﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * قۤ وَٱلْقُرْآنِ ٱلْمَجِيدِ ﴾ الآية هذه السورة مكية. قال ابن عباس: الآية وهي قوله:﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ ﴾[ق: ٣٨] ومناسبتها لآخر ما قبلها أنه تعالى أخبر أن أولئك الذين قالوا: آمنا لم يكن إيمانهم حقاً وانتفاءً إيمانهم دليل على إنكار نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم وعدم الإِنذار أيضاً يدل على إنكار البعث فلذلك أعقبه بق والقرآن مقسم به والمجيد صفة وهو الشريف على غيره من الكتب والجواب محذوف يدل عليه ما بعده تقديره أنك جئتهم منذراً بالبعث فلم يقبلوا بل عجبوا والضمير في بل عجبوا عائد على الكفار والإِشارة بقولهم هذا شىء عجيب الظاهر أنها إلى مجيء منذر من البشر والإِشارة بقوله ذلك إلى البعث.﴿ رَجْعٌ بَعِيدٌ ﴾ أي مستبعد في الأوهام والفكر. قال الزمخشري: ويجوز أن يكون الرجع بمعنى المرجوع وهو الجواب ويكون من كلام الله تعالى استبعاداً لإِنكارهم ما أنذروا به في البعث والوقف قبله على هذا التفسير حسن. فإِن قلت ما ناصب الظرف إذا كان الرجع بمعنى المرجوع قلت: ما دل عليه المنذر من المنذر به وهو البعث " انتهى ". وكون ذلك رجع بعيد بمعنى مرجوع وأنه من كلام الله لا من كلامهم على ما شرحه مفهوم عجيب. ينبو عن إدراكه فهم العرب.﴿ بَلْ كَذَّبُواْ ﴾ أي ما أجادوا النظر بل كذبوا والحق القرآن.﴿ فِيۤ أَمْرٍ مَّرِيجٍ ﴾ قال الضحاك مختلط مرة ساحر ومرة شاعر ومرة كاهن.﴿ أَفَلَمْ يَنظُرُوۤاْ ﴾ حين كفروا بالبعث وبما جاء الرسول إلى آثار قدرة الله تعالى في العالم العلوي والسفلي.﴿ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا ﴾ مرتفعة من غير عمد.﴿ وَزَيَّنَّاهَا ﴾ بالنيرين وبالنجوم.﴿ وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ ﴾ أي من فتوق وشقوق بل هي سليمة من كل خلل.﴿ رَوَاسِيَ ﴾ أي جبالاً ثوابت تمنعها من التكفؤ.﴿ مِن كُلِّ زَوْجٍ ﴾ أي نوع.﴿ بَهِيجٍ ﴾ أي حسن المنظر يسر من نظر إليه وتبصرة مفعول من أجله.﴿ لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ ﴾ أي راجع إلى ربه مفكر في بدائع صنعه.﴿ مَآءً مُّبَٰرَكاً ﴾ أي كثير المنافع.﴿ وَحَبَّ ٱلْحَصِيدِ ﴾ أي الحب الحصيد فهو من إضافة الموصوف إلى صفته والحصيد كل ما يحصد مما له حب كالبر والشعير.﴿ بَاسِقَاتٍ ﴾ أي طوالاً في العلو وهو منصوب على الحال وهي حال مقدرة لأنها حالة الانبات لم تكن طوالا وباسقات جمع والنخل اسم جنس فيجوز أن يذكر نحو قوله﴿ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ ﴾[القمر: ٢٠] وأن يؤنث كقوله:﴿ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ ﴾[الحاقة: ٧] وأن يجمع باعتبار أفراده ومنه باسقات وقوله:﴿ وَيُنْشِىءُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ ﴾[الرعد: ١٢].
﴿ لَّهَا طَلْعٌ ﴾ تقدم شرحه عند ومن طلعها قنوان دانية.﴿ نَّضِيدٌ ﴾ أي منضود بعضه فوق بعض يريد كثرة الطلع وتراكمه أو كثرة ما فيه من الثمر وأول ظهور الثمر في الكفرى وهو أبيض منضد كحب الرمان فهو نضيد فإِن خرج من الكفرى فما دام ملتصقاً بعضه ببعض تفرق فليس بنضيد ورزقاً نصب على المصدر لأن معنى وأنبتنا رزقنا أو على أنه مفعول له والإِشارة في كذلك إلى الاحياء أي الخروج من الأرض أحياء بعد موتكم مثل ذلك الحياة للبلدة الميتة وهذه كلها أمثلة وأدلة على البعث وذكر تعالى في السماء ثلاثة البناء والتزيين ونفي الفروج وفي الأرض ثلاثة المد وإلقاء الرواسي والإِنبات قابل المد بالبناء لأن المد وضع والبناء رقع والقاء الرواسي بالتزين بالكواكب لارتكاب كل واحد منهما والانبات المترتب على الشق بانتفاء الفروج فلا شق فيها ونبه تعلق به الانبات على ما يقطف كل سنة ويبقى أصله وما يزرع كل سنة أو سنتين ويقطف كل سنة وعلى ما اختلط من جنسين فبعض الثمار فاكهة لا قوت وأكثر الزرع قوت والتمر فاكهة وقوت ولما ذكر قوله تعالى: ﴿ بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلْحَقِّ ﴾ ذكر من كذب الأنبياء عليهم السلام تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم وتقدم الكلام على مفردات هذه الآية وقصص من ذكر فيها.﴿ أَفَعَيِينَا بِٱلْخَلْقِ ٱلأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾ الخلق الأول هو إنشاء الإِنسان من نطفة على التدريج وتقدم تفسير علمي عند ولم يعي بخلقهن والمعنى أعجزنا عن الخلق الأول فنعجز عن الخلق الثاني وهذا توقيف للكفار وتوبيخ وإقامة الحجة الواضحة عليهم بل هم في لبس أي خلط وشبهة وحيرة.﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ ﴾ هذه آيات فيها إقامة حجج على الكفار في إنكارهم البعث والإِنسان إسم جنس وقيل آدم.﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ ﴾ قرب علم به وبأحواله لا يخفى عليه شىء من خفياته وحبل الوريد مثل في قرط القرب كقول العرب هو مني مقعد القابلة ومقعد الأزار والحبل العرق شبه بواحد الحبال وإضافته إلى الوريد للبيان كقولهم بعير سانية أو يراد حبل العاتق فيضاف إلى الوريد كما يضاف إلى العاتق لاجتماعهما في عضو واحد والعامل في إذ أقرب إليه لأنه أخبر خبراً مجرداً بالخلق والعلم بخطوات الأنفس والقرب بالقدرة والملك فلما تم الاخبار أخبر بذكر الأحوال التي تصدق هذا الخبر وتعين وروده عند السامع فمنها إذ يتلقى المتلقيان ومنها مجيء سكرة الموت ومنها النفخ في الصور ومنها مجيء كل نفس معها سائق وشهيد والمتلقيان الملكان الموكلان بكل إنسان ملك اليمين يكتب الحسنات وملك الشمال يكتب السيئات. وقال الحسن: الحفظة أربعة إثنان بالنهار واثنان بالليل وقعيد مفرد فاحتمل أن يكون معناه مقاعد كما تقول جليس وخليط أي مجالس ومخالط وأن يكون عدل من فاعل إلى فعيل للمبالغة كعليم. قال الكوفيون: مفرد أقيم مقام اثنين والأجود أن يكون حذف من الأول لدلالة الثاني عليه أي عن اليمين قعيد وظاهر ما يلفظ العموم. قال مجاهد: يكتب عليه كل شىء حتى أنينه في مرضه.﴿ رَقِيبٌ ﴾ ملك يرقب. ﴿ عَتِيدٌ ﴾ حاضر.﴿ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ ﴾ معطوف على إذ يتلقى وسكرة الموت ما يعتري الإِنسان عند نزاعه والباء في بالحق للتعدية أي جاءت سكرة الموت الحق وهو الأمر الذي نطقت به كتب الله تعالى وبعث به رسله من سعادة الميت وشقاوته أو للحال أي ملتبسة بالحق.﴿ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ ﴾ أي تميل يقول أعيش كذا وأعيش كذا فمتى فكر في قرب الموت حاد بذهنه عنه وأمله إلى مسافة طويلة بعيدة من الزمان ومن الحيد الحذر من الموت وظاهر تحيد أنه خطاب للإِنسان الذي جاءته سكرة الموت.﴿ سَآئِقٌ ﴾ حاث على السير.﴿ وَشَهِيدٌ ﴾ يشهد عليه قال الزمخشري: ومحل معها سائق النصب على الحال من كل لتعرفه بالإِضافة إلى ما هو في محكم المعرفة " إنتهى ". لا ضرورة تدعو إلى الحال بل الجملة في موضع الصفة إن أعربت معها سائق مبتدأ وخبراً وإلا فسائق فاعل بالظرف قبل لأنه قد اعتمد فالظرف في موضع الصفة وأما قوله لتعرفه بالإِضافة إلى ما هو في حكم المعرفة فكلام ساقط لا يصدر عن مبتدىء في النحو لأنه لو نعت كل نفس ما نعت إلا بنكرة فهو نكرة.﴿ لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا ﴾ أي من عاقبة الكفر فلما كشف الغطاء عنك احتد بصرك أي بصيرتك وهذا كما تقول فلان حديد الذهن وكني بالغطاء عن الغفلة كأنها غطت جميعه أو عينيه فهو لا يبصر فإِذا كان في القيامة زالت عنه الغفلة فأبصر ما لم يكن يبصره من الحق.﴿ وَقَالَ قَرِينُهُ ﴾ هو الشيطان الذي قيض له في قوله﴿ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ﴾[الزخرف: ٣٦]، يشهد له قوله تعالى قال قرينه ربنا ما أطغينا.﴿ هَـٰذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ ﴾ هذا شىء لدى ومن ملكتي عتيد لجهنم والمعنى أن ملكاً يسوقه وآخر يشهد عليه وشيطاناً مقروناً به يقول قد أعدته لجهنم وهيأته لها بإِغوائي وإضلالي.﴿ أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ ﴾ الخطاب من الله للملكين السائق والشهيد.﴿ كُلَّ كَفَّارٍ ﴾ مبالغة أي يكفر النعمة والمنعم.﴿ عَنِيدٍ ﴾ منحرف عن الطاعة.﴿ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ ﴾ أي الزكاة.﴿ مُّرِيبٍ ﴾ شاك في الله تعالى أو في البعث وقيل متهم.﴿ ٱلَّذِي جَعَلَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ ﴾ الظاهر تعلقه بما قبله على جهة البدل ويكون فألقياه توكيداً.


الصفحة التالية
Icon