﴿ أَمْ حَسِبَ ﴾ أم منقطعة تتقدر ببل والهمزة وهو استفهام إنكار قال الكلبي: نزلت في علي وحمزة وعبيدة بن الحٰرث. قال شيبة والوليد بن عتبة وعتبة قالوا للمؤمنين والله ما أنتم على شىء ولئن كان ما تقولون حقاً لحالنا أفضل من حالكم في الآخرة كما هو أفضل في الدنيا واجترحوا اكتسبوا والسيئات هنا سيئات الكفر ونجعلهم نصيرهم والمفعول الثاني هو كالذين وبه تمام المعنى واحتمل الضمير في محياهم ومماتهم أن يعود على الذين اجترحوا أخبر ان حالهم في الزمانين سواء وأن يعود على المجترحين والصالحين بمعنى أن محيا المؤمنين ومماتهم سواء في الكرامة عند الله تعالى ومحيا المجترحين ومماتهم سواء في إهانتهم عند الله تعالى وعدم كرامتهم عليه ويكون اللفظ قد لف هذا المعنى وذهن السامع يفصله إذ قد تقدم ابعاد الله أن يجعل هؤلاء كهؤلاء. قال الزمخشري: والجملة التي هي سواء محياهم ومماتهم بدل من الكاف لأن الجملة تقع مفعولاً ثانياً فكانت في حكم المفرد ألا تراك لو قلت أن نجعلهم سواء محياهم ومماتهم كان سديداً كما تقول ظننت زيداً أبوه منطلق " انتهى ". هذا الذي ذهب إليه الزمخشري من إبدال الجملة من المفرد قد أجازه أبو الفتح واختاره ابن مالك وأما تجويزه أن نجعلهم سواء محياهم ومماتهم فيظهر لي أنه لا يجوز لأنها بمعنى التصيير ولا يجوز صيرت زيداً غلامه منطلق ولا صيرت زيداً غلامه منطلق، ولا صيرت زيداً أبوه قائم لأن التصيير انتقال من ذات إلى ذات ومن وصف في الذات إلى وصف فيها وتلك الجملة الواقعة بعد مفعول صيرت المقدرة مفعولاً ثانياً ليس فيها انتقال مما ذكرنا فلا يجوز والذي يظهر لي أنا إذا قلنا يتشبث هذه الجملة بما قبلها أن تكون الجملة في موضع الحال والتقدير أم حسب الكفار ان نصيرهم مثل المؤمنين في حال استواء محياهم ومماتهم ليسوا كذلك بل هم يفترون أي افتراق في الحالين وتكون هذه الحال مبينة ما نبهم في المثلية الدالة عليها الكاف.﴿ أَفَرَأَيْتَ ﴾ قال مقاتل: نزلت في الحٰرث بن قيس وأفرأيت هي بمعنى أخبرني والمفعول الأول من هو اتخذوا الثاني محذوف تقديره بعد الصلاة التي لمن أي أيهتدى ويدل عليه قوله: بعد فمن يهديه من بعد الله أي لا أحد يهديه من بعد إضلال الله إياه.﴿ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ ﴾ أي هو مطاوع لهوى نفسه يتبع ما تدعوه إليه فكأنه يعبده كما يعبد الرجل إلٰهه.﴿ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ ﴾ أي من الله تعالى سابق أو على علم من هذا الضال بأن الحق هو الدين ويعرض عنه عناداً فيكون كقوله﴿ وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ﴾[النمل: ١٤] والظاهر أن قولهم غوت وتحيا حكم على النوع بجملته من غير اعتبار تقديم ولا تأخير أي تموت طائفة وتحيا طائفة وان المراد بالموت مفارقة الروح للجسد وجواب إذا ما كان حجتهم لأن إذا للاستقبال وخالفت أدوات الشرط بأن جوابها إذا كان منفياً بما لم تدخل الفاء بخلاف أدوات الشرط فلا بد من الفاء تقول إن تزرنا فما جفوتنا أي فما تجفونا وفي كون الجواب منفياً بما دليل على ما اخترناه من أن جواب إذ لا يعمل فيها لأن ما بعد ما النافية لا يعمل فيما قبلها.﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ ﴾ الآية العامل في ويوم يخسر ويومئذٍ بدل من يوم نقوم والمبطلون الداخلون في الباطل.﴿ جَاثِيَةً ﴾ باركة على الركب مستوفزة وهي هيئة المذنب الخائف وقرىء: جاذية بالذال والجذ وأشد استيفازاً من الجثو لأن الجاذي الذي يجلس على أطراف أصابعه وعن ابن عباس جاثية أي مجتمعة وقرىء: كل أمة تدعي بنصب كل على البدل بدل النكرة الموصوفة من النكرة والظاهر عموم كل أمة من مؤمن وكافر.﴿ تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَابِهَا ﴾ المنزل عليها فتحاكم إليه هل وافقته أو خالفته وأفرد كتابها اكتفاءً بإِسم الجنس كقوله ووضع الكتاب.﴿ ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ﴾ أي يقال لهم اليوم تجزون.﴿ هَـٰذَا كِتَابُنَا ﴾ هو الذي دعيت إليه كل أمة وصحت إضافته إليه تعالى لأنه مالكه والآمر بكتبه وإليهم لأن أعمالهم مثبتة فيه والإِضافة تكون بأدنى ملابسة فلذلك صحت إضافته إليهم وإليه تعالى.﴿ يَنطِقُ عَلَيْكُم ﴾ أي يشهد.﴿ بِٱلْحَقِّ ﴾ من غير زيادة ولا نقصان.﴿ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ ﴾ أي الملائكة أي نجعلها تنسخ أي تكتب وحقيقة النسخ نقل خط من أصل ينظم فيه فأعمال العباد كأنها الأصل. وقرىء: والساعة بالرفع على الإِبتداء وبالنصب عطفاً على وعد الله.﴿ إِلاَّ ظَنّاً ﴾ أي ظناً ضعيفاً وقال الأعشى: وجد به الشيب أثقاله وما اغتره الشيب إلا اغتراراًاغتراراً بينا. وقال الزمخشري: فإِن قلت ما معنى أن نظن إلا ظناً قلت: أصله نظن ظناً ومعناه إثبات الظن فحسب وأدخل حرف النفي والإِستثناء ليفاد إثبات الظن مع نفي ما سواه وزيد نفي ما سوى الظن توكيداً بقوله: وما نحن بمستيقنين " انتهى ". وهذا كلام من لا شعور له بالقاعدة النحوية من أن التفريغ يكون في جميع المعمولات من فاعل ومفعول وغيره إلا المصدر المؤكد فإِنه لا يكون فيه وقولهم: أن نظن دليل على أن الكفار قد أخبروا بأنهم ظنوا البعث واقعاً ودل قولهم قبل ان هي إلا حياتنا الدنيا على أنهم منكرون البعث فهم والله أعلم فرقتان.﴿ وَبَدَا لَهُمْ ﴾ أي قبائح أعمالهم.﴿ وَحَاقَ بِهِم ﴾ أي أحاط بهم ولا تستعمل حاق إلا في المكروه ننساكم نترككم في العذاب كالشىء المنسي الملقى غير المبالى به.﴿ كَمَا نَسِيتُمْ ﴾ أي لقاء جزاء الله على أعمالكم وأضاف اللقاء لليوم توسعاً.﴿ مِنْهَا ﴾ أي من النار.﴿ وَلاَ هُمْ يُسْتَعَتَبُونَ ﴾ أي تطلب منهم مراجعة إلى عمل صالح وتقدم الكلام عليه في الاستعتاب.