﴿ وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ ﴾ جعل القوم محلاً للنداء والظاهر أنه نادى عظماء القبط في محله الذي هو وهم يجتمعون فيه فرفع صوته فيما بينهم لتنتشر مقالته في جميع القبط وسبب ندائه ذلك أنه لما رأى إجابة الله دعوة موسى عليه السلام ورفع العذاب عنهم خاف ميل القوم إليه فنادى.﴿ قَالَ يٰقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ ﴾ أراد أن يبين فضله على موسى عليه السلام بملك مصر وهي من اسكندرية إلى أسوان.﴿ وَهَـٰذِهِ ٱلأَنْهَارُ ﴾ أي الخلجان التي تخرج من النيل وأعظمها نهر الملك ونهر طولون ونهر قنيس ونهر دمياط واو في وهذه الأنهار واو الحال وتجري خبر وهذه والأنهار صفة أو عطف بيان.﴿ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ ﴾ عظمتي وقدرتي وعجز موسى.﴿ أَمْ أَنَآ خَيْرٌ ﴾ الظاهر أنها أم المنقطعة المقدرة ببل والهمزة أي بل انا خير وهو إذا استفهم أو خير ممن هو ضعيف.﴿ وَلاَ يَكَادُ ﴾ يفصح عن مقصوده إذا تكلم وهو الملك المتحكم فيهم قالوا له بلا شك أنت خير.﴿ فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ ﴾ قال مجاهد كانوا إذا سودوا رجلاً سوروه بسوارين وطوقوه من ذهب علامة لسودده فقال فرعون هلا ألقى رب موسى عليه أساورة من ذهب إن كان صادقاً فكان ذلك دليلاً على إلقاء مقاليد الملك إليه لما وصف نفسه بالملك والعزة وصفة بالضعف والاعضاد اعترض فقال إن كان صادقاً فهلا ملكه ربه وسوره وجعل الملائكة أنصاره وقرىء: أسورة.﴿ فَٱسْتَخَفَّ قَوْمَهُ ﴾ أي استجهلهم لقلة أحلامهم.﴿ فَلَمَّآ آسَفُونَا ﴾ هو على حذف مضاف قال ابن عباس: احزنوا أولياءنا المؤمنين.﴿ فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً ﴾ قال ابن عباس: متقدمين إلى النار.﴿ وَمَثَلاً لِّلآخِرِينَ ﴾ أي حديثاً عجيب الشأن سائراً مسير المثل يحدث به الآخرون من الكفار يقال لهم مثلكم مثل قوم فرعون.﴿ وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً ﴾ الآية لما ذكر طرفاً من قصة موسى عليه السلام ذكر طرفاً من قصة عيسى عليه السلام وعن ابن عباس وغيره لما نزل ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم ونزل كيف خلق من غير فحل قالت قريش: وما أراد محمد من ذكر عيسى إلا أن نعبده نحن كما عبدت النصارى عيسى فهذا كان صدودهم من ضربه مثلاً.﴿ وَقَالُوۤاْ ءَأَ ٰلِهَتُنَا خَيْرٌ ﴾ هذا استفهام يتضمن أن آلهتهم خير من عيسى عليه السلام.﴿ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً ﴾ أي ما مثلوا هذا التمثيل إلا لأجل الجدل والغلبة والمغالطة لا لتمييز الحق واتباعه وانتصب جدلاً على أنه مفعول من أجله وقيل مصدر في موضع الحال.﴿ خَصِمُونَ ﴾ شديد والخصومة واللجاج والظاهر أن الضمير في أم هو لعيسى لتناسق الضمائر في قوله: إن هو إلا عبد أنعمنا عليه.﴿ وَلَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَا ﴾ قال بعض النحويين من تكون للبدل أي لجعلنا بدلكم ملائكة وجعل من ذلك قوله تعالى:﴿ أَرَضِيتُمْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا مِنَ ٱلآخِرَةِ ﴾[التوبة: ٣٨] أي بدل الآخرة ومنه قول الشاعر: أخذوا المخاض من الفصيل عُلية ظلماً ويكتب للأمير أفلا أي بدل الفصيل ويجوز أن تكون من هنا للتعليل على حذف مضاف تقديره من أجلكم.﴿ يَخْلُفُونَ ﴾ أي يكونون خلفاءكم وقيل يخلف بعضهم بعضاً والظاهر أن الضمير في وانه لعلم للساعة يعود على عيسى عليه السلام إذ الظاهر في الضمائر السابقة أنها عائدة عليه وقرأ ابن عباس وجماعة لعلم أي لعلامة للساعة يدل على قرب ميقاتها إذ خروجه شرط من إشراطها وهو نزوله من السماء في آخر الزمان.﴿ وَٱتَّبِعُونِ ﴾ أي هداي.﴿ بِٱلْبَيِّنَاتِ ﴾ أي المعجزات أو بآيات الإِنجيل الواضحات.﴿ بِٱلْحِكْمَةِ ﴾ أي بما تقتضيه الحكمة الإِلٰهية من الشرائع بالحكمة.﴿ وَلأُبَيِّنَ ﴾ متعلق بجئتكم.﴿ بَعْضَ ٱلَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ ﴾ من أمر الديانات والضمير في من بينهم عائد على من خاطبهم عيسى عليه السلام في قوله: قد جئتكم بالحكمة وهم قومه المبعوث إليهم.﴿ فَٱخْتَلَفَ ٱلأَحْزَابُ ﴾ تقدم الكلام عليه.﴿ هَلْ يَنظُرُونَ ﴾ الضمير لقريش وان تأتيهم بدل من الساعة أي إتيانها إياهم.﴿ ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ ﴾ قيل نزلت في أبي بن خلف بن أبي معيط والتنوين في يومئذٍ عوض من الجملة المحذوفة أي يوم إذ تأتيهم الساعة والذين آمنوا صفة ليا عبادي.﴿ تُحْبَرُونَ ﴾ تسرون سرورا يظهر حباره أي أثره على وجوههم والضمير في وفيها عائد على الجنة.﴿ مَا تَشْتَهِيهِ ٱلأَنْفُسُ وَتَلَذُّ ٱلأَعْيُنُ ﴾ هذا حصر لأنواع النعيم لأنها اما مشتهاة في القلب وإما مستلذة في العيون.﴿ وَتِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ﴾ مبتدأ وخبر.﴿ أُورِثْتُمُوهَا ﴾ حال ويجوز أن تكون الجنة بدلاً من تلكم وأورثتموها الخبر. و ﴿ بِمَا كُنتُمْ ﴾ متعلق بأورثتموها ولما ذكر ما تضمن الأكل والشرب ذكر الفاكهة.﴿ مِّنْهَا تَأْكُلُونَ ﴾ من للتبعيض إذ لا يأكلون إلا بعضها.﴿ إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ﴾ لما ذكر تعالى حال أهل الجنة أعقبه بذكر حال الكفرة.﴿ وَنَادَوْاْ يٰمَالِكُ ﴾ تقدم أنهم مبلسون أي ساكنون وهذه أحوال لهم في أزمان متطاولة فلا تعارض بين سكوتهم وندائهم واللام في ليقض لام الطلب والرغبة والمعنى ليمتنا مرة حتى لا يتكرر عذابنا.﴿ قَالَ ﴾ أي مالك.﴿ إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ ﴾ أي مقيمون في النار لا تبرحون وقال ابن عباس يجيبهم بعد مضي ألف سنة.﴿ لَقَدْ جِئْنَاكُم بِٱلْحَقِّ ﴾ الظاهر أنه من كلام الله تعالى لهم.﴿ أَمْ أَبْرَمُوۤاْ ﴾ الضمير لقريش أي بل أحكموا أمراً من كيدهم للرسول ومكرهم.﴿ فَإِنَّا مُبْرِمُونَ ﴾ كيدنا كما أبرموا كيدهم وكانوا يتناجون ويتسارون في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تعالى:﴿ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ ﴾ وهو ما يحدث به الرجل نفسه أو غيره في مكان خال.﴿ وَنَجْوَاهُم ﴾ وهو ما تكلموا به فيما بينهم.﴿ بَلَىٰ ﴾ أي نسمعها.﴿ وَرُسُلُنَا ﴾ وهم الحفظة.﴿ قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ ﴾ التعليق بأن لا يقتضي جواز الشىء بل قد يتعلق بها الممتنع ويجاب بالممتنع ونظيره ما تقدم من قوله تعالى:﴿ فَإِن ٱسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي ٱلأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي ٱلسَّمَآءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ ﴾[الأنعام: ٣٥] وجوابه محذوف تقديره فافعل وهو عليه السلام لا يستطيع إلا النفق وله السلم ويجوز أن يكون المعنى إن كان للرحمٰن ولد فيما تدعون وتزعمون.﴿ فَأَنَاْ أَوَّلُ ﴾ الآنفين المنكرين لذلك تقول العرب عبد الرجل يعبد بمعنى أنف يأنف ومعنى إلٰه معبود وبه يتعلق الجار والمجرور والمعنى أنه هو معبود في السماء ومعبود في الأرض والعائد على الموصول محذوف تقديره وهو إله وقرىء: وقيله منصوب على إضمار فعل أي ويعلم قيله وبالخفض فقيل معطوف على الساعة وقيل هي واو القسم والجواب محذوف تقديره لينصرن أو لأفعلن بهم ما أشاء وبالرفع معطوف على علم الساعة تقديره وعلم قيله فحذف وعلم وأقيم المضاف إليه مقامه فرفع والضمير المجرور عائد على الرسول صلى الله عليه وسلم بدلالة قوله:﴿ فَٱصْفَحْ عَنْهُمْ ﴾ أي أعرض عنهم وتاركهم.﴿ وَقُلْ سَلاَمٌ ﴾ أي الأمر سلام.﴿ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ وعيد لهم وتهديد وموادعة وهي منسوخة بآية السيف.