﴿ إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ﴾ إستثناء منقطع قالوا: إما من يصفون أي إلا عباد الله فإِنهم ناجون من العذاب وتكون جملة التنزيه اعتراضاً وعلى كلا القولين فالاستثناء منقطع والظاهر أن الواو وما تعبدون للعطف عطفت ما تعبدون على الضمير في إنكم وإن الضمير في عليه عائد على ما والمعنى قل لهم يا محمد إنكم وما تعبدون من الأصنام ما أنتم وهم غلب الخطاب كما تقول أنت وزيد تخرجان عليه أي على عبادة معبودكم بفاتنين أي بحاملين بالفتنة على عبادته إلا من قدر الله تعالى في سابق علمه أنه من أهل النار وقرىء: صال بغير واو فمن أثبت الواو فهو جمع سلامة سقطت النون للإِضافة حمل أولاً على لفظ من فأفرد ثم ثانياً على معناها فجمع.﴿ وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ ﴾ هو من قول الملائكة قال الزمخشري: وما منا أحد إلا له مقام معلوم حذف الموصوف وأقام الصفة مقامه كقوله: أنا ابن جلا وطلاع الثنايا   بكفي كان من أرمى البشرانتهى وليس هذا من حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه لأنه أحدا المحذوف مبتدأ وإلا له مقام معلوم خبره ولأنه لا ينعقد كلام من قوله: وما منا أحد فقوله: إلا له مقام معلوم هو محط الفائدة وإن تخيل أن الاله مقام في موضع الصفة فقد نصوا على أن إلا لا تكون صفة إذا حذف موصوفها وأنها فارقت غيراً إذا كانت صفة في ذلك لتمكن غير في الوصف وقلة تمكن إلا فيه وجعل نظير ذلك قوله: أنا ابن رجلاً أي أنا ابن رجل جلا ويكفي كان أي يكفي رجل كان وهذا عند النحويين من أقبح الضرورات حيث حذفت الموصوف وأقام الجملة مقامه ولم يتقدمه من:﴿ وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلصَّآفُّونَ ﴾ أي أقدامنا في الصلاة أو أجنحتنا في الهواء.﴿ وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلْمُسَبِّحُونَ ﴾ أي المنزهون الله تعالى عما نسبت إليه الكفرة والضمير في ليقولن لكفار قريش.﴿ لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْراً ﴾ أي كتاباً من كتب الأولين الذي نزل عليهم التوراة والإِنجيل لأخلصنا العبادة لله تعالى ولم نكذب كما كذبوا.﴿ فَكَفَرُواْ بِهِ ﴾ أي بما جاءهم من الذكر الذي كانوا يتمنونه وهو أشرف الأذكار لإِعجازه من بين الكتب.﴿ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ عاقبة كفرهم وما يحل بهم من الانتقام وأكدوا قولهم بأن المخففة وباللام لكونهم كانوا جادين في ذلك ثم ظهر منهم التكذيب والنفور البليغ.﴿ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ ﴾ أي أعرض عنهم.﴿ حَتَّىٰ حِينٍ ﴾ أي إلى مدة يسيرة وهي مدة الكف عن القتال.﴿ وَأَبْصِرْهُمْ ﴾ أي أنظر إلى عاقبة أمرهم.﴿ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ ﴾ ما يحل بهم من العذاب والأسر والقتل وأمره بابصارهم إشارة إلى الحالة المنتظرة الكائنة لا محالة وأنها قريبة كأنها بين ناظريه هو يبصرها وفي ذلك تسلية وتنفيس عنه عليه السلام.﴿ أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ ﴾ إستفهام توبيخ.﴿ فَإِذَا نَزَلَ ﴾ هو أي العذاب مثل العذاب النازل بهم.﴿ فَسَآءَ صَبَاحُ ٱلْمُنْذَرِينَ ﴾ المخصوص بالذم محذوف تقديره فساء صباح المنذرين صباحهم.﴿ وَتَوَلَّ عَنْهُمْ ﴾ كرر الأمر بالتولي تأنيساً له عليه السلام وتأكيداً الوقوع الميعاد ولم يقيد أمره بالابصار كما قيده في الأول إما لاكتفاءه في الأول فحذفه اختصاراً وإما لما في ترك التقييد من جولان الذهن فيما يتعلق به الأبصار من صنوف المسرات والابصار منهم من صنوف المساءآت. وختم تعالى هذه السورة بتنزيهه عما يصفه به المشركون وأضاف الرب إلى نبيه عليه السلام تشريفاً له بإِضافته وخطابه ثم إلى العزة وهي العزة المخلوقة الكائنة للأنبياء عليهم السلام وللمؤمنين.


الصفحة التالية
Icon