﴿ وَكَمْ مِّن مَّلَكٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ ﴾ الآية كم خبرية ومعناها هنا التكثير وهي في موضع رفع الابتداء والخبر لا تغني والغنى جلب النفع ودفع الضر بحسب الأمر الذي يكون فيه الغنى وكم لفظها مفرد ومعناها جمع ولذلك جاء.﴿ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ ﴾ ومعنى.﴿ تَسْمِيَةَ ٱلأُنْثَىٰ ﴾ كونهم يقولون انهم بنات الله تعالى.﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ بالآخرة هم العرب منكروا البعث.﴿ وَإِنَّ ٱلظَّنَّ لاَ يُغْنِي ﴾ ما مدركه العلم لا ينفع فيه الظن وإنما يدرك بالعلم والتيقن.﴿ فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّىٰ ﴾ موادعة منسوخة بآية السيف.﴿ وَلَمْ يُرِدْ ﴾ أي لم تتعلق إرادته بغيرها فليس له فكر في سواها.﴿ ذَلِكَ ﴾ إشارة إلى تعلقهم بالدنيا وتحصيلها.﴿ مَبْلَغُهُمْ ﴾ غايتهم منتهاهم.﴿ مِّنَ ٱلْعِلْمِ ﴾ وهو ما تعلقت به علومهم من مكاسب الدنيا كالعلاقة والصنائع كقوله تعالى:﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ﴾[الروم: ٧] ولما ذكر ما هم عليه أخبر تعالى أنه عالم بالضال والمهتدي هو مجازيهما واللام في﴿ لِيَجْزِيَ ﴾ متعلقة بما دل عليه معنى الملك أي يضل ويهدي ليجزي بما عملوا أي بعقاب ما عملوا والحسنة الجنة والكبائر تقدم الكلام عليها.﴿ إِلاَّ ٱللَّمَمَ ﴾ استثناء منقطع لأنه لم يدخل تحت ما قبله وهو صغار الذنوب كالنظرة والقبلة وغير ذلك.﴿ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ ٱلْمَغْفِرَةِ ﴾ حيث يكفر الصغائر باجتناب الكبائر.﴿ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ ﴾ الظاهر أنه خطاب عام وأعلم على بابها من التفضيل والظاهر أن المراد بإِنشائكم أنشأ أصلكم وهو آدم عليه السلام من الأرض.﴿ فَلاَ تُزَكُّوۤاْ أَنفُسَكُمْ ﴾ فلا تنسبوها إلى زكاء العمل والطهارة من المعاصي ولا تنثوا عليها واهضموها فقد علم الله منكم الزكي والتقي والجنين ما كان في البطن فإِذا خرج سمي ولداً أو سقطاً وقوله في بطون أمهاتكم تنبيه على كمال العلم والقدرة فإِن بطن الأم في غاية الظلمة ومن علم حاله وهو مجن لا يخفى عليه حاله وهو ظاهر.﴿ بِمَنِ ٱتَّقَىٰ ﴾ قيل الشرك وقال علي كرم الله وجهه عمل حسنة وارعوى عن معصية.﴿ أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي تَوَلَّىٰ ﴾ الآية، قال مقاتل وغيره: نزلت في الوليد بن المغيرة كان قد سمع قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أنه جلس إليه ووعظه فقرب من الإِسلام وطمع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أنه عاتبه رجل من المشركين وقال: أتترك ملة آبائك إرجع إلى دينك واثبت عليه وأنا أتحمل عنك بكل شىء تخافه في الآخرة لكن على أن تعطيني كذا وكذا من المال فوافقه الوليد على ذلك ورجع عما هم به من الإِسلام وضل ضلالاً بعيداً وأعطى بعض ذلك المال لذلك الرجل ثم أمسك عنه وشح. أكدى أصله من الكدية يقال لمن حفر بئراً ثم وصل إلى حجر لا يتهيأ له فيه حفر قد أكدى ثم استعملته العرب لمن أعطى ولم يتمم ولمن طلب شيئاً فلم يبلغ آخره وأفرأيت هنا بمعنى أخبرني ومفعولها الأول موصول والثاني الجملة الاستفهامية وهي أعنده علم الغيب وتتولى أعرض عن الإِسلام.﴿ أَعِندَهُ ﴾ إستفهام فيه تهكم إذ ليس عنده شىء من علم الغيب.﴿ فَهُوَ يَرَىٰ ﴾ أي الأجزاء.﴿ أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ ﴾ أي بل ألم يخبر.﴿ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ ﴾ وهي التوراة.﴿ وَإِبْرَاهِيمَ ﴾ أي وفي صحف إبراهيم التي نزلت عليه وخص هذين النبيين عليهما السلام قيل لأنه ما بين نوح وإبراهيم كانوا يأخذون الرجل بابنه وأبيه وعمه وخاله والزوج بامرأته والعبد بسيده فأول من خالفهم إبراهيم عليه السلام ومن شريعته عليه السلام إلى شريعة موسى كانوا لا يأخذون الرجل بجريرة غيره وإبراهيم.﴿ ٱلَّذِي وَفَّىٰ ﴾ بتبليغ الرسالة والاستقلال بأعبائها والصبر على ذبح ولده وعلى فراق إسماعيل وأمه وعلى نار نمرود وقيامه بإِكرام أضيافه وخدمته إياهم بنفسه وكان يمشي كل يوم فرسخاً يرتاد ضيفاً فإِن وافقه أكرمه وإلا نوى الصوم وإن هي المخففة من الثقيلة وهي بدل من ما في قوله بما في صحف.﴿ وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ ﴾ الظاهر ان الإِنسان يشمل المؤمن والكافر وان الحصر في السعي فليس له سعي غيره وسأل والي خراسان عبد الله بن طاهر الحسين بن الفضل عن هذه الآية مع قوله والله يضاعف لمن يشاء فقال ليس له بالعدل إلا ما سعى وله بالفضل ما شاء الله فقبل عبد الله رأى الحسين والسعي التكسب ويرى مبني للمفعول أي سوف يراه حاضراً يوم القيامة وفي عرض الأعمال تشريف للمحسنين وتوبيخ للمسيئين والضمير المرفوع في يجزاه عائد على الإِنسان والمنصوب عائد على السعي والجزاء مصدر. قال الزمخشري: ويجوز أن يكون الضمير للجزاء ثم فسره بقوله: الجزاء الأوفى أو أبدله من كقوله:﴿ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ﴾[الأنبياء: ٣] " انتهى ". وقوله: ثم فسره بقوله الجزاء وإذا كان تفسيراً للضمير المنصوب في يجزاه فعلى ماذا انتصابه وأما إذا كان بدلاً فهو من باب بدل الظاهر من المضمر الذي يفسره الظاهر وهي مسألة خلاف والصحيح المنع.﴿ وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ﴾ أي إلى أجزاء ربك.﴿ ٱلْمُنتَهَىٰ * وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ ﴾ الظاهر حقيقة الضحك والبكاء.﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ ٱلزَّوْجَيْنِ ﴾ أي المصطحبين من رجل وامرأة وغيرهما من الحيوان.﴿ مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَىٰ ﴾ أي إذا تدفق وهو المني يقال أمنى الرجل ومني.﴿ وَأَنَّ عَلَيْهِ ٱلنَّشْأَةَ ٱلأُخْرَىٰ ﴾ أي إعادة الأجسام إلى الحشر بعد البلى وجاء بلفظ عليه المشعرة بالتحتم لوجود الشىء لما كانت هذه النشأة ينكرها الكفار بولغ بقوله عليه بوجودها لا محالة وكأنه تعالى أوجب ذلك على نفسه.﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَىٰ وَأَقْنَىٰ ﴾ أي أكسب الغنية يقال: قنيت المال أي كسبته وأقنيته إياه أي أكسبته إياه ولم يذكر متعلق أغنى وأقنى لأن المقصود نسبة هذين الفعلين له تعالى والشعري التي عبدت هي العبور قال السدي: كانت تعبدها حمير وخزاعة وهي تقطع السماء طولاً والنجوم كلها تقطعها عرضاً.﴿ وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً ٱلأُولَىٰ ﴾ جاء بين أن وخبرها لفظ هو وذلك في قوله: وأنه هو أضحك وأنه هو أمات وأنه هو أغنى وأنه هو رب الشعرى ففي الثلاثة الأول لما كان قد يدعي ذلك بعض الناس كقول نمروذ أنا أحيي وأميت احتيج إلى تأكيد في أن ذلك هو الله لا غيره فهو الذي يضحك ويبكي وهو المميت المحيي والمغني والمقني حقيقة ان أدعى ذلك أحد فلا حقيقة له وأما وأنه هو رب الشعرى فلأنها لما عبدت من دون الله تعالى نص على أنه تعالى هو ربها وموجدها ولما كان خلق الزوجين والإِنشاء الأخير وإهلاك عاد ومن ذكر لا يمكن أن يدعي ذلك أحد لم يحتج إلى تأكيد ولا تنصيص أنه تعالى هو فاعل ذلك وعاد الأولى هم قوم هود وعاد الأخرى إرم.﴿ وَقَوْمَ نُوحٍ ﴾ أي كانوا أكفر من قريش.﴿ وَأَطْغَىٰ ﴾ وفي ذلك تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يجوز أن يكون تأكيداً للضمير المنصوب ويجوز أن يكون فصلاً لأنه واقع بين معرفة وافعل التفضيل وحذف المفضول بعد الواقع خبراً لكن لأنه جار مجرى خبر المبتدأ وحذفه فصيح فيه فكذلك في خبر كان.﴿ وَٱلْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَىٰ ﴾ هي مدائن قوم لوط بإِجماع من المفسرين. وسميت بذلك لأنها انقلبت ومنه الأفك لأنه قلب الحق كذباً أفكه فائتفك والظاهر أن أهوى ناصب للمؤتفكة وأخر العامل لكونه فاصلة.﴿ فَغَشَّاهَا مَا غَشَّىٰ ﴾ فيه تهويل للعذاب الذي حل بهم لما قبلها جبريل عليه السلام اتبعت حجارة غشيتهم والتضعيف في غشاها للتعدية فتكون ما مفعولة والفاعل ضمير عائد على الله تعالى.﴿ فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكَ ﴾ الباء ظرفية والخطاب للسامع. و ﴿ تَتَمَارَىٰ ﴾ تتشكك وهو استفهام في معنى الإِنكار أي آلاؤه وهي النعم لا يتشكك فيها سامع وقد سبق ذكر نعم ونقم وأطلق عليها كلها آلاء لما في النقم من الزجر والوعظ لمن اعتبر. وقرأ يعقوب: ربك تمارى بتاء واحدة مشدّدة.﴿ هَـٰذَا نَذِيرٌ ﴾ الاشارة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح أول السورة به واختتم آخرها به ولما ذكر إهلاك من تقدم ذكره وذكر قوله هذا نذير ذكر أن الذي أنذر به قريب الوقوع فقال:﴿ أَزِفَتِ ٱلآزِفَةُ ﴾ أي قربت الموصوفة بالقرب في قوله اقتربت الساعة وهي القيامة.﴿ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ كَاشِفَةٌ ﴾ أي نفس كاشفة تكشف وقتها وتعلمه لا يعلم ذلك إلا الله تعالى.﴿ أَفَمِنْ هَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ ﴾ هو القرآن تعجبون فتنكرون وتضحكون مستهزئين ﴿ وَلاَ تَبْكُونَ ﴾ جزعاً من وعيده.﴿ وَأَنتُمْ سَامِدُونَ ﴾ أي لاهون روي أنه صلى الله عليه وسلم لم ير ضاحكاً بعد نزولها.﴿ فَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ ﴾ أي صلوا له.﴿ وَٱعْبُدُواْ ﴾ أفردوه بالعبادة ولا تعبدوا اللات والعزى ومناة والشعرى وغيرها من الأصنام.