﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * سَبَّحَ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ﴾ الآية هذه السورة مدنية بإِجماع المفسرين قاله النقاش وقال غيره كالزمخشري هي مكية ومناسبتها لآخر ما قبلها واضحة لأنه تعالى أمر بالتسبيح ثم أخبر أن التسبيح المأمور به قد فعله والتزمه كل من في السماوات والأرض وأتى سبح بلفظ الماضي ويسبح بلفظ المضارع وكله يدل على الديمومة والاستمرار.﴿ آمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ لما ذكر تعالى تسبيح العالم له وما احتوى عليه من الملك والتصرف وما وصف به نفسه من الصفات العلا وختمها بالعلم بخفيات الصدور أمر تعالى عباده المؤمنين بالثبات على الإِيمان وإدامته والنفقة في سبيل الله تعالى، قال الضحاك: نزلت في غزوة العمرة غزوة تبوك.﴿ مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ﴾ أي ليست لكم بالحقيقة وإنما انتقلت إليكم من غيركم وكما وصلت إليكم تتركونها لغيركم وفيه تزهيد فيما بيد الإِنسان إذ مصيره إلى غيره وليس له منه إلا ما في الحديث" يقول ابن آدم: مالي، مالي وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأبقيت "وفي لفظ فأمضيت.﴿ وَمَا لَكُمْ ﴾ استفهام على سبيل التأنيث والإِنكار وهو مبتدأ ولكم الخبر.﴿ لاَ تُؤْمِنُونَ ﴾ جملة حالية والواو في والرسول واو الحال وفي وقد أخذوا والحال وقرىء أخذ مبنياً للفاعل والمفعول والمعنى أن من اتصف بهذه الأحوال يجب أن يؤمن ويديم الإِيمان والميثاق الذي أخذ قيل انه أخذه الله تعالى حين استخرج من ظهر آدم عليه السلام ذريته وأشهدهم على أنفسهم وجواب إن كنتم محذوف أي فدوموا على الإِيمان.﴿ وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُواْ ﴾ إستفهام ثان على معنى الإِنكار وإن لا تنفقوا مصدر على إسقاط حرف الجر تقديره في عدم الإِنفاق والواو في ولله واو الحال ومقابل قوله لا يستوي منكم من أنفق محذوف يدل عليه ما بعده تقديره ومن أنفق من بعده الفتح وقاتل ثم أثنى على من فعل ذلك قبل الفتح ثم قال:﴿ وَكُلاًّ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ ﴾ أي كلاً من المنفقين وهو منصوب على أنه مفعول أول بقوله: " وعد والحسنى " مفعول ثان وهي قراءة الجمهور بالنصب وقرأ ابن عامر: وكل بالرفع على أنه مبتدأ وخبره الجملة بعده حذف منه المفعول وهو الضمير العائد على كل تقديره وعده الله تعالى ونظير ذلك قول الشاعر: وخالد تحمد ساداتنا   بالحق لا تحمد بالباطلتقديره تحمده سادتنا فحذف الضمير العائد على المبتدأ والظاهر أن قوله: ﴿ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ ﴾ هو زيادة على التضعيف المترتب على القرض أي وله مع الضعيف أجر كريم.﴿ يَوْمَ تَرَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ ﴾ الآية العامل في يوم ما عمل في لهم التقدير ومستقر لهم أجر كريم يوم ترى أو اذكر يوم ترى إعظاماً لذلك اليوم والرؤية هنا رؤية العين والنور حقيقة والظاهر أن النور يتقدم لهم بين أيديهم ويكون أيضاً بإِيمانهم فيظهر أنهما نوران نور ساع بين أيديهم ونور بإِيمانهم فلذلك تضيء الجهة التي يؤمونها وبهذا يضيء ما حواليهم من الجهات.﴿ بُشْرَاكُمُ ٱلْيَوْمَ جَنَّاتٌ ﴾ جملة معمولة لقول محذوف تقديره تقول لهم الملائكة الذين يتلقونهم جنات أي دخول جنات.﴿ يَوْمَ يَقُولُ ﴾ بدل من يوم ترى ومثل معمول لا ذكر. قال ابن عطية: ويظهر لي أن العامل فيه ذلك هو الفوز العظيم ويجيء معنى الفور أفخم كأنه يقول: إن المؤمنين يفوزون بالرحمة يوم يعتري المنافقين كذا وكذا لأن ظهور المرء يوم خمول عدوه ومضاده أبدع وأفخم " انتهى ". فظاهر كلامه وتقديره أن يوم منصوب بالفوز وهو لا يجوز لأنه مصدر قد وصف قبل أخذ متعلقاته فلا يجوز عماله فلا وأعمل وصفه وهو العظيم لجاز أي الفوز الذي عظم أي قدره يوم يقول:﴿ ٱنظُرُونَا ﴾ أي انتظرونا لأنهم لما سبقوهم إلى المرور على الصراط وقد طفئت أنوارهم قالوا ذلك، وقرىء: أنظرونا من أنظر رباعياً أي أخرونا أي اجعلونا في آخركم ولا تسبقونا. وقرىء: أنظرونا أمر من نظر بمعنى انتظر. قال امرؤ القيس: وإنكما إن تنظراني ساعة من الدهر   تنفعني لدا أم جندب﴿ نَقْتَبِسْ ﴾ جواب للأمر أي نصب منه حتى نستضيء به يقال اقتبس الرجل واستقبس أخذ من نار غيره قبساً.﴿ قِيلَ ٱرْجِعُواْ وَرَآءَكُمْ ﴾ القائل المؤمنون أو الملائكة وراءكم منصوب بإِرجعوا وارجعوا أو توبيخ وطرد أي ارجعوا إلى الموقف حيث أعطينا النور ثم يعود الضمير منه على الباب لقربه وقيل على السور وباطنه الشق الذي لأهل الجنة وظاهره ما بدا منه.﴿ مِن قِبَلِهِ ﴾ أي من جهته.﴿ ٱلْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ ﴾ إستئناف أخبار.﴿ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ ﴾ أي في الظاهر.﴿ قَالُواْ بَلَىٰ ﴾ أي كنتم معنا في الظاهر.﴿ وَلَـٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ ﴾ أي عرضتم.﴿ أَنفُسَكُمْ ﴾ للفتنة بنفاقكم.﴿ وَتَرَبَّصْتُمْ ﴾ أي بإِيمانكم حتى وافيتم على الكفر.﴿ وَٱرْتَبْتُمْ ﴾ شككتم في أمر الدين.﴿ وَغرَّتْكُمُ ٱلأَمَانِيُّ ﴾ وهي الطماع.﴿ حَتَّىٰ جَآءَ أَمْرُ ٱللَّهِ ﴾ وهو الموت على النفاق والغرور الشيطان.﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ ﴾ الآية كثر المزاح في شباب الصحابة فنزلت بأن مضارع أني كرمى يرمي كالذين أوتوا الكتاب قيل هم معاصرو موسى عليه السلام من بني إسرائيل حذر المؤمنين أن يكونوا مثلهم في قساوة القلوب إذ كانوا إذا سمعوا التوراة رقوا وخشعوا فطال عليهم الأمد أي انتظار الفتح وانتظار القيامة والأمد الغاية من الزمن فقست قلوبهم أي صلبت بحيث لا تنفعل للطاعات والخير.


الصفحة التالية
Icon