﴿ بَلِ ٱللَّهَ فَٱعْبُدْ ﴾ خطاب للسامع أمره تعالى بالعبادة والشكر. قال الزمخشري: فاعبد ردّ لما أمروه من استلام بعض آلهتهم كأنه قال لا تعبد ما أمروك بعبادته بل إن كنت عاقلاً فاعبد الله فحذف الشرط وجعل تقدّم المفعول عوضاً منه " انتهى ". لا يكون تقدّم المفعول عوضاً من الشرط لجواز أن يجيء زيد فعمراً أضرب فلو كان عوضاً لم يجز الجمع بينهما.﴿ وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ﴾ تقدم الكلام عليه في الانعام ولما أخبر أنهم ما عرفوه حق معرفته نبههم على عظمته وجلاله على طريق التصوير والتخيل فقال:﴿ وَٱلأَرْضُ جَمِيعـاً قَبْضَـتُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ﴾ والدليل العقلي قائم على امتناع ثبوت الأعضاء والجوارح لله تعالى فوجب الحمل على المجاز ولما قرر كمال عظمته بما سبق أيضاً أردفه بما يناسب من ذلك إذ كان فيما تقدم ذكر حال الأرض والسماوات يوم القيامة فقال:﴿ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ ﴾ وقرىء:﴿ وَأَشْرَقَتِ ﴾ مبنياً للفاعل أي أضاءت وقرىء: مبنياً للمفعول من شرقت بالضوء تشرق إذا امتلأت به واغتصت وأشرقها الله تعالى كما يقول ملأ ارض عدلاً وطبقها عدلاً.﴿ وَجِـيءَ بِٱلنَّبِيِّيْنَ ﴾ ليشهدوا على أممهم.﴿ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ﴾ أي جوزيت مكملاً.﴿ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ ﴾ فلا يحتاج إلى كاتب ولا شاهد وفي ذلك وعيد وزيادة تهديد.﴿ وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَـفَرُوۤاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَراً ﴾ لما ذكر شيئاً من أحوال يوم القيامة على سبيل الاجمال بين بعد كيفية أحوال الفريقين وما أفضى إليه كل واحد منهما فقال وسيق السوق يقتضي الحث على المسير بعنف وهو الغالب فيه وجواب إذا افتتحت أبوابها ودل ذلك على أنها لا تفتح إلا إذا جاءت كسائر أبواب السجون فإِنها لا تزال مغلقة حتى يأتي أصحاب الجرائم الذين يسجنون فيها فتفتح ثم تغلق عليهم.﴿ وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَآ ﴾ على سبيل التقريع والتوبيخ.﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ ﴾ أي من جنسكم يقصون ما ينبئونكم به وتسهل عليكم مراجعتهم.﴿ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ ﴾ أي الكتب المنزلة للتبشير والنذارة.﴿ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَـآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا ﴾ وهو يوم القيامة وما يلقى فيه المسيء من العذاب.﴿ قَالُواْ بَلَىٰ ﴾ أي قد جاءتنا وتلوا عليها وأنذروا وهذا اعتراف بقيام الحجة عليهم.﴿ وَلَـٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ ٱلْعَذَابِ ﴾ أي قوله تعالى لأملأن جهنم الآية.﴿ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ ﴾ وضع الظاهر موضع المضمر أي علينا صرحوا بالوصف الموجب لهم العقاب ولما فرغت محاورتهم مع الملائكة أمروا بدخول النار.﴿ وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ إِلَى ٱلّجَنَّةِ زُمَراً ﴾ عبر عن الإِسراع إلى الجنة مكرمين بالسوق وإذا شرطية وجوابها قال الكوفيون: وفتحت والواو زائدة وقال غيرهم محذوف تقديره لسروا بذلك.﴿ وَقَـالُواْ ﴾ أي الداخلون الجنة.﴿ ٱلْحَـمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا ٱلأَرْضَ ﴾ وهي أرض الجنة أي ملكناها نتصرف فيها كيف نشاء.﴿ فَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ ﴾ أي المخصوص بالمدح محذوف تقديره أجرنا.﴿ وَتَرَى ٱلْمَلاَئِكَةَ ﴾ خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم.﴿ حَآفِّينَ ﴾ حال والحفوف الاحداق بالشىء من جميع جهاته أي حافين.﴿ مِنْ حَوْلِ ٱلْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ ﴾ حال.﴿ وَقِيلَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ ﴾ ختم الأمر وقول جزم عند فصل القضاء أي أن هذا الحاكم العدل ينبغي أن يحمد عند نفوذ حكمه وإكمال قضائه ومن هذه الآية جعلت الحمد لله رب العالمين خاتمة المجالس والمجتمعات في العلم.