يكون من عداد الصالحين ولفظ الهبة غلب في الولد.﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعْيَ ﴾ بين هذه الجملة والتي قبلها محذوف تقديره ولد له وشب.﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ﴾ أي بلغ أن يسعى مع أبيه في أشغاله وحوائجه وكان إذ ذاك ابن ثلاث عشرة سنة.﴿ قَالَ يٰبُنَيَّ ﴾ نداء شفقة وترحم.﴿ إِنِّيۤ أَرَىٰ فِي ٱلْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ ﴾ أي بأمر من الله تعالى ويدل عليه افعل ما تؤمر ورؤيا الأنبياء عليهم السلام وحي كاليقظة وذكره له الرؤيا تجسيراً على احتمال تلك البلية العظيمة وشاوره بقوله: فانظر ماذا ترى وإن كان حتماً من الله تعالى ليعلم ما عنده من تلقي هذا الامتحان العظيم ويصبره إن جزع قيل حين بشرته الملائكة بغلام حليم قال: هو إذن ذبيح الله تعالى فلما بلغ حد السعي معه قيل له أوف بنذرك وقيل رأى ليلة التروية قائلاً يقول له: إن الله يأمرك بذبح ابنك هذا فلما أصبح روي في ذلك من الصباح إلى الرواح أمن الله تعالى هذا الحلم فمن ثم سمي يوم التروية فلما أمسى رأى مثل ذلك فعرف أنه من الله فمن ثم سمى يوم عرفة ثم رأى مثله في الليلة الثالثة فهم بنحره فمن ثم سمى يوم النحر وانظر معلقة وماذا استفهام فإِن كانت ذا موصولة بمعنى الذي فما مبتدأ والفعل بعد ذا صلة وإن كانت ماذا مركبة ففي موضع نصب بالفعل بعدها والجملة واسم الاستفهام الذي هو معمول للفعل بعده في موضع نصب لا نظر ولما كان خطاب الأب يا بني على سبيل الترحم قال هو:﴿ يٰأَبَتِ ﴾ على سبيل التعظيم والتوقير.﴿ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ ﴾ أي ما تؤمره حذفه وهو منصوب وأصله ما تؤمر به فحذف الحرف واتصل الضمير منصوباً فجاز حذفه لوجود شرائط الحذف فيه.﴿ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّابِرِينَ ﴾ كلام من أوتي الحلم والصبر والامتثال لأمر الله تعالى والرضا بما أمر.﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا ﴾ أي لأمر الله تعالى انقادا له وخضعا.﴿ وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ﴾ يقال تل الرجل الرجل إذا صرعه على شقه وقيل وضعه بقوة أوقعه على أحد جنبيه في الأرض تواضعاً مباشراً الأمر بصبر وذلك عند الصخرة التي بمنى وعن الحسن في الموضع المشرف على مسجد منى وعن الضحاك في المنحر الذي ينحر فيه اليوم وجواب لما محذوف مقدر بعد وتله للجبين أي أجز لنا أجرهما.﴿ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ﴾ قال الجمهور كبش أبيض أقرن أعين ووصف بالعظم لأنه متقبل يقيناً وقال عمرو بن عبيد لأنه جرت به السنة وصار ديناً باقياً إلى آخر الدهر والذبح بمعنى المذبوح كالطحن بمعنى المطحون. قال ابن عباس وابن جبير عظمه كونه من كباش الجنة رعى فيها أربعين خريفاً وفي قوله: وفديناه دليل على أن إبراهيم عليه السلام لم يذبح ابنه إذ قد فدى.﴿ وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ ﴾ الظاهر أن هذه بشارة غير تلك البشارة وأن الغلام الحليم المبشر به إبراهيم هو إسماعيل وانه هو الذبيح لا إسحۤق واستدل بظاهر هذه الآية وبقوله صلى الله عليه وسلم:" أنا ابن الذبيحين "وقول الأعرابي له يا ابن الذبيحين فتبسم عليه السلام يعني إسماعيل وأباه عبد الله وكان عبد المطلب نذر ذبح أحد ولده فخرج السهم على عبد الله فمنعه أخواله وقالوا: أفد ولدك بمائة من الإِبل فداه بها قيل وكان قرنا الكبش منوطين في الكعبة في أيدي بني إسماعيل إلى أن احترق البيت قال الشعبي: رأيتهما معلقين في الكعبة.﴿ وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَارُونَ ﴾ الآية، الكرب العظيم تعبد القبط لهم ثم خوفهم من جيش فرعون ثم البحر وبعد ذلك والضمير في ونصرناهم عائد على موسى وهۤرون وقومهما وهم يجوز أن يكون فصلاً وتوكيداً وبدلاً والكتاب المستبين التوراة والصراط المستقيم هو الإِسلام وشرع الله تعالى.﴿ وَآتَيْنَاهُمَا ﴾ الضمير عائد على موسى وهۤرون والكتاب وإن كان نازلاً على موسى وحده فهۤرون كان مقتدياً به إذ كان قومهما قد عبدوا العجل فجمع مع موسى عليه السلام في الضمير لأجل الاقتداء به.