﴿ ٱدْخُلُوۤاْ ﴾ الظاهر أنهم قيل لهم ادخلوا بعد المحاورة السابقة وهم قد كانوا في النار ولكن هذ أمر مقيد بالخلود وهو الثواء الذي لا ينقطع فليس أمراً بمطلق الدخول إذ بعد الدخول فيها أمروا أن يدخلوا سبعة الأبواب التي لكل باب منها جزء مقسوم من الكفار فكان ذلك أمراً بالدخول بقيد التجزئة لكل باب وخالدين حال مقدرة ودلت على الثواء الدائم فجاء التركيب.﴿ فَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَبِّرِينَ ﴾ ولم يجىء التركيب فبئس مدخل المتكبرين لأن نفس الدخول لا يدوم فلم يبالغ في ذمه بخلاف الثواء الدائم الذي لا ينقطع فإِنه بولغ في ذمه.﴿ فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ ﴾ أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ما وعده به من نصره وإعلاء حق ثابت لا بد من وقوعه.﴿ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ ﴾ أي من أخبرناك به في القرآن وهم ثمانية عشر نبياً.﴿ وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ ﴾ أي ليس ذلك راجعاً إليهم لما اقترحوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" ليس ذلك إلى لا تأتي آية إلا إن شاء الله فإِذا جاء أمر الله ردو وعيد باقتراحهم الآيات وأمر الله القيامة والمبطلون المعاندون مقترحو الآيات ومتى أتتهم الآيات فأنكروها وسموها سحراً "ثم ذكر تعالى آيات اعتبار وتعداد نعم فقال:﴿ ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَنْعَامَ ﴾ وهي ثمانية أزواج.﴿ لِتَرْكَـبُواْ مِنْهَا ﴾ وهي الإِبل إذ لم يعهد ركوب غيرها.﴿ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴾ عام في ثمانية الأزواج ولما كان المركوب منها وهي الإِبل أعظم منفعة إذ فيه منفعة الأكل والركوب وذكر أيضاً أن في الجميع منافع من شرب لبن واتخاذ دثار وغير ذلك أكل منفعة الركوب بقوله:﴿ وَلِتَـبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ ﴾ من بلوغ الأسفار الطويلة وحمل الأثقال إلى البلاد الشاسعة وما أشبه ذلك من المنافع الدنيوية والدينية ولما كان الركوب وبلوغ الحاجة المترتب عليه قد يتوصل به إلى الانتقال لأمر واجب أو مندوب كالحج وغيره دخل حرف القليل على الركوب وعلى المترتب عليه من بلوغ الحاجات فجعل ذلك علة لجعل الأنعام لنا ولما كان الأكل وإصابة المنافع من جنس المباحات لم يجعل ذلك علة في الجعل بل ذكر أن منها نأكل ولنا فيها منافع من شرب لبن واتخاذ دثار وغير ذلك كما أدخل لام التعليل في لتركبوا ولم يدخلها على الزينة في قوله والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ولما ذكر ما امتن به من منة الركوب للإِبل في البر ذكر ما امتن به من نعمة الركوب في البحر فقال:﴿ وَعَلَيْهَا وَعَلَى ٱلْفُلْكِ تُحْمَلُونَ * وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ ﴾ أي حججه وأدلته على وحدانيته.﴿ فَأَيَّ آيَاتِ ٱللَّهِ تُنكِرُونَ ﴾ أي أنها كثيرة فأيها ينكر أي لا يمكن إنكار شىء منها في العقول وأي آيات الله منصوب بتنكرون قال الزمخشري: فأي آيات الله جاءت على اللغة المستفيضة وقوله: فأية آيات الله قليل لأن التفرقة بين المذكر والمؤنث في الأسماء غير الصفات نحو حمار وحمارة غريب وهي في أي أغرب لإِبهامه " انتهى ". ومن قلة تأنيث أي قوله: بأي كتاب أم بأية سنة ترى حبهم عاراً عليّ وتحسبوقوله: وهي في أي أغرب ان عنى أياً على الإِطلاق فليس بصحيح لأن المستفيض في النداء أن تؤنث في نداء المؤنث كقوله تعالى:﴿ يٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ ﴾[الفجر: ٢٧] ولا يعلم من يذكرها فيه فيقول يا أيها المرأة إلا صاحب كتاب البديع في النحو وإن عنى غير المناداة فكلامه صحيح يقل تأنيثها في الاستفهام وموصولة وشرطية وما في قوله: فما أغنى نافية أو استفهامية في معنى النفي والضمير في جاءتهم عائد على الذين من قبلهم وجاء بقوله: من العلم على جهة التهكم بهم أي في الحقيقة لا علم لهم وإنما لهم خيالات واستبعادات لما جاءت به الرسل وكانوا يدفعون ما جاءت به الرسل بنحو قولهم ولئن رددّت إلى ربي أو اعتقدوا أن عندهم علماً يستغنون به عن علم الأنبياء عليهم السلام كما تزعم الفلاسفة والدهريون كانوا إذا سمعوا بوحي الله تعالى دفعوه وصغروا علم الأنبياء إلى علمهم ولما سمع سقراط لعنه الله بموسى عليه السلام قيل له لو هاجرت إليه فقال نحن قوم مهذبون فلا حاجة بنا إلى من يهذبنا وعلى هذين القولين تكون الضمائر متناسقة عائدة على مدلول واحد.﴿ بَأْسَنَا ﴾ أي عذابنا الشديد حكي حال من آمن بعد تلبس العذاب به وإن ذلك لم يكن نافعاً وفي ذلك حض على المبادرة إلى الإِيمان وتخويف من التأني وإيمانهم رفع بيك إسماً لها أو فاعل ينفعهم وفي يك ضمير الشأن على الخلاف الذي في كان يقوم زيد ودخل حرف النفي على الكون لا على النفع لأنه يؤدي إلى نفي الصحة أي لم يصح ولم يستقم كقوله تعالى:﴿ مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ ﴾[مريم: ٣٥] وترادف هذه الفاآت أما في فما أغنى عنهم فلأنه كان نتيجة قوله: كانوا أكثر منهم ولما جاءتهم رسلهم جار مجرى البيان والتفسير لقوله: ﴿ فَمَآ أَغْنَىٰ ﴾ وفلما رأوا بأسنا تابع لقوله فلما جاءتهم كأنه قال فكفروا به فلما رأوا بأسنا آمنوا وفلم يك ينفعهم إيمانهم تابع لإِيمانهم لما رأوا بأسنا وانتصب سنة على أنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة السابقة أي ان ما فعل بهم هي سنة الله التي قد مضت وسبقت في عباده من إرسال الرسل والاعذار بهم وتعذيب من كذبهم واستئصالهم بالهلاك وعدم الانتفاع بالإِيمان حالة تلبس العذاب بهم وهنالك ظرف مكان استعير للزمان أي وخسر في ذلك الوقت الكافرون.