﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * حمۤ * تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ * إِنَّ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لأيَٰتٍ ﴾ هذه السورة مكية وقيل إلا قوله: ﴿ قُل لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ لآية. فمدني ومناسبة أولها لآخر ما قبلها في غاية الوضوح قال تعالى:﴿ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ ﴾[الدخان: ٥٨] وقال: ﴿ حمۤ * تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ... إِنَّ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ﴾ ذكر تعالى في البقرة ثمانية دلائل وهنا ستة ثم لم يذكر الفلك والسحاب والسبب في ذلك أن مدار الحركة الفلك والسحاب على الرياح المختلفة بذكر الرياح وهناك جعل مقطع الثمانية واحداً وهنا رتبها على مقاطع ثلاثة يؤمنون يوقنون يعقلون وأظن سبب هذا الترتيب إن كنتم مؤمنين فافهموا هذه الدلائل وإن لم تكونوا مؤمنين ولا موقنين فلا أقل ان تكونوا من العاقلين فاجتهدوا وقال: هناك ان في خلق السماوات وهنا في السماوات فدل على أن الخلق غير المخلوق وهو الصحيح ولا تفاوت بين أن يقال ان في السماوات أو في خلق السماوات. قال الزمخشري: أقيمت الواو مقامها فعملت الجر في واختلاف الليل والنهار والنصب في آيات وإذا رفعت فالعاملان الابتداء وفي عملت الرفع في وآيات والجر في واختلاف " انتهى ". فنسبة عمل الجر والنصب والجر والرفع للواو ليس بصحيح لأن الصحيح من المذاهب أن حروف العطف لا تعمل ومن منع العطف على مذهب الأخفش أضمر حرف الجر بعد وفي اختلاف فالعمل للحرف مضمر أو نابت الواو ومناسب عامل واحد ويدل على أن في مقدرة قراءة عبد الله وفي اختلاف مصرحاً بفي وحسن حذف في تقدمها في قوله: وفي خلقكم.﴿ تَلْكَ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ ﴾ أي تلك الآيات وهي الدلائل المذكورة.﴿ نَتْلُوهَا ﴾ أي نسردها عليك ملتبسة بالحق ونتلوها في موضع الحال أي متلوة. قال الزمخشري: والعامل ما دل عليه تلك من معنى الإِشارة ونحوه وهذا بعلى شيخنا " انتهى ". ليس نحوه لأن في وهذا حرف تنبيه وقيل العامل في الحال ما دل عليه حرف التنبيه أي تنبه وأما تلك فليس فيها حرف التنبيه فإِذا كان حرف التنبيه عاملاً بما فيه من معنى التنبيه لأن الحرف قد يعمل في الحال فالمعنى تنبه لزيد في حال شيخه أو في حال قيامه وقيل العامل في مثل هذا التركيب فعل محذوف يدل عليه المعنى أي أنظر إليه في حال شيخه فلا يكون إسم الإِشارة عاملاً ولا حرف التنبيه إن كان هناك. قال الزمخشري: بعد الله وآياته أي بعد آيات الله كقولهم أعجبني زيد وكرمه يريدون أعجبني كرم زيد " انتهى ". ليس هذا بشىء لأن فيه من حيث المعنى اقتحام الأسماء من غير ضرورة والعطف والمراد غير العطف من إخراجه إلى باب البدل لأن تقدير كرم زيد إنما يكون في أعجبني زيد كرمه بغير واو على البدل وهذا قلب لحقائق النحو وإنما المعنى في أعجبني زيد وكرمه إن ذات زيد أعجبته وأعجبه كرمه فهما إعجابان لا إعجاب واحد وقد رددنا عليه مثل هذا فيما تقدم.﴿ وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ﴾ قيل نزلت في النصر بن الحارث وغيره وما كان يشتري من أحاديث الأعاجم ويشغل بها الناس عن استماع القرآن والآية عامة في كل من كان مضار الدين الله تعالى وأفاك أثيم صفتا مبالغة وألفاظ هذه الآية تقدم الكلام عليها والإِشارة بأولئك إلى كل أفاك لشموله الأفاكين حمل أولاً على لفظ كل فأفرد ثم على المعنى فجمع كقوله:﴿ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾[المؤمنون: ٥٣].
﴿ مِّن وَرَآئِهِمْ جَهَنَّمُ ﴾ أي من مقدامهم والوراء ما توارى من خلف وإمام.﴿ وَلاَ يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُواْ ﴾ من الأموال في متاجرهم.﴿ وَلاَ مَا ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ ﴾ من الأوثان.﴿ هَـٰذَا ﴾ أي القرآن.﴿ هُدًى ﴾ أي بالغ في الهداية كقولك هذا رجل أي كامل في الرجولية.﴿ ٱللَّهُ ٱلَّذِي سَخَّرَ ﴾ هذه آية اعتبار. قال الزمخشري: ويجوز أن يكون يعني منه خبر مبتدأ محذوف تقديره هي جميعاً وأن يكون وما في الأرض مبتدأ ومنه خبره " انتهى ". لا يجوز هذان الوجهان إلا على قول الأخفش لأن جميعاً إذا ذاك حال والعامل فيها معنوي وهو الجار والمجرور فهو نظير زيد قائماً في الدار لا يجوز على مذهب الجمهور وقرىء: ليجزي مبنياً للفاعل أي ليجزي الله وترى: بالنون أي لنجزي نحن وبالياء بنياً للمفعول والأحسن أن يكون المفعول الذي لم يسم فاعله ضمير المصدر أي ليجزي هو أي الجزاء وينتصب قوماً بإِضمار فعل يدل عليه ما قبله تقديره يجزي قوماً.﴿ فَمَا ٱخْتَلَفُوۤاْ ﴾ تقدم الكلام عليه.﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ فَٱتَّبِعْهَا ﴾ الآية لما ذكر تعالى انعامه على بني إسرائيل واختلافهم بعد ذلك ذكر حال نبيه صلى الله عليه وسلم وما من به عليه من اصطفائه فقال: ثم جعلناك على شريعة من الأمر قيل الشريعة هي الأمر والنهي والحدود والفرائض.﴿ هَـٰذَا بَصَائِرُ ﴾ أي هذا القرآن جعل ما فيه من معالم الدين بصائر للقلوب كما جعل روحاً وحياة وقرىء: هذه أي هذه الآيات.


الصفحة التالية
Icon