﴿ نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ ﴾ حض على التصديق أشار إلى النشأة الأولى وهي خلقهم ثم قال:﴿ فَلَوْلاَ تُصَدِّقُونَ ﴾ بالإِعادة وتقرون بها كما أقررتم بالنشأة الأولى.﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَّا تُمْنُونَ ﴾ هو من المنى الذي يخرج من الإِنسان إذ ليس له في خلقه عمل ولا إرادة ولا قدرة ومفعول أرأيتم هو ما يليه والثاني جملة الاستفهام بعده وأم معادلة للهمزة وكان ما جاء من الخبر بعد نحن جيء به على سبيل التوكيد إذ لو قال أم نحن لوقع الاكتفاء به دون ذكر الخبر ونظير ذلك الجواب من قال من في الدار زيد في الدار أو زيد فيها ولو اقتصر في الجواب على زيد لا أكتفي به.﴿ نَحْنُ قَدَّرْنَا ﴾ أي قضيتنا وأثبتنا أو ربتنا في التقدم والتأخر فليس موت العالم دفعة واحدة بل بترتيب لا يتعدى.﴿ بِمَسْبُوقِينَ ﴾ يقال سبقته على الشىء أعجزته عنه وغلبته عليه.﴿ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ من الصفات أي نحن قادرون على أن نعدمكم وننشىء أمثالكم وعلى تغيير أوصافكم مما لا يحيط به فكركم ولقد علمتم أنه هو الذي أنشأكم أولاً إنساناً وأنه خلق آدم عليه السلام من طين ولا ينكرها أحد من ولده.﴿ فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ ﴾ حض على التذكر المؤدّي إلى الإِيمان والإِقرار بالنشأة الآخرة.﴿ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ ﴾ ما تذرونه وتبذرونه في الأَرض.﴿ ءَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ ﴾ أي زرعا يتم وينبت حتى ينتفع به والحطام اليابس المفتت الذي لم يكن له حب ينتفع به.﴿ فَظَلْتُمْ ﴾ أصله فظلتم حذفت عين الكلمة.﴿ تَفَكَّهُونَ ﴾ قال ابن عباس: معناه تعجبون.﴿ لَمُغْرَمُونَ ﴾ أي معذبون من الغرام الذي هو أشد العذاب.﴿ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ﴾ أي محدودون لا حظ لنا في الخير.﴿ ٱلْمَآءَ ٱلَّذِي تَشْرَبُونَ ﴾ هذا الوصف يغني عن وصفه بالعذب ألا ترى مقابله هو الاجاج ودخلت اللام في لجعلناه حطاماً. وسقطت في جعلناه أجاجا وكلاهما فصيح والظاهر أن قوله:﴿ شَجَرَتَهَآ ﴾ المراد منه الشجر الذي يقدح منه النار كما قال تعالى:﴿ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلشَّجَرِ ٱلأَخْضَرِ نَاراً ﴾[يس: ٨٠] الآية.﴿ تَذْكِرَةً ﴾ أي لنار جهنم.﴿ وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ ﴾ أي النازلين الأرض القوا وهي القفر وقدّم من فوائد النار ما هو أهم وآكد من تذكيرها بنار جهنم ثم اتبعه بفائدتها في الدنيا وهي الأربعة التي ذكرها الله تعالى ووقفهم عليها من أمر خلقهم وما به قوام عيشهم من المطعوم والمشروب والنار من أعظم الدلائل على البعث إذ فيها انتقال من شىء إلى شىء وإحداث شىء من شىء ولذلك أمر في آخرها بتنزيهه تعالى عما يقول الكافرون ووصف تعالى نفسه بالعظم إذ من هذه أفعاله تدل على عظمته وكبريائه وانفراده بالخلق والإِنشاء.﴿ فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ ﴾ قرأ الجمهور فلا أقسم فقيل لا زائدة مؤكدة مثلها في قوله لئلا يعلم أهل الكتاب والمعنى فأقسم وقيل المنفي محذوف أي فلا صحة لما يقول الكفار ثم ابتدأ أقسم بمواقع النجوم قال ابن عباس هي نجوم القرآن التي أنزلت على الرسول عليه السلام ويؤيد هذا القول انه لقرآن فعاد الضمير على ما يفهم من قوله: ﴿ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ ﴾ أي نجوم القرآن وفي إقسامه تعالى بمواقع النجوم سر في تعظيم ذلك لا نعلمه نحن وقد أعظمه تعالى فقال:﴿ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾ والجملة المقسم عليها قوله:﴿ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ﴾ وفصل بين القسم وجوابه فالظاهر أنه اعتراض بينهما وفيه اعتراض بين الصفة والموصوف بقوله: ﴿ لَّوْ تَعْلَمُونَ ﴾ وكريم وصف مدح ينفي عنه ما لا يليق والظاهر أن قوله:﴿ لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ ٱلْمُطَهَّرُونَ ﴾ صفة لقرآن كريم فالمطهرون هم الملائكة وقيل لا يمسه صفة لكتاب مكنون فإِن كان الكتاب الذي هو في السماء فالمطهرون هم الملائكة أيضاً أي لا يطلع عليه من سواهم والإِشارة في.﴿ أَفَبِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ ﴾ للقرآن. و ﴿ أَنتُمْ ﴾ خطاب للكفار.﴿ مُّدْهِنُونَ ﴾ قال ابن عباس مهاودون فيما لا يحل.﴿ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ ﴾ أي شكر ما رزقكم أي شكر ما رزقكم الله تعالى من إنزال القرآن عليكم تكذيبكم به أي تضعون مكان الشكر التكذيب.﴿ فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ ٱلْحُلْقُومَ ﴾ ترتيب الآية فلولا ترجعونها إذا بلغت الحلقوم إن كنتم غير مدينين وفلولا الثانية مكررة للتوكيد والضمير في ترجعونها للنفس.﴿ فَأَمَّآ إِن كَانَ ﴾ أي المتوفى.﴿ مِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ ﴾ وهم السابقون.﴿ فَرَوْحٌ ﴾ وهو الراحة والرحمة والريحان الرزق.﴿ فَسَلاَمٌ لَّكَ ﴾ يا صاحب اليمين من إخوانك أصحاب اليمين أي يسلمون عليك.﴿ فَنُزُلٌ ﴾ النزل ما يعد للضيف والفاء في المواضع الثلاثة جواب لا ما وأغنى عن جواب الشرط الذي هو ان وإذا اجتمع شرطان فالجواب للأول ويغني عن جواب الثاني ولما انقضى الإِخبار بتقسيم أحوالهم وما آل إليه كل قسم منهم أكد ذلك بقوله:﴿ إِنَّ هَـٰذَا ﴾ أي أن هذا الخبر المذكور في هذه السورة.﴿ لَهُوَ حَقُّ ٱلْيَقِينِ ﴾ فقيل هو من إضافة المترادفين على سبيل المبالغة كما تقول هذا يقين اليقين وصواب الصواب بمعنى أنه نهاية في ذلك فهما بمعنى واحد أضيف على سبيل المبالغة ولما تقدم ذكر الأقسام الثلاثة مسهباً الكلام فيهم أمره تعالى بتنزيهه عما لا يليق به من الصفات ولما أعاد التقسيم موجزاً الكلام فيه أمره أيضاً بتنزيهه والإِقبال على عبادة ربه والإِعراض عن أقوال الكفرة المنكرين للبعث والحساب والجزاء ويظهر أن سبح يتعدى بنفسه تارة كقوله:﴿ سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ ﴾[الأعلى: ١] وتسبحوه وتارة بحرف الجر كقوله: ﴿ فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ﴾ والعظيم يجوز أن يكون صفة لربك.