﴿ قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا ﴾ إستفهام تقرير وتوبيخ فيما أنذره إياهم من العذاب العظيم على ترك أفراد الله تعالى بالعبادة.﴿ لِتَأْفِكَنَا ﴾ أي لتصرفنا.﴿ عَنْ آلِهَتِنَا ﴾ بالإِفك وهو الكذب.﴿ فَأْتِنَا ﴾ إستعجال منهم لحلول ما وعدهم به من العذاب العظيم والضمير في رأوه الظاهر أنه عائد على ما في قوله بما تعدنا وهو العذاب وانتصب عارضاً على الحال من المفعول. وقال الزمخشري: فلما رأوه في الضمير وجهان ان يرجع إلى ما تعدنا وأن يكون مبهماً وقد وضح أمره بقوله عارضاً إما تمييزاً وإما حالاً وهذا الوجه أعرب وأفصح " انتهى ". هذا الذي ذكر أنه أعرب وأفصح ليس جارياً على ما ذكره النحاة لأن المبهم الذي يفسره ويوضحه التمييز لا يكون إلا في باب رب نحو ربه رجلاً لقيته وفي باب نعم وبئس على مذهب البصريين نحو نعم رجلاً زيد وبئس غلاماً عمرو وأما ان الحال توضح المبهم وتفسره فلا نعلم ان أحداً ذهب إليه وقد حصر النحاة الذي يفسره ما بعد فلم يذكروا فيه مفعول رأى إذا كان ضميراً ولا ان الحال تفسر الضمير وتوضحه والعارض المعترض في الجو من السحاب الممطر وأودية جمع واد وهو جمع شاذ في القياس إذ فاعل الإِسم لا يجمع على أفعلة.﴿ بَلْ هُوَ ﴾ بل حرف إضراب وهو مبتدأ وما خبره وريح بدل من ما.﴿ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ هو عام مخصوص بتدمير ما أمرت به وقرىء: ترى بالتاء مبنياً للمفعول مساكنهم رفع ولما أخبر بهلاك قوم عاد خاطب قريشاً على سبيل الموعظة فقال:﴿ وَلَقَدْ مَكَّنَاهُمْ ﴾ وان نافية أي في الذي ما مكناكم فيه من القوة والغنى والبسط في الأجسام والأموال ولم يكن النفي بلفظ ما كراهة لتكرير اللفظ وإن اختلف المعنى.﴿ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِّنَ ٱلْقُرَىٰ ﴾ خطاب لقريش على جهة التمثيل لهم والذي حولهم من القرى ما رب وحجر ثمود وسدوم.﴿ وَصَرَّفْنَا ٱلآيَاتِ ﴾ أي الحجج والدلائل.﴿ فَلَوْلاَ نَصَرَهُمُ ﴾ أي فهلا نصرهم حين جاءهم الهلاك.﴿ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ ﴾ أي اتخذوهم من دون الله قرباناً أي في حال التقرب وجعلهم شفعاء.﴿ آلِهَةَ ﴾ وهو المفعول الثاني لاتخذوا والأول الضمير المحذوف العائد على الموصول. وقال الزمخشري: وقرباناً حال ولا يصح أن يكون قرباناً مفعولاً ثانياً وآلهة بدل لفساد المعنى " انتهى ". لم يبين الزمخشري كيف يفسر المعنى ويظهر أن المعنى صحيح على ذلك الإِعراب.﴿ وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ ٱلْجِنِّ ﴾ قضية الجن كانت مرتين: الأولى يأتي ذكرها. والثانية:" ان الله تعالى أمره عليه السلام أن ينذر الجن ويقرأ عليهم القرآن فقال: إني أمرت أن أقرأ على الجن فمن يتبعني قالها ثلاثاً فأطرقوا إلا عبد الله بن مسعود قال: لم يحضره أحد ليلة الجن غيري فانطلقنا حتى إذا كنا في شعب الحجون خط لي خطاً وقال لا تخرج منه حتى أعود إليك ثم افتتح القرآن وسمعت لغطاً شديداً حتى خفت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وغشيته أسودة كثيرة حالت بيني وبينه حتى ما أسمع صوته ثم انقطعوا كقطع السحاب فقال لي هل رأيت شيئاً قلت: نعم رجالاً سوداً مستثفري ثياب بيض فقال: أولئك من نصيبين وكانوا اثني عشر ألفاً والسورة التي قرأها عليهم: ﴿ ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ﴾ [العلق: ١] وفي آخر هذا الحديث قلت: يا رسول الله سمعت لهم لغطاً فقال: إنهم تدارؤا في قتيل لهم فحكمت بالحق ".﴿ فَلَمَّا حَضَرُوهُ ﴾ أي القرآن.﴿ قَالُوۤاْ أَنصِتُواْ ﴾ أي اسكتوا للإِستماع وفيه تأدب مع العلم وكيف يتعلم.﴿ فَلَمَّا قُضِيَ ﴾ أي القرآن.﴿ وَلَّوْاْ إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ ﴾ تفرقوا على البلاد ينذرون الجن قال قتادة: ما أسرع ما عقل القوم وعند ذلك وقعت قصة سواد بن فارب وخنافر وأمثالهما حين جاءهما ربياهما من الجن وكان سبب إسلامهما.﴿ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ ﴾ أي بعد كتاب موسى قال عطاء: كانوا على ملة اليهود.﴿ أَجِيبُواْ دَاعِيَ ٱللَّهِ ﴾ هو الرسول صلى الله عليه وسلم وآمنوا به يعود على الله.﴿ يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ ﴾ من للتبعيض.﴿ وَيُجِرْكُمْ مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ وهذا كله وظواهر القرآن يدل على أن الجن مكلفون ولم ينص هنا على ثوابهم إذ أطاعوا وعمومات القرآن تدل على الثواب وكذا قال ابن عباس: لهم ثواب وعليهم عقاب يلتقون في الجنة ويزدحمون على أبوابها.﴿ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ ﴾ أي بفائت من عقابه إذ لا منجا ولا مهرب منه. قال الزمخشري: ويجوز أن يراد عرض النار عليهم من قولهم: عرضت الناقة على الحوض يريدون عرض الحوض عليها فقلبوا ويدل عليه تفسير ابن عباس يجاء بهم إليها فيكشف لهم عنها " انتهى ". لا ينبغي حمل القرآن على القلب إذ الصحيح في القلب أنه مما يضطر إليه في الشعر وإذا كان المعنى صحيحاً واضحاً مع عدم القلب فأي ضرورة تدعو إليه وليس في قولهم عرضت الناقة على الحوض ولا في تفسير ابن عباس ما يدل على القلب لأن عرض الناقة على الحوض وعرض الحوض على الناقة كل منهما كل منهما صحيح أو العرض أمر نسبي يصح إسناده لكل واحد من الحوض والناقة.﴿ أَلَيْسَ هَـٰذَا بِٱلْحَقِّ ﴾ أي يقال لهم والإِشارة بهذا إلى العذاب.﴿ قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبِّنَا ﴾ تصديق حيث لا ينفع فيقول لهم المجاوب من الملائكة عند ذلك فذوقوا العذاب.﴿ فَٱصْبِرْ ﴾ الفاء عاطفة هذه الجملة على الجملة من إخبار الكفار في الآخرة والمعنى بينهما مرتبط أي هذه حالهم مع الله تعالى فلا تستعجل أنت واصبر ولا تخف إلا الله تعالى وأولوا العزم أي الجد من الرسل.﴿ وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ ﴾ أي لكفار قريش بالعذاب أي لا تدع بتعجيله لهم فإِنه نازل بهم لا محالة وإن تأخر وإنهم مستقصرون حينئذٍ مدة لبثهم في الدنيا كأنهم لم يلبثوا فيها إلا ساعة من نهار بلاغ يعني به القرآن والشرع أي هذا بلاغ أي تبليغ وإنذار وبلاغ مبتدأ خبره لهم.﴿ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْفَاسِقُونَ ﴾ في هذه الآية وعيد وإنذار.


الصفحة التالية
Icon