﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ ﴾ الآية قال ابن عباس: نزلت في الصديق قال المشركون: ربنا الله والملائكة بناته وهؤلاء شفعاؤنا عنده واليهود قالوا: ربنا الله وعزير ابنه ومحمد ليس نبي فلم يستقيما والصديق قال: ربنا الله وحده لا شريك له ومحمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم فاستقام ولما أطنب تعالى في وعيد الكفار أردفه بوعد المؤمنين وليس المراد التلفظ بالقول فقط بل لا بد من الاعتقاد المطابق للقول اللساني وبدأ أولاً بالذي هو أمكن في الإِسلام وهو العالم بربوبية الله تعالى ثم اتبعه بالعمل الصالح وهو الاستقامة وعن سفيان بن عبد الله الثقفي قال:" قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبرني بأمر أعتصم به قال: قل ربي الله ثم استقم قال: قلت ما أخوف ما تخاف علي فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بلسان نفسه وقال؛ هذا "وقال ابن عطية: نزلا نصب على المصدر والمحفوظ أنّ مصدر نزل نزولاً لا نزلا ولما تقدم قوله تعالى: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ﴾ ذكر من دعا إلى ذلك فقال:﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ ﴾ أي لا أحد أحسن قولاً ممن يدعوا إلى توحيد الله ويعمل العمل الصالح ويصرح أنه من المسلمين المنقادين له ذكر أنه يجوز أن يكون ثم محذوف تقديره قولاً وعملاً حتى يكون مقابله العمل والقول: ويجوز أن لا يكون ثم محذوف ويكون قوله وعمل صالحاً جملة حالية أي لا أحد أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وقد عمل صالحاً ولما تفاوتت الحسنة والسيئة أمر أن يدفعوا السيئة بالأحسن وذلك مبالغة ولم يقل ادفع الحسنة بالسيئة لأن من هان عليه الدفع بالأحسن هان عليه الدفع بالأحسن أي فإِذا فعلت ذلك إذا الذي بينك وبينه عداوة صار لك كالولي الصديق الخالص الصداقة ولا في قوله ولا السيئة زائدة للتوكيد كهي في قوله﴿ وَلاَ ٱلظِّلُّ وَلاَ ٱلْحَرُورُ ﴾[فاطر: ٢١] لأن استوى لا يكتفي بمفرد واحد فإِن أخذت الحسنة والسيئة جنساً لم تك زيادتها كزيادتها في الوجه الذي قبل هذا إذ يصير المعنى ولا تستوي الحسنات إذ هي متفاوتة في أنفسها ولا السيئات لتفاوتها أيضاً.﴿ وَمَا يُلَقَّاهَآ ﴾ الضمير عائد على الفعلة والسجية التي هي الدفع بالأحسن وكرر وما يلقاها تأكيد لهذه الفعلة الجميلة الجليلة وذو حظ عظيم هو ثواب الآخرة.﴿ وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ ﴾ تقدم الكلام عليه.﴿ فَإِنِ ٱسْتَكْبَرُواْ ﴾ فيه انتقال من خطاب في قوله لا تسجدوا واسجدوا إلى ضمير الغائب في قوله: فإِن استكبروا ومعنى عند ربك يعني الملائكة وعند ظرف مكان وهو مجاز.﴿ وَهُمْ لاَ يَسْئَمُونَ ﴾ أي لا يملكون ذلك ولمّا ذكر شيئاً من الدلائل العلوية ذكر شيئاً من الدلائل السفلية فقال:﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى ٱلأَرْضَ خَاشِعَةً ﴾ أي غير دراسة.﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ ﴾ تقدم الكلام عليه وذكر تعالى أنهم لا يخفون عليه وفي ذلك تهديد لهم.﴿ ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ ﴾ وعيد وتهديد بصيغة الأمر ولذا جاء أنه بما تعملون بصير فيجازيكم بأعمالكم.﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ هم قريش ومن تابعهم من الكفار غيرهم والذكر القرآن هنا بإِجماع وخبر أن اختلفوا فيه أمذكور هو أم محذوف؟ فقيل مذكور وهو قوله: أولئك ينادون وهو قول أبي عمرو بن العلاء في حكاية جرت بينه وبين بلال بن أبي بردة سئل بلال في مجلسه عن هذا فقال: لم أجدو لها نفاذاً فقال له أبو عمرو انه منك لقريب أولئك ينادون وقاله الحوفي ويرد على ذلك القول كثرة الفصل وإنه ذكر هناك من تكون الإِشارة إليهم وهو قوله: ﴿ وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِيۤ آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَـٰئِكَ يُنَادَوْنَ ﴾.
وقيل محذوف وخبر أن يحذف لفهم المعنى وسأل عيسى بن عمر عمرو بن عبيد عن ذلك فقال عمرو معناه في التفسير أن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم كفروا به وانه لكتاب فقال له عيسى: أجدت يا أبا عثمان وقال قوم تقديره معاندون أو هالكون وقال الكسائي قد سد مسده ما تقدم من الكلام قيل ان وهو قوله أفمن يلقى في النار " انتهى ". كأنه يريد دل عليه ما قبله فيمكن أن يقدر مخلدون في النار ويجوز أن يكون خبر أن قوله لا يأتيه الباطل تكون الألف واللام نابت عن الضمير أي لا يأتيه باطلهم ولمّا ذكر تعالى الملحدين في آياته وأنهم لا يخفون عليه والكافرين بالقرآن ذكر ما دل على تعنتهم وما ظهر من تكذبهم وقولهم هلا نزل بلغة العجم فقال:﴿ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أعْجَمِيّاً ﴾ أي لا يفصح ولا تبين معانيه لهم لكونه بلغة العجم أو بلغة غير العرب لم يتركوا الاعتراض والتعنت ولقالوا لولا فصلت آياته أي بينت لنا وأوضحت حتى نفهمها وقرىء: أعجمي بهمزة الاستفهام بعدها مدة هي همزة أعجمي وقرىء: أعجمي على الخبر وهما بدل من قوله: آياته.﴿ قُلْ هُوَ ﴾ أي القرآن.﴿ هُدًى ﴾ أي إرشاد إلى الحق وشفاء لما في الصدور من الظن والشك وظاهر أن والذين لا يؤمنون مبتدأ وفي آذانهم وقر في موضع الخبر وهو عليهم عمى خبر ثان والظاهر * أن الضمير في وهو عائد على القرآن وقيل يعود على الوقر:﴿ أُوْلَـٰئِكَ ﴾ إشارة للذين لا يؤمنون.﴿ إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ ﴾ لما ذكر تعالى من عمل صالحاً ما كان في ذلك دلالة على الجزاء يوم القيامة فكأن سائلاً قال: متى ذلك فقيل لا يعلمها إلا الله تعالى وما تخرج ما نافية ومن ثمرات من زائدة وثمرات فاعل من أكمامها في موضع الصفة إلاّ بعلمه استثناء بعد النفي وبعلمه في موضع الحال أي لا تخرج ولا تحمل ولا تضع إلا ملتبساً ذلك بعلمه فالباء في بعلمه للحال.


الصفحة التالية
Icon